قدسية الأقصى وقدسية فلسطين

تحليلات 15:00 18.08.2019

لا قدسية لمسجد بدون المصلين، ولا قدسية لوطن بدون المواطنين، وقد أثبت الشعب الفلسطيني جدارة استحقاقه لقدسية المسجد الأقصى، الذي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عند عموم المسلمين، وبدون أن نسمع صوتا مؤثرا بطول وعرض العالمين العربي والإسلامي، اللهم إلا بيانات باهتة أو ساخنة، لا تحرك حجرا ولا تدفع خطرا، ولا تصد هجمة وحشية مدبرة من الإسرائيليين لاقتحام المسجد الأقصى في يوم عيد الأضحى الأخير، الذي صادف هذا العام ما يسميه الصهاينة بعيد «خراب الهيكل»، فاندفعت جحافل الخراب، ومعها جيش العدو وكامل سلاحه، مع قرابة 1700 متطرف إسرائيلي، ومنع جيش الاحتلال دخول أي فلسطيني من خارج القدس لصلاة العيد، لكن المفاجأة المذهلة كانت في انتظارهم، فقد حشد الفلسطينيون المقدسيون وحدهم مئة ألف مصل، زحفوا إلى المسجد الأقصى، ومنحوا المسجد العتيق قداسة يستحقها، كمسرى للنبي الأمين (ص)، ونقطة انطلاق الرحلة النبوية المقدسة إلى معارج السموات العلا حتى سدرة المنتهى.
وقد لا يجادل أحد في قدسية المسجد الأقصى، اللهم إلا إذا كان مأفونا، أو صهيونيا ظاهرا أو متنكرا، لكن «الأقصى» ليس مجرد مكان للصلاة، وصلاة المسلمين ممكنة على أي حال، وفي أي مكان، وقد جعلت الأرض كلها طهورا ومسجدا للمسلمين، بنص الحديث النبوي الصحيح، وكان بوسع «المقدسيين» أن يؤدوا صلاة العيد في مساجد عديدة متاحة، لكن نداء النفير المقدسي كان محددا في كلماته ووجهته، ودعا المقدسيين أن يتركوا صلاة العيد في المساجد الأخرى، وأن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى وحده، رغم إجراءات الإرهاب التي فرضها جيش الاحتلال، والتي لم تكتف بحظر قدوم غير المقدسيين، بل حاصرت المقدسيين أنفسهم، وجعلت الذهاب إلى الأقصى صباح العيد، كأنه ذهاب إلى معركة دامية، لم يبال المقدسيون فيها بما نالوه من مطاردة وأذى، ومن عشرات ومئات الإصابات بعنف ورصاص العدو الرابض، ورغم كل الحواجز، نجح المقدسيون في الدفع بحشد المئة ألف إلى داخل المسجد المقدس، وحرموا العدو من نشوة الإحساس بالنصر والاقتحام السهل، وألجأوه إلى الحيلة والخداع، والدفع بالمقتحمين بعد فراغ جموع المقدسيين من الصلاة.
ولم تكن تلك المرة الأولى ولا الأخيرة، التي ينتصر فيها المقدسيون الفلسطينيون، فقد تكررت مشاهدهم الباسلة عشرات المرات في السنوات الأخيرة، تصاعد فيها الصدام إلى ذراه العالية مرارا، وحاول جيش الاحتلال تقييد دخول المصلين، عبر التحكم في البوابات، أو تركيب كاميرات ومد جسور، أو فرض شروط، تترجم دعوى السيادة الإسرائيلية على القدس ومسجدها الأقصى، خصوصا بعد إعلان ترامب تأييد أمريكا ضم القدس لإسرائيل، وجعلها عاصمة أبدية موحدة لكيان الاحتلال، وهو ما لا يعني شيئا له قيمة عند المقدسيين، فقد اعتبروا القرارات الظالمة مجرد قصاصة ورق، مزقوها ببسالتهم الأسطورية، وصمودهم بصدورهم العارية، وبشبابهم الذي أدرك الحقيقة مجردة، وهي أن الصراع على المسجد الأقصى وأبوابه وصلواته، ليس مجرد دفع للأذى عن المسجد العتيق، ولا مجرد صد لاقتحامات المتطرفين الصهاينة، بل بؤرة للصدام حول مصير فلسطين كلها، والقدس في قلبها، والمسجد الأقصى في قلب القدس، وهذه الرمزية المركبة المكثفة تصنع المعجزات، فقدسية المسجد من قدسية فلسطين، والمقدس الديني هو الوجه الباطن للمقدس الوطني، وكما يتصور الإسرائيليون، أن إعادة بناء الهيكل المزعوم هي تتويج لدوام احتلالهم، فكذا يعتقد الفلسطينيون عن حق، أن الدفاع عن المسجد الأقصى هو واسطة العقد في كفاحهم من أجل الحرية.

يعتقد الفلسطينيون عن حق، أن الدفاع عن المسجد الأقصى هو واسطة العقد في كفاحهم من أجل الحرية

ليس اندفاع ولا حماسة الفلسطينيين في حماية الأقصى مجرد شأن ديني، ولا حصرا للصراع التاريخي في بعد ديني، ولا استثارة لحروب دينية، فلا كراهة عند المسلمين لأي دين سماوي، وهم يؤمنون بالكتب والرسالات والأنبياء جميعا، والحرب الجارية المتصلة على مدى جاوز القرن، التي تتعاقب جولاتها جيلا فجيل، هي في جوهرها حرب تحرير وطني، تتنوع وسائلها، يلجأ فيها المحتل الاستيطاني إلى عنف السلاح الذي لا يملك غيره، ويعتصم فيها الفلسطينيون بالحق الذي يملكونه ويملكهم، وبالثبات الراسخ فوق الأرض المقدسة، وبروح استشهاد وفداء، تجد رمزيتها القصوى في المسجد العتيق، لكنها لا تتوقف عند أسواره وبواباته، بل تثير الروح المقاومة في كل فلسطين، وقبل نحو عشرين سنة من اليوم، كان حدث اقتحام الإسرائيليين للأقصى، وبحضرة شارون وجيشه، كان الحدث المستفز شرارة مباشرة، أشعلت الانتفاضة الفلسطينية المعاصرة الثانية، التى استفادت من درس الانتفاضة المعاصرة الأولى في 1987، وجمعت بين المقاومة الشعبية السلمية والمقاومة المسلحة، وحررت أول قطعة أرض فلسطينية بقوة المقاومة وحدها، وأرغمت الاحتلال الإسرائيلي على الجلاء عن غزة من طرف واحد، وتفكيك المستوطنات اليهودية السبع فيها، والمعنى ظاهر، فقد كان نداء الأقصى هو الذي حررغزة البعيدة جغرافيا، حتى إن كانت محاصرة إلى الآن، تماما كحصار المسجد الأقصى، الذي يحرره المقدسيون من دنس الاقتحامات كل أسبوع، في تأكيد للخيط المرئي الرابط بين قدسية المسجد وقدسية الأرض، وصلة العروة الوثقى، التي لا يكون المسجد مقدسا بدونها، فالأقصى ليس مجرد مكان مفضل للصلاة، بل هو اختصار وتكثيف رمزي للتحرر من العبودية للمحتلين، وعبادة الله وحده تسقط العبودية لمن سواه، وتحفظ كرامة الأوطان وطهارة الأبدان.
وقد لا يفيد البكاء على خذلان العرب والمسلمين لفلسطين والفلسطينيين، ليس فقط الأنظمة الخائنة، بل الشعوب النائمة أو المنومة، فقد أثبت الشعب الفلسطيني مقدرته على مواصلة كفاحه، حتى في أسوأ الظروف، وجرت انتفاضات الفلسطينيين المعاصرة وسط خذلان عربي مبين، لم يدفع الشعب الفلسطيني إلى اليأس، ولا إلى هجران وطنه المقدس، بل داوم الثبات على الأرض في سنوات الخذلان الثلاثين الأخيرة، وتضاعفت معدلات حضوره نسلا فنسل، وصار عدد الفلسطينيين أكبر من عدد اليهود المجلوبين، ما بين النهر والبحر، وأنطقوا الأرض المقدسة بلغة القرآن، فالأرض تنطق بلسان كثرتها الغالبة، والفلسطينيون يتحولون في اطراد، إلى كثرة غالبة فوق الأرض المقدسة، ليس فقط بتفوق التناسل وطيب الأرحام، بل بالتفوق البشري المتزايد ثباتا وتعليما، وبإبداع صيغ كفاح جديدة، أظهرها سلاح المقاومة الشعبية السلمية، من حول المسجد العتيق في قلب القدس المحتلة، وإلى مسيرات العودة على حواف غزة، المتصلة كل يوم جمعة لنحو عام ونصف العام إلى الآن، ومن دون كلل ولا جزع من تكاثر التضحيات وطوابير الشهداء، وهو ما يدل بذاته على الطريق، الذي قد يتحول إليه كفاح الفلسطينيين في قابل الأيام، رغم الآثار السلبية الفادحة لانقسامات الفصائل، وتثبيط أطراف بعينها لهمم الناس، خصوصا في الضفة الغربية، التى تواصل إسرائيل عمليات ابتلاعها بأطواق الاستيطان، وتفرض وقائع إحلالية جديدة، لا سبيل إلى مواجهتها وهزيمتها، بغير استلهام روح المقدسيين الباسلة، ووقف الصراع بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، وما دام الرئيس عباس قد قرر، كما قال وقف الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، فلا بد من الانتقال بالمقابل إلى اتفاق جامع للشعب الفلسطيني، صاغته طلائع الفلسطينيين المقدسيين يوم عيد الأضحى الأخير، باحتشادها المقدس دفاعا عن الأقصى، وفي إشارة لا يخفى مغزاها، إلى طريق انتفاضة فلسطينية جامعة هذه المرة، تماما كانتفاضتي 1987 و2000، وبسبيل المقاومة الشعبية السلمية المنتظمة، وإذا كانت القدس وحدها قد دفعت بمئة ألف إلى صلاة العيد، فبوسع ملايين الفلسطينيين في مدن وقرى الضفة الغربية، أن يدفعوا بمليون فلسطيني كل جمعة، يؤدون الصلاة عند جدار الفصل العنصري، وفي حشد سلمي تماما، يرفد حشود القدس وغزة بزاد لا ينضب، يؤكد وحدة ساحات الكفاح الفلسطيني، ويضيف مددا مضاعفا من دعم الفلسطينيين في أراضى 1948 وراء خط الجدار العنصري، ومن دعم الفلسطينيين في الملاجئ وعواصم الشتات باتساع الدنيا كلها، ومع التزام صارم من كل الفصائل، بالامتناع عن أي عمل يضر بالإجماع الشعبي، أو يؤثر على نقاء صورة الاحتشاد السلمي المليوني المعتصم بقوة الحق وحده في وجه سلاح الاحتلال، والمستند لاحتمال التضحيات، إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.
هذا هو الطريق الذي رسمته انتفاضات الفلسطينيين المفرقة في السنوات الأخيرة، وأكدت عليه انتفاضة المقدسيين في صلاة العيد الأخيرة، وبما يحفز على تحويله إلى خطة جامعة للفلسطينيين، لا ترهق شعبا عظيما باسلا، ولا تحمله فوق الطاقة في هذه المرحلة، لكنها تنهك الاحتلال الإسرائيلي وحده، وتكشف وحشيته أمام العالم كله، وتوقظ الشعوب النائمة في الأقطار العربية، وتساعدها في كشف وحصار أنظمة التطبيع والخيانة، وربط قضاياها الذاتية بقضية تحرير فلسطين، وهى القضية المركزية، التى صارت غائبة عن جداول ووعي شعوبنا، بعد نفيها من جداول أعمال الحكام المتحالفين عمليا مع إسرائيل.
والمطلوب ببساطة، خلق مركز فوار بالحركة في فلسطين ومن أجل فلسطين، وقد جعل المقدسيون من كفاحهم مركزا لحركة الشعب الفلسطيني، وجمعوا في نفس واحد بين قدسية المسجد العتيق وقدسية فلسطين، وهو الإلهام القابل للامتداد بطول وعرض الأراضى المقدسة، وفي طقس قدسي منتظم، يعيد لفلسطين مكانة القبلة الأولى، وينهي أوضاع الركود، ويسري بروحه القدسية إلى كل بيت عربي، وفلسطين وحدها تستطيع أن تفعل وتلهم.
 

 

 

الكاتب المصري  عبد الحليم قنديل

 

 

 
الشيخ علي جمعة يحذر العالم من خطر يأجوج ومأجوج القادم من أرمينيا

أحدث الأخبار

رحلة الجنيه المصري من الذهب إلى التعويم
18:00 18.03.2024
الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس يزور مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
17:35 18.03.2024
الجزائر تؤكد أهمية التعاون الإقليمى والدولى لمكافحة المخدرات
17:00 18.03.2024
شكري يؤكد رفض مصر لأي تدخلات خارجية فى الأزمة السودانية
16:00 18.03.2024
بيراموف يجتمع مع الأمين العام لحلف الناتو
بيراموف يجتمع مع الأمين العام لحلف الناتو
15:34 18.03.2024
وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية تستقبل السفير الأمريكي بتونس
15:30 18.03.2024
الدبيبة يرفض قرار عقيلة صالح فرض ضريبة على الدولار
15:00 18.03.2024
علييف يهنئ بوتين بفوزه في الإنتخابات الرئاسية
14:45 18.03.2024
من قراباغ... علييف يهنئ الشعب الأذربيجاني بعيد النوروز
14:42 18.03.2024
التيار الوطني الحر خسر الشراكة مع حزب الله
14:30 18.03.2024
المعارضة الروسية تنغص فوز بوتين بتحركات احتجاجية رمزية
14:16 18.03.2024
بأقل من أسبوع.. مقتل شاب يمني ثان في أميركا بسطو مسلح
14:00 18.03.2024
مقتل 11 وإصابة 82 في قصف أوكراني لمقاطعة بيلغورود
13:45 18.03.2024
اعتقال 9 أشخاص بعد مهاجمتهم مركزاً للشرطة في باريس
13:30 18.03.2024
هيومان رايتس ووتش تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل
13:16 18.03.2024
مزارعون بولنديون يغلقون طريق سريع رئيسي بالقرب من الحدود الألمانية
13:00 18.03.2024
طهران مستعدة لاستخدام كافة قدراتها لتعزیز القوة الردعية لسوریا
12:45 18.03.2024
توقيع عقود نفطية بقيمة تزيد عن 13 مليار دولار لتعزيز إنتاج النفط بإيران
12:30 18.03.2024
ترتيب أمريكي للاستحواذ على تيك توك
12:15 18.03.2024
تحولات تاريخية لضبط مواقيت الصلاة في قبلة المسلمين
12:00 18.03.2024
بوتين يفوز بالرئاسة الروسية بنسبة 87 % من الأصوات
11:45 18.03.2024
إيجاس المصرية تخطط لبدء الإنتاج من 20 بئراً للغاز في السنة المالية المقبلة
11:30 18.03.2024
أول زعيم أسود لدولة أوروبية
11:15 18.03.2024
أوسيتيا الجنوبية تبحث الانضمام إلى روسيا
11:00 18.03.2024
الغرب يخسر قيادة الحرب على الإرهاب في الساحل
10:45 18.03.2024
الصومال: انتهاء هجوم الشباب على فندق في مقديشو ومقتل كل المسلحين
10:30 18.03.2024
باكو تدعو إلى تعزيز حوار الأديان
10:29 18.03.2024
السنغال تطلق سراح المعارضين سونكو وفاي وأنصارهما يحتفلون
10:16 18.03.2024
السعودية تقرر منع تكرار العمرة في رمضان لتخفيف الازدحام
10:00 18.03.2024
الحرب الإسرائيلية تخلف 23 مليون طن من الحطام بغزة
09:45 18.03.2024
الجزائر تدين بشدة مشروع مصادرة ممتلكات سفارتها بالمغرب
09:30 18.03.2024
أطباء بلا حدود: الوضع في غزة كارثي وتعجز الكلمات عن وصفه
09:15 18.03.2024
أردوغان نفاق الغرب حوّل غزة إلى أكبر مقبرة للأطفال
09:00 18.03.2024
عشرات القتلى والجرحى في حادث سير بأفغانستان
12:30 17.03.2024
12 قتيلاً بقصف إسرائيلي على منزل في دير البلح بوسط غزة
12:16 17.03.2024
إسرائيل تقصف مجمعاً عسكرياً لـحزب الله
12:00 17.03.2024
رئيس وزراء أيرلندا يطالب واشنطن وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة
11:45 17.03.2024
إصابة جندي إسرائيلي بجروح خطيرة في غزة
11:30 17.03.2024
كوريا الجنوبية تجري مناورات عسكرية استعداداً لاستفزازات جارتها الشمالية
11:15 17.03.2024
إفريقيا الوسطى تقترب من التعاون العسكري مع روسيا
11:00 17.03.2024
جميع الأخبار