في 29 نوفمبر 1072، توفّي السلطان السلجوقي ألب أرسلان، أحد أعظم سلاطين الدولة السلجوقية، بعد أن انتصر في معركة ملاذكرد على البيزنطيين في موقعة ملحمية، ثم فتح أبواب الأناضول أمام الأتراك 26 أغسطس1071.
السلطان السلجوقي محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق التركي، الملقب بسلطان العالم، والمكنى ألب أرسلان، ومعناها الأسد الشجاع باللغة التركية، كان والده تشاغري بَي أمير خراسان، خلفَ عمّه طغرل بَي مؤسس دولة السلاجقة، في 27 أبريل 1064، وهو في الـ 42 من العمر، وقد تمتع هذا السلطان بشخصيةٍ قوية ومهيبة تؤثر في من حوله، فكان طويل القامة عريض المنكبين، وعلى قدر براعته في الحرب، كان رجل دولة ماهراً، وذا سهمٍ صائبٍ تلقّى تدريبه بفنون الحرب منذ الطفولة، وأمضى حياته على ظهر الخيل متحلياً بالإيمان الخالص لله، بحيث بات من الشخصيات النادرة في التاريخ الإسلامي، التي دفعها إيمانها لتحقيق الانتصارت المتتالية.
قاد ألب أرسلان سلسلةً من الفتوحات التركية نحو الأناضول، منذ اعتلائه عرش الدولة السلجوقية، حيث انتهج توجيه سياسات دولته نحو الغرب، وقد واصل أرسلان سياسات والده، وأخذ على عاتقه الكفاح من أجل تحقيق طموحه بفتح الأناضول، ومن ثم جعلها وطنًا للأتراك، واشتهر بتمتّعه بقدراتٍ قيادية تسمح له باتخاذ القرارات الحاسمة والمفاجئة والسريعة، وقاد حملاتٍ عدة على أراضي الدولة البيزنطية في المناطق الحدودية، وفتح مدينتي قارص وآني شرقيّ الأناضول، وفي عام 1070، جهّز السلطان جيشه واتّجه لمحاربة الفاطميين في مصر، تلبيةً لطلب الخليفة العباسي، وعندما علم الإمبراطور رومانوس الرابع بذلك جهّز جيشه واتجه شرقاً بهدف القضاء على وجود السلاجقة تماما في الأناضول، وعندما وصل الخبر إلى السلطان، ما كان منه إلا أن عاد إلى الأناضول لمواجهة جيش بيزنطة.
ملحمة ملاذكرد
استخدم ألب أرسلان خدع التراجع الوهميّ، وهو تكتيكٌ تركيّ كلاسيكيّ، عبر إشاعة أنه سيعسكر بجيشه في مدينة الري ضمن الأراضي الإيرانية حالياً، لكنه تحرّك نحو موش شرقيّ تركيا وعسكر في وادي ملاذكرد، وفي يوم الجمعة 26 أغسطس 1071، كان الجيش السلجوقيّ مكونًا من 50 ألف مقاتل، في مواجهة الجيش البيزنطي البالغ 200 ألف مقاتل، وقد عمد يومها ألب أرسلان إلى استنهاض عزيمة جيشه، وذلك عبر إلقاء خطاب باعثٍ على الإصرار والشجاعة، بعد أداء صلاة الجمعة مع جيشه، حيث ارتدى السلطان ثوبا أبيض وتوجّه إلى جنوده بالقول: إذا مت، فليكن هذا الثوب كفني، نريد الانقضاض على العدو، خلال هذه الساعات التي تلهج فيها مساجد المسلمين بالدعاء لنصرنا، إذا انتصرنا فسنكون قد حققنا النتيجة المرجوّة، وإذا هُزمنا فستكون الجنّة مأوانا، اليوم، لا سلطان يأمر ولا جندي يُؤمَر، سأقاتل معكم كواحد منكم، أولئك الذين يريدون أن يأتوا معي ليتبعوني، والذين لا يريدون يمتلكون حرية العودة من حيث أتينا. وقد أظهر خطاب ألب أرسلان الروح الإيمانية المرتفعة لديه، فدخل جنوده المعركة دون أدنى خوف من الفارق الكبير في العدد مقارنةً بجيش البيزنطيين، وكلّهم ثقة بحكمة قائدهم.
بدأت معركة ملاذكرد بعد صلاة الجمعة واستمرّت حتى المساء، وطبّق السلاجقة الأسلوب التركيّ القديم في الحروب المعروف باسم طوران أو الهلال، ما مكّنهم من إلحاق هزيمةٍ نكراء بالجيش البيزنطي، فيما وقع الإمبراطور وبعض رجاله في الأسر، وقد شكّل ألب أرسلان مثالاً نادراً على الشجاعة في التاريخ، عندما دخل في حربٍ قد تكون خاسرة بالمفهوم العسكريّ، نظراً لكون جيش العدو يفوق جيشه بأربعة أضعاف، فاخترق صفوف جيش الإمبراطور البيزنطيّ رومان ديوجين بشجاعة وتصميم على تحقيق النصر.
في 29 نوفمبر 1072، توفّي ألب أرسلان عقب حملةٍ شنّها على سمرقند بعد عودته من معركة ملاذكرد، حيث قُتل غدرا على يد يوسف الخوارزمي، وهو أحد الخارجين عليه، الذي استغلّ تعثّر السلطان وغافله بطعنة خنجرٍ كان يخفيه في ثنايا ملابسه.
توفي ألب أرسلان تاركاً وراءه إرثاً عظيماً من الانتصارات التي تابعها نجله ووريث عرشه جلال الملك، وكان نصر ملاذكرد قد أظهر مدى براعته ودهائه السياسيّ والعسكريّ، وحتى يومنا هذا، يعدّ هذا النصر من أهم الانتصارات التي غيّرت مجرى التاريخ التركيّ، وكان لها تأثيرٌ كبير امتدّت تبعاته لقرون، حيث يعتبر انتصار ملاذكرد بمثابة الحدث المفصليّ الذي فتح باب الأناضول أمام القبائل التركية، فعلى إثره سمح ألب أرسلان لكلّ القادة ورؤساء القبائل الذين قاتلوا إلى جانبه بفتح أراضي الأناضول وامتلاكها واستيطانها مع عشيرته. وهكذا بدأت الحقبة الأولى من الإمارات التركية في منطقة الأناضول، التي شكلت تمهيداً لتأسيس دولة سلاجقة الأناضول أو سلاجقة الروم، والتي قامت على أنقاضها في ما بعد الدولة العثمانية.
يجب الاستناد إلي Ednews (يوميات أوراسيا) في حالة استخدام المادة الإخبارية من الموقع