لا شك أن ما حدث في بيروت تلك العاصمة العربية المميزة بجمالها وبحرها، جعلها أكثر تميزاً بالتفجير الذي حصل بها، فلا يمكن لعاقل أن يتصور ماذا كان ليحدث لو أن الانفجار لم يذهب نصفه في البحر لكان حديث الناس عن حريق بيروت وليس حريق روما.
وعندما نتتبع التصريحات القادمة من المسؤولين نلحظ التخبط نتيجة المفاجأة والتي سببها الإهمال، فحتى الحالة النفسية للمسؤولين لم تكن على مستوى الحدث نتيجة الصدمة التي أحدثها الإنفجار وسق حالة الصدمة هذه على أهل بيروت بل على المنطقة كلها وكل هذا الإنهيار النفسي سببه الإهمال
ولو أضفنا على ذلك الاضرار المادية التي نجمت عن الأنفجار فحسب تقديرات محافظ المدينة الأولية فإن هذه الأضرار قد تصل ما بين 3 الى 5 مليارات دولار (وإن كان الرقم مرشح للزيادة) وكل هذا خلال لحظات لم يدركها العقل وطبعاً الملام فيه هو الإهمال.
"مجرد اهمال من قبل المسؤولين أو الموظفين المعنيين في هذه الشحنة"، ما ابسط هذه الجملة التي ستكلف الدولة ميزانية بحالها بل أنها ستكلف أكثر من مما سرقه الفاسدون من ذلك البلد على سنوات عدة فتفجير لم يتجاوز ثواني بسبب اهمال كانت تكلفته أكثر من واردات الدولة وأكثر من الأموال المسروقة على مدى سنين
حتى التنافس و التسابق الدولي و الإقليمي الحاصل الأن على لبنان جاء نتيجة هذا الإهمال رغم أن الشعب اللبناني كان يخرج في الساحات مطالباً بمحاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية وايقاف استنزاف البلد من السرقات لم تلقى صرخاته أذان صاغية من المجتمع الدولي إلى أن جاءت لحظة الإهمال هذه لتحرك المشهد السياسي الداخلي والخارجي للبنان والذي عجزت عنه حناجر المتظاهرين على مدى شهور.
وعلى الرغم من أن فاجعة بيروت في هذا الانفجار تختلف عن كل الانفجارات المشابه التي حصلت في العالم من حيث الأضرار، إلا أن الاهمال هو العامل المشترك فيما بينهم فالانفجار الذي حصل في الصين عام 2015 في مدينة تيانجين وقبله انفجار زينغشون في كوريا الشمالية (2004) وانفجار تولوز (2001) وغيرها، حتى الفاجعات الأخرى غير المشابهة مثل انفجار تشرنوبل (1986) في أوكرانيا كان الإهمال هو سيد الموقف
ملايين بل مليارات الدولارت تذهب هباءً منثورا في لحظة اهمال دون اكتراث لعناء وجهود سنوات طوال من أجل تطوير يخدم ذلك البلد أو ذاك فلو حسبنا تكلفة الانفجارات التي حصلت في العالم نتيجة الاهمال لوصلت التكلفة لعشرات المليارات من الدولار والتي تكفي لايقاف المجاعة في أفريقيا وبناء مشاريع إنمائية غذائية تطعم العالم بأسره ولكانت كافية لتحسين الحالة المعاشية لكثير من البلاد التي يخرج شبابها متظاهرين نتيجة سوء الاحوال الاقتصادية ولكانت كافية لإعمار الدول التي خربتها ومزقتها الحروب ولكانت كافية لمحاربة الفساد نفسه الذي تغلل في لبنان وغيره من البلدان الجميلة.
فراس رضوان أغلو