نشر موقع الجزيرة الإخباري مقالاً مطولاً بعنوان " حاجة العالم إلي حلول عاجلة لمشكلة الألغام الأرضية"، تناول مقابلات مع كل من سلطان حاجييف، نائب رئيس الأمانة العامة والتنسيق لإعادة إعمار وتأهيل الأراضي المحررة في جمهورية أذربيجان، وفوغار سليمانوف، رئيس مجلس إدارة الوكالة الوطنية الأذربيجانية لمكافحة الألغام.
سلط المقال الأضواء على مشكلة الألغام الأرضية التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك الإحتلال الأرمني لأقليم قراباغ، الذي استمر لأكثر من 30 عاماً. وقد جاء المثال علي النحوالتالي:
بعد ثماني سنوات من اندلاع الحرب في شرق أوكرانيا وبعد ستة أشهر من شن روسيا غزواً واسع النطاق، تواجه كييف مشكلة ألغام كبيرة. مع وجود ما يقدر بنحو 160 ألف كيلومتر مربع ملوثة بالألغام الأرضية، حيث تعد أوكرانيا الآن واحدة من أكثر دول العالم كثافة بالألغام. وهذه المساحة تقارب ضعف مساحة أيرلندا.
قادت الولايات المتحدة الجهود المبذولة لمعالجة هذه القضية، وتعهدت بمبلغ 89 مليون دولار لتمويل 100 فريق لمكافحة الألغام في أوكرانيا العام المقبل. هذه خطوة ملموسة ستشهد بعض النتائج. لكنها لن تكون كافية. فإذا كان زراعة اللغم الواحد يتكلف دولاران فقط، فإن كل لغم يحتاج إلي ما نحو 1000 دولار لإزالته.
لقياس حجم المشكلة، فإننا ننظر إلى منطقة قراباغ في جنوب القوقاز. ففي أوائل التسعينيات من القرن الماضي، أصبحت قراباغ واحدة من أكثر المناطق كثافة بالألغام على وجه الأرض بعد حرب قراباغ الأولى بين أذربيجان وأرمينيا. وقد أدت الحرب في أواخر عام 2020 إلى تحرير جزء كبير من الأراضي التي فقدتها أذربيجان في الحرب الأولي، الأمر الذي مكنها من الوصول إلى الأراضي المليئة بالألغام، وبدأت أذربيجان منذ ذلك الحين في جعل الأراضي المحررة آمنة لإعادة الإعمار بعد الحرب. وحتى الآن، تم تطهير 514 كيلومتراً مربعاً، وبالنسبة لأولئك الذين يعملون في هذا المجال، قد يبدو ذلك مثيراً للإعجاب، ولكن لا يزال 11،270 كيلومتراً مربعاً غير صالح للحياة عليها.
مشكلة إزالة الألغام هي التكلفة الباهظة. تعد أذربيجان في وضع اقتصادي أفضل من غيرها لتمويل تلك الأنشطة، فقد استطاعت تطهير 514 كيلومتراً مربعاً فقط منذ انتهاء الحرب قبل عامين. بشكل عام، فإن الدول التي تحتاج إلى إزالة الألغام أكثر من غيرها هي الأقل قدرة على تحمل تكاليفها، حيث إن النزاعات التي تلوث الأراضي بالألغام الأرضية تؤدي أيضاً إلى تدمير الاقتصادات، ولضمان التمويل، يجب جعل العالم خالياً من الألغام، وهو أحد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، جنباً إلى جنب مع 17 هدفًاً عالمياً مرتبطاً لتحقيقها بحلول عام 2030.
تم طرح هذه الفكرة ومناقشتها في المؤتمر الإنساني حول الأعمال المتعلقة بالألغام، الذي نظمته الوكالة الأذربيجانية لمكافحة الألغام وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في باكو في وقت سابق من هذا العام. حيث تم التوصل إلي أن المعاهدات الدولية الحالية ليست كافية، وكذلك البرامج الوطنية.
وفقًا لتقرير صادر عن مرصد إزالة الألغام لمراجعة الإجراءات المتعلقة بالألغام، تم تطهير 153.4 كيلومتراً مربعاً فقط في جميع أنحاء العالم في عام 2020. كما صنفت أقل من ربع البرامج الوطنية لإزالة الألغام على أنها "جيدة" أو "جيدة جداً"؛ وكان الباقون يعانون من نقص التمويل بدرجة لا تسمح لهم بإحراز أي تقدم ملموس، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لأوكرانيا.
ومع ذلك، إذا تم منح قضية إزالة الألغام أهمية كأحد أهداف التنمية المستدامة، فسيتم الشعور بالفوائد على الفور من جوانب عديدة:
أولاً: سيساعد هذا التصنيف علي تنسيق الجهود العالمية، وإتاحة الوصول إلى الآليات المالية الدولية وتخفيف العبء على البرامج الوطنية التي تعاني من نقص التمويل.
ثانياً: من شأن وضع أحد أهداف التنمية المستدامة أن يساعد في سد هذا التمويل، ووضع ميزانيات لإزالة الألغام على قدم المساواة، فعلى سبيل المثال، في برامج تطوير التعليم. يعد هذا أمراً بالغ الأهمية في بيئة ما بعد الحرب وما بعد فيروس كورونا حيث تكون الأموال محدودة.
ثالثًاً: تجتذب أهداف التنمية المستدامة المزيد من التمويل للبحث والتطوير، كما رأينا مع الجهود المبذولة لتعزيز الطاقة النظيفة والمدن المستدامة. إن مجرد توفير الأموال لإزالة الألغام لا يكفي، ولكن يجب أن تنخفض تكلفة كل وحدة لإزالة تلك الألغام.
ومع ذلك، ربما تكون أقوى حجة لجعل عالماً خالياً من الألغام هدفًاً للتنمية المستدامة هي الأبسط، فيجب أن تكون كذلك. ففي المناطق الملوثة بالألغام تكون التنمية، ناهيك عن التنمية المستدامة، أمر مستحيل.
وفقًا لدراسة مشتركة صدرت عام 2017 أجراها مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن الإجراءات المتعلقة بالألغام لها صلة مباشرة بـ 12 من أهداف التنمية المستدامة الحالية للأمم المتحدة، بينما تدعم بشكل غير مباشر أربعة أهداف أخرى. فالهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة "القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحقيق الزراعة المستدامة". عندما تغطي الألغام مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية كما هو الحال في أوكرانيا، فإنها تؤثر بشكل مباشر على قدرة البلد على إنتاج طعامه. أما الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة "ضمان تعليم عادل وشامل"، حيث تكون المناطق الملغومة أكثر صعوبة على الأطفال للوصول فيها إلى المدرسة، وحتى المرافق التعليمية نفسها قد تكون ملغومة أثناء النزاع، وهذا يؤثر حتماً على الالتحاق بالمدارس والوصول إلى التعليم.
إن الأراضي المليئة بالألغام ليست مشكلة جديدة. لكن هناك حاجة ملحة إلى حلول جديدة‘ فإذا أردنا أن نرى عالماً خالياً منها، فنحن بحاجة إلى رؤيتها على أنها قضية تنمية اجتماعية، وليست تقنية أو عسكرية.
إذا كان من الممكن القول إن هناك بصيص أمل في الرعب الذي نشهده في أوكرانيا، فقد أعاد انتباه العالم إلى الجهود الحاسمة لإزالة الألغام في مناطق الصراع وما بعد الصراع. يجب تسخير هذا الاهتمام لضمان جعله هدفًا للتنمية المستدامة. بعد كل شيء، ستكون أهداف التنمية المستدامة كلها متشابكة، وبدون جهود عالمية لإزالة الألغام تكون مدعومة على نطاق واسع، لا أمل في تحقيق الأهداف الأخرى.