أزمة الغاز الأوروبية.. مواجهة متجددة مع روسيا

في الوقت الذي تسعى فيه جميع الاقتصادات العالمية إلى التعافي من جائحة كورونا ومحاولة إنعاش الاقتصاد والوصول إلى مستويات إنتاج ما قبل الجائحة، تتعرض أوروبا مع اقتراب الشتاء لأزمة طاقة كبيرة.

تحليلات 12:52 12.10.2021
وتتمثل الأزمة بشكل رئيسي بارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لمستويات غير مسبوقة، حيث ارتفعت أسعار العقود الآجلة في الأسواق الأوروبية لتصل إلى 400% من أسعار العام الماضي.
 
وبالرغم من المحاولات التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتقليص الأسعار قبل دخول الشتاء ما زالت الأسعار تواصل ارتفاعها وتقفز إلى مستويات قياسية لايبدو معها أن الأزمة ستصل إلى حلول قريبة، لاسيما وأن الأسباب الحقيقية وراء الأزمة لا تتعلق فقط بمشاكل السوق الأوروبية وإمدادات الغاز الطبيعي في ظل جائحة كورونا ولكن يبدو أنها تتعلق أيضاً بصراعات جيوسياسية واقتصادية ربما هي السبب الرئيسي في استمرار الأزمة وتفاقمها.
 
ثمة عدة أسباب ظاهرة بوضوح يمكن أن تعطي تفسيراً مقبولاً لأزمة الغاز الأوروبية، فمع اقتراب الشتاء يبدو من أغلب التوقعات أنه لن يكون دافئاً. ومع انخفاض مستويات الغاز في منشآت التخزين الأوروبية أدى ذلك إلى تخوفات لدى المستوردين الأوروبيين صاحَبَها ارتفاع كبير في الطلب على الغاز الطبيعي، في الوقت نفسه كانت الأسواق الآسيوية التي تسعى إلى تعافي اقتصادها لمستويات ما قبل الجائحة هي الأخرى تشهد زيادة في الطلب على الغاز الطبيعي، ما أدى إلى توجه غالبية عقود الغاز المسال إلى الأسواق الآسيوية.
 
على الجانب الآخر، لم تكن التخوفات من شتاء قارس في أوروبا أو زيادة الطلب العالمية على الغاز الطبيعي هي فقط الأسباب المباشرة وراء أزمة الغاز الأوروبية.
 
ولكن يبدو أن تسارع الاتحاد الأوروبي إلى إقرار سياسات تحول الطاقة من الوقود الإحفوري (النفط والغاز والفحم) إلى الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة قد ساهم بشكل كبير في الأزمات الحالية لأسعار النفط والغاز لاسيما مع التوقف السريع لمحطات الطاقة النووية والفحم والتحول إلى مزيد من استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء باعتباره الوقود الإحفوري الأقل تأثيراً على البيئة.
 
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت أعمال الصيانة التي تجريها النرويج للبنية التحتية للنفط والغاز وهي أكبر منتج للغاز الطبيعي في أوروبا وأحد المصادر الرئيسية لإمدادات الغاز داخل القارة في مفاقمة أزمة الغاز الأوروبية.
 
الغاز الطبيعي كأداة سياسية
 
في صيف عام 2014 هددت روسيا بقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا في خضم أزمتها مع أوكرانيا التي تطورت فيما بعد إلى احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها روسيا الغاز الطبيعي كأداة سياسية لفرض أمر واقع أو كورقة ضغط على أوروبا التي تحصل على ما يزيد عن 40% من احتياجاتها للغاز الطبيعي من روسيا.
 
ففي عامي 2006 و2009 استخدمت روسيا التهديد نفسه في ظل أزمة مماثلة مع أوكرانيا. اتجه الاتحاد الأوروبي مباشرة بعد تهديدات روسيا المتكررة بقطع إمدادات الغاز الطبيعي إلى إقرار استراتيجية تنويع مصادر الغاز الطبيعي (Natural Gas Supply Diversification) والتي استهدفت فتح مسارات أخرى متنوعة لصادرات الغاز الطبيعي القادم إلى أوروبا من أجل تحقيق أمن الطاقة والحد من تمدد النفوذ الروسي في أوروبا.
 
وعلى النحو نفسه، لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن أزمة أوروبا واعتمادها على الغاز الروسي، فمن ناحية كانت الولايات المتحدة ترغب في الحد من النفوذ الروسي في أوروبا، ومن ناحية أخرى كانت تسعى إلى فتح طريق للغاز المسال الأمريكي داخل الأسواق الأوروبية، وهو ما جعل الولايات المتحدة أكبر داعم لاستراتيجية أوروبا لتنويع مصادر الغاز الطبيعي.
 
لا تبدو الاستراتيجية الروسية في استخدام الغاز أداةً سياسية بعيدة عن الأزمة الحالية للغاز في أوروبا، فبالرغم من إغراء الأسعار المرتفعة للغاز الطبيعي تدرك روسيا أن تحقيق هدف يحقق لها استمرار نفوذها على المدى البعيد داخل أوروبا يجب أن يكون له الأولوية، وهذ يعني أن روسيا تدرك أن خسارتها لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم2" الذي من المفترض أن ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق ستكون قاسية من الناحية الجيوسياسية ومن الناحية الاقتصادية، وتدرك أن أي مكاسب وقتية لن تعوض خسائر "نورد ستريم2". ويبدو أن توقيت أزمة الغاز الأوروبية مثَّل فرصة سانحة لروسيا للضغط على أوروبا من أجل تمرير الموافقة على بدء العمل بخط "نورد ستريم2" وضمان تدفق الغاز من خلاله قبل أي خطوات محتملة بتعطيل الموافقات الألمانية على الخط والتي يبدو أنها ستكون معقدة ومسيسة أو بفرض عقوبات مجددة من خلال الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية.
 
لم تفوت روسيا الفرصة ومع بداية الأزمة وارتفاع أسعار الغاز في الأسواق الأوروبية وبالتزامن مع اكتمال خط "نورد ستريم2" وتعطُّل الموافقات الألمانية لتشغيل الخط بدأت روسيا في تعليق صادراتها من الغاز على منصة المبيعات الإلكترونية لشركتها الضخمة جازبروم لتزيد من حجم الأزمة ولتتفاقم الأسعار بصورة غير مسبوقة. قدمت روسيا مسوغات تبدو منطقية لتعطيل صادراتها من الغاز وأعلنت أن الأولوية للسوق المحلية ولتغطية الطلب المتزايد داخلياً وللانتهاء من ملء منشآت تخزين الغاز الروسية والتي لن تنتهي قبل نوفمبر القادم. في الوقت الذي كانت رسائل روسيا المباشرة تنفي أي دور لها في تفاقم أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا وترفض الاتهامات التي وُجهت إليها من الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة بأن إمدادات الغاز الروسية أقل من المتوقع كانت الرسائل غير المباشرة واضحة، وبرز العرض الذي تقدمه روسيا في صورة حل مشروط للأزمة يربط تحقيق استقرار أسعار الغاز في أوروبا بالموافقة على بدء العمل بخط "نورد ستريم2".
 
هل تقدم ألمانيا الحل؟
 
إذا كان أحد الحلول الرئيسة المطروحة لحل أزمة الغاز في أوروبا لا يتعلق بروسيا فقط ولكنه يتعلق أيضاً بالموافقة الألمانية على بدء العمل بخط "نورد ستريم2"، فمن المهم أن نفهم إلى أي مدى ستساهم الأوضاع السياسية الجديدة في ألمانيا في إيجاد حلول لأزمة خط "نورد ستريم2" ومعها أزمة الغاز الأوروبية.
 
في ظل وضع سياسي معقد في ألمانيا بعد رحيل ميركل والذي فرض تشكيل حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب على الأقل فإن مسار التحالفات بين الأحزاب المختلفة لتشكيل الحكومة سيكون معقداً وسيستغرق وقتاً طويلاً ربما عدة شهور، وهذا يعني أن الموافقات اللازمة لتشغيل خط "نورد ستريم2" في الغالب ستأخذ وقتاً طويلاً، وأن ألمانيا في الوقت الحالي وفي وجود حكومة مؤقتة تحت قيادة ميركل سيكون من الصعب عليها اتخاذ قرارات حاسمة سواء داخلياً أو خارجياً لحين الانتهاء من تشكيل الحكومة الائتلافية.
 
ويبدو أن الوضع لن يختلف كثيراً بعد تولي حكومة الائتلاف مهامها، حيث سيكون من الصعب إنجاز موافقة سريعة على تشغيل الخط في ظل حكومة لديها هامش حركة ضئيل نتيجة الاختلافات الايديولوجية بين أحزاب الائتلاف، والتي تجعل من اتجاه الحكومة لإنفاذ سياسات متماسكة أمراً ليس بالسهل، وسيكون أيضاً من المستبعد الرضوخ لضغوط روسيا واشتراطاتها لحل أزمة الغاز في أوروبا في وقت ستسعى فيه ألمانيا تحت القيادة الجديدة إلى الحفاظ على ثقلها السياسي والاقتصادي في الاتحاد الأوروبي وعلى علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تأثرت بشكل كبير في عهد ترمب.
 
أسابيع قليلة تفصل أوروبا عن شهور التدفئة اللازمة لمواجهة شتاء شديد البرودة، وفي ظل مخزون متدنّ من الغاز الطبيعي، وفي ظل تقديم بوتين حلولاً مشروطة ربما تساهم بشكل كبير في استقرار الأسعار ومد أوروبا باحتياجاتها من الغاز الطبيعي، ومع ذلك يبدو أن أزمة الغاز في أوروبا ستستمر وستتعمق أكثر مع الأشهر القادمة في ظل مشهد سياسي جديد في ألمانيا لن يمرر موافقات تشغيل خط "نورد ستريم2" بسهولة، وفي ظل رغبة أوروبية وأمريكية للحد من النفوذ الروسي ومنع روسيا من استخدامها الغاز الطبيعي كأداة سياسية للضغط على أوروبا مجدداً.

 


ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

مباحثات تركية- مصرية تتناول جهود وقف النار في غزة
13:30 20.04.2024
دولة فلسطين نحو اعترافات إضافية غداة الحجب الأمريكي لعضويتها الأممية
13:00 20.04.2024
ثوران جديد لبركان روانغ في إندونيسيا. وخطر تسونامي لا يزال قائماً
12:30 20.04.2024
انفجارات أصفهان.. القصة الكاملة للهجوم الإسرائيلي على إيران
12:00 20.04.2024
انطلاق الانتخابات العامة في الهند... وحزب مودي الأوفر حظاً
11:30 20.04.2024
الأمم المتحدة تستنكر التحطيم المتعمد للأجهزة الطبية بمستشفيات غزة
11:00 20.04.2024
أسطول الحرية مستعد للإبحار من تركيا لغزة. وتحذير لإسرائيل من أي هجوم
10:30 20.04.2024
إسرائيل تسعى إلى منع صدور أمر اعتقال بحق نتنياهو
10:00 20.04.2024
ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و12 شهيدا
09:30 20.04.2024
ميرزايف : نشهد أحداثًا تاريخية
09:00 20.04.2024
أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
جميع الأخبار