تلم يكتف المصريون بالحزن النبيل الذى غمرهم عقب مأساة سقوط الطائرة المصرية وإنما انتابتهم مشاعر القلق والغضب بسبب الإحساس بأن ثمة مؤامرة محكمة شريرة تهدف إلى النيل من آمالهم المشروعة فى مستقبل أفضل ،
ولم أكن أبداً ميالاً لتفسير كل ما نواجهه من مصاعب وكوارث بتآمر علينا من أعدائنا وإنما هى «لعبة الأمم» التى تنطوى على صراعات من أجل المصالح بعضها واضح مكشوف والبعض الآخر يجرى تنفيذه خفية وقد لا تكتشف حقيقته إلا بعد حين كما حدث فى خطة العدوان الثلاثى على مصر فى 1956 بل وقد لا تكتشف على الإطلاق ، غير أن تتابع الأحداث فى الآونة الأخيرة يدفع المصريين دفعاً للاعتقاد بوجود هذه المؤامرة ، فهذه طائرة روسية تسقط فوق سيناء وذاك باحث إيطالى تُلقى جثته على قارعة الطريق بعد تعذيب وحشى وصولاً إلى المأساة الأخيرة لسقوط طائرة مصر للطيران فوق المتوسط ، ولم يكن الأمر بحاجة إلى ذكاء للربط بين الحوادث الثلاث فكلها ترتبط بدول لها علاقاتها الوثيقة بمصر ولفت النظر بصفة خاصة توقيت حادثة مقتل الباحث الإيطالى فى اليوم ذاته الذى اكتملت فيه خطوات توقيع اتفاقيات تعاون ذات شأن بين مصر وإيطاليا ، ولم نعد وحدنا الذين نفكر بهذه الطريقة فقد أثارت وسائل إعلام غربية ـ وبالذات فرنسية ـ الفكرة نفسها عقب الحادث الأخير ، وحتى لو كانت فكرة المؤامرة فى غير موضعها فإن ثمة مؤامرة أكيدة تتمثل فى الطريقة التى استغلت بها جهات معينة كارثة الطائرة لتحقيق مكاسب سياسية كما سيجىء .
يدور البحث عن أسباب كوارث الطيران وبالذات فى الظروف الراهنة أساساً حول احتمالين أولهما عمل إرهابى والثانى عطل فنى، ويجمع خبراء الطيران الحقيقيون على أن الطريقة المفاجئة التى سقطت بها الطائرة ترجح فرضية العمل الإرهابى لأن الأعطال الفنية تستغرق وقتاً ما وترتبط بإرسال استغاثات وهو مالم يحدث فى حالتنا ، ويضاف إلى هذا بعض الأسباب غير المألوفة كصاعقة جوية أو دخول طيور فى محركات الطائرة وغيرها، وبالإضافة إلى هذا انفردت صحيفة «المصرى اليوم» بطرح احتمال أن يكون لسقوط الطائرة علاقة بالمناورات الجوية الإسرائيلية التى بدأت فى المنطقة التى سقطت فيها الطائرة قبل ليلة واحدة من سقوطها وتستمر حتى السادس من يونيو، بل إن توقيت إجراء المناورات يبدأ فى الثالثة صباحاً وهو موعد قريب أيضاً من موعد سقوط الطائرة ويستمر حتى الحادية عشرة ، ويذكر للصحيفة أنها لم تلق التهم جزافاً وإنما اكتفت بطرح الأسئلة وهى أسئلة مشروعة، غير أن البعض ممن يُطلق عليهم خبراء طيران قدموا وصفاً تفصيلياً للحادث يتطلب وجودهم داخل الطائرة المنكوبة مع أنه لا يمكن القطع بأى سبب قبل ظهور الصندوق الأسود واكتمال التحقيق بناءً على ما يتيحه من معلومات، وقد بلغت الجرأة بأحدهم إلى حد القول إن ما قيل إنه دخان رصدته أجهزة متابعة إلكترونية ليس سوى ضباب ملأ قمرة القيادة بعد انفجار أطاح بالجانب الأيمن من الطائرة وكان فيما يبدو جالساً فى الجانب الأيسر.
ويعد اللامعقول تأتى الحقارة، ومنها التكرار الأمريكى السخيف للادعاء بانتحار الطيار هكذا ببساطة، وتصوروا مدى الظلم الذى يمكن أن يلحق بهذا الشهيد العزيز الذى أسهب الجميع فى الحديث عن صفاته الجميلة صاحب ما يزيد على ستة آلاف ساعة طيران والذى أفادت مصادر المراقبة الجوية اليونانية بأنه كان مبتهجاً فى آخر اتصال معها وشكر أفرادها باليونانية بمجرد إطلاق اتهام حقير كهذا، ولهذا احتفى المصريون على مواقع التواصل الاجتماعى بتغريدة المتحدث باسم الخارجية المصرية الذى وصف فيها هذا الاتهام بأنه أمر ينقصه الاحترام تماماً كما احتفى آلاف المصريين فوراً بالصحفية البلجيكية الشجاعة التى رفضت الانصياع لتعليمات الصحيفة التى تعمل لحسابها بأن تركز على آلام الضحايا وعلى الكلام عن توجيه الاتهام لمصر للطيران، أما جماعة الإخوان فهم حالة ميئوس منها وطنياً وإنسانياً سواء فى المواقف الفردية لأنصارها أو فى البيان الذى أصدروه، وقد وصفهم الأستاذ خالد سيد أحمد فى صحيفة «الشروق» بنباشى القبور ووصفهم الأستاذ ثروت الخرباوى بألفاظ شديدة القسوة يستحقونها. يقول هؤلاء إن الله يعاقب النظام المصرى على جرائمه ولست أدرى لماذا يعاقب الله العادل القادر النظام بمصرع نفوس بريئة؟ ومتى يتطهرون من عادة الحديث باسمه سبحانه وتعالى ؟ ومنذ متى جفف السد العالى وقناة السويس مياههما وخرجا من الخدمة على حد قولهم كى تلحق بهم مصر للطيران العزيزة الشامخة؟ وأين هى ياترى حوادث «السقوط المتتالى» لطائراتها؟ أما «الجزيرة» وقد استضافت غداة الكارثة مصرياً يقول أن السيسى هو الذى أسقط الطائرة كى يغطى على خططه لتوسيع التطبيع مع إسرائيل. فليمسح المصريون دموعهم التى انهمرت حزناً على شهدائهم الأعزاء فى المساجد والكنائس وفى كل مكان على أرض مصر الطاهرة ، وتحية لشركتنا الوطنية التى أظهرت أطقمها دائماً مستوى رفيعاً للأداء يدعو إلى الفخر ، وسلاماً على شهدائنا الأبرار وعلى كل إنسان راح ضحية لهذا الحادث الأليم ، وسوف تبقى مصر دائماً أقوى من كل المحن.
al-Ahram