أثار تقرير عسكري اسرائيلي حول عدد الفلسطينيين جدلا في إسرائيل، حين قال إن عددهم يتساوى حاليا مع اليهود، وهو ما استغلته المعارضة الإسرائيلية للهجوم على الحكومة، واتهامها بأنها ستتسبب مستقبلا في قيام "دولة واحدة ثنائية القومية" بسبب رفضها لمبدأ "حل الدولتين".
وكانت الإدارة المدنية الإسرائيلية، ذراع الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، قد قالت الثلاثاء الماضي (9 مارس/آذار)، إن هناك 5 ملايين فلسطيني مسجلين في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أن يشمل ذلك الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية.
وإذا ما تم إضافة أعداد المقيمين في القدس الشرقية، وكذلك العرب المقيمين داخل إسرائيل والحاصلين على الجنسية الإسرائيلية، فإن عدد الفلسطينيين يصل داخل أراضي فلسطين التاريخية (إسرائيل والضفة وغزة) إلى نحو 6.5 مليون شخص.
ويتقارب هذا العدد مع معطيات مركز الإحصاء الإسرائيلي، التي تقول إن أعداد اليهود تبلغ نحو 6.5 مليون شخص أيضا.
وحسب تقرير لجهاز الاحصاء الفلسطيني (حكومي) صدر في نهاية العام ٢٠١٦، فمن المتوقع أن تبلغ نسبة اليهود داخل (فلسطين التاريخية) حوالي 49.3% من إجمالي السكان بحلول نهاية عام 2020، حيث سيصل عددهم إلى نحو 6.96 مليون يهودي مقابل 7.12 مليون فلسطيني.
وأثارت إحصائية الإدارة المدنية، قلقا لدى بعض الأوساط في إسرائيل، حيث ترى بعض الفئات أن استمرار الحكومة في رفض حل الدولتين، القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، واستمرارها في الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، سيؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة دولة واحدة ثنائية القومية.
وتعتقد هذه الأوساط أن العرب سيكون لهم الغلبة داخل الدولة الواحدة، نظرا لأن نسبة الخصوبة لديهم أعلى من اليهود، وتزداد أعدادهم باضطراد، وهو ما سيعني نهاية "الدولة اليهودية".
وأظهر يتسحاق هرتسوغ، رئيس المعارضة في الكنيست، عن حزب "المعسكر الصهيوني" قلقه من هذه المعطيات، في ظل سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وقال هرتسوغ في تصريح صحفي حصلت وكالة الأناضول على نسخة منه:" عدد الفلسطينيين يصل إلى 5 ملايين نسمة، هي إشارة تحذيرية للقيادة الإسرائيلية التي لا تفهم شدة خطر الدولة ثنائية القومية، وتستمر في خلق واقع لا رجعة فيه لواقع الدولة الواحدة".
وأضاف هرتسوغ:" إن على من يخشى (فكرة) الدولة الواحدة، أن يقفوا جنبا إلى جنب بهدف الانفصال عن الفلسطينيين وتطبيق (خيار) حل الدولتين".
وتتفق الحكومة والمعارضة في إسرائيل، على رفض فكرة "الدولة الواحدة الديمقراطية"، لكنهما يختلفان بخصوص خيار حل الدولتين، حيث ترفض أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم إنشاء دولة فلسطينية، وتدعم بشدة الاستيطان اليهودي داخل أراضي الضفة الغربية، وتدعو لإقامة "حكم ذاتي" للفلسطينيين عوضا عن "الدولة المستقلة".
أما أحزاب اليسار الإسرائيلي المعارض، فتؤيد إقامة دولة فلسطينية، ولكن وفق شروط مشددة ترفضها القيادة الفلسطينية.
ويقول الخبير في الشؤون الاسرائيلية جلال البّنا، إن النمو السكاني الفلسطيني، يثير "الهلع" لدى الإسرائيليين.
ويضيف البنا، لوكالة الاناضول:" هناك حالة كبيرة من الهلع في اسرائيل من النمو السكاني لدى العرب والذي يزيد عنه لدى اليهود".
وعلى الرغم من ذلك، يستبعد البنا قيام دولة واحدة ثنائية القومية، لأنها فكرة مرفوضة اسرائيليا.
ويبلغ معدل النمو السكاني في فلسطين حوالي ٢.٩٪ وفق جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، مقابل ٢٪ في اسرائيل حسب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.
وقال البنا:" اليسار الصهيوني منذ إقامة اسرائيل، كان شغله الشاغل هو كيفية الحفاظ على أكثرية يهودية في المنطقة، وحتى لا يأتي يوم يضطر فيه إلى اعطاء أي آخر غير اليهودي أية حقوق، كان يدعو إلى الفصل التام، وإعطاء الفلسطينيين دولة يكونوا فيها لوحدهم دون اختلاط مع اليهودي، بغض النظر عن شكل هذه الدولة".
أما اليمين الاسرائيلي، (الحاكم حاليا)، فيتبنى وجهة نظر تقول على أساس أنه "لا يهم كم عدد الفلسطينيين، المهم أن تبقى السيطرة اليهودية.. فاليهود لهم الحق في كل هذه البلاد، ولهم الحق في التواجد أينما شاؤوا، والفلسطينيون يجب أن يبقوا في تجمعات، بدون حقوق، بدون دولة، وتحت حكم ذاتي محدود، على أقل مساحة أرض، عليها أكبر عدد من السكان".
ويرى البنا أن الجانبين اليميني واليساري في اسرائيل، لديهم نظرة عنصرية مطلقة تجاه الوجود الفلسطيني.
ويضيف:" مهما كان شكل التواجد الفلسطيني في اسرائيل فإن الامتيازات التي يمكن أن يحظى بها الفلسطيني يجب ان تبقى برأي الجانبين، أقل من تلك التي يحظى بها اليهودي، لكنه لن يكون مواطنا تحت كل الظروف".
أما الكاتب في الشؤون الاسرائيلية عصمت منصور، فيقول إن الخيارات المطروحة اسرائيليا للتخلص من فكرة "الخطر الديمغرافي" تقوم على ٣ أسس، الأول، إعطاء الفلسطينيين دولة قابلة للحياة لقطع الطريق أمام الدولة الواحدة ثنائية القومية.
والثاني إقامة كونفدرالية فلسطينية، بحيث تتبع الضفة الغربية للأردن، وقطاع غزة يكون تابعا لمصر.
أما الخيار الثالث الأكثر تشددا فهو "اجراء من طرف واحد يقوم على أساس تبادل للسكان والأراضي، بحيث تصبح المدن العربية داخل اسرائيل تابعة للسلطة الفلسطينية، والمستوطنات بالضفة الغربية تتبع دولة إسرائيل، وتكون هذه السلطة منزوعة السيادة وبلا سلاح، وتحظى بحكم ذاتي إداري".
وقال منصور لوكالة الأناضول:" في الحقيقة هناك خطر ديمغرافي يتهدد إسرائيل، كلما توسعت في المساحة كلما صارت أقل يهودية، لا مناص من مواجهة هذه الحقيقة، وبالتالي كل من يدعو لحل لا يقوم على حل الدولتين يعي أن ذلك سيؤدي إلى إغراق الدولة اليهودية بغير اليهود، ما يؤثر على حلم الصهيونية وفكرة وجود الدولة اليهودية".
من جهته، يرى البروفيسور سعيد زيداني، أستاذ الفلسفة في جامعة القدس أن هناك "مخططات كثيرة لدى الإسرائيليين لوأد فكرة قيام دولة ثنائية القومية، أو دولة ليس فيها أغلبية يهودية".
وأضاف زيداني لوكالة الأناضول:" هم لن يسمحوا أبدا بأن يصبح العرب أكثرية داخل اسرائيل، وهذا هو الأهم، لذلك هم لا يريدون ضم الضفة بسكانها وتحويلهم لإسرائيليين، لأن ذلك يهدد الاغلبية اليهودية، هم لديهم عرب في اسرائيل ونسبتهم لا تتعدى العشرين بالمئة، وهذا النسبة ثابتة، وبالتالي لا خطر على فكرة الدولة اليهودية".
ويرى زيدان أن اسرائيل ستقوم بسلسلة خطوات أحادية لمنع قيام دولة ثنائية القومية، ومن ذلك قد يلجؤون إلى اعتبار قطاع غزة هو الدولة الفلسطينية.
وأضاف:" أو قد يسعون لإنشاء سلطة حكم ذاتي وتجميع أكبر عدد من الفلسطينيين في أقل مساحة أرض، أو يسعون لترتيبات مع مصر والأردن للتخلص من الفلسطينيين".
بدورها تقول الدكتورة هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية "مدار"، إن اسرائيل تتعامل مع الوجود الديمغرافي وتغييراته، بأنه "خطر كبير في ظل عدم وجود تسوية سياسية".
وأضافت لوكالة الأناضول:" بالتالي هناك محاولة لإيجاد صيغ لتحييد هذا الخطر من خلال السعي نحو وضع أسس لحل المسألة الفلسطينية بسلطة الأمر الواقع، عبر انشاء دولة كنتونات معزولة غير متصلة، غير قابلة للحياة، تحظى بسلطة حكم ذاتي، يعني دولة مشوهة تقوم على أقل مساحة أرض ممكنة".
وترى غانم أن إسرائيل قد تسعى إلى "هندسة الحل الفلسطيني بضم المستوطنين وإخراج الفلسطينيين من اسرائيل، وإعطائهم حكما ذاتيا دون فكرة قيام دولة فلسطينية".