العالم العربي والإسلامي في فكر حيدر علييف

تحليلات 12:10 16.01.2023

      يرجع تاريخ العلاقات بين العرب وأذربيجان إلي الفتح العربي الإسلامي لأراضي أذربيجان عام 22 هـ/ 643 م، وذلك عندما أمر الخليفة عمر بن الخطاب القائد الْمُغِيرَة بن شُعْبَة بفتح أذربيجان بعد الفتح الإسلامي لمدينة الري التاريخية في إيران، وسط بلاد فارس. وقد شَكَّلَ ذلك الفتح عملية دمج أذربيجان في الخلافة الإسلامية العربية، وأصبحت جزءاً مهماً من هذه الدولة المترامية الأطراف، صاحبة الحضارة العريقة، ومن ثم بدأت أذربيجان منذ ذلك الحين ترفد بإسهاماتها العلمية والفكرية والأدبية القيمة في بناء هذه الحضارة العريقة؛ إذ ما زال ذلك التراث المشترك شاهداً على عمق العلاقات التي تربط بين الجانبين.  

     لقد کان الفتح الإسلامي لأذربيجان إيذاناً بانتشار الحضارة الإسلامية بها، واستقبل المجتمع الأذربيجاني التراث الإسلامي بقوة وتقبل کبير، خاصةً وأنه رافقه انتشار للقبائل العربية واستقرارها، وهذا الاستيطان جعل المجاهدين المسلمين يحرصون على اصطحاب أسرهم وذويهم معهم؛ مما شجع القبائل العربية على متابعة التدفق إلى أذربيجان، وکان لها دورها المهم في عملية بناء دولة إسلامية لها حضارتها وقيمها التي تحرص على حمايتها وازدهارها. ويعود الاستقرار العربي إلى عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي قام بإسکان أردبيل جماعة من العرب من أهل العطاء والديون, وبنيت المنازل الخاصة بهم, کما قام الخليفة ببناء المسجد لها ، کما ساهمت القبائل بالتعمير والبناء في المنطقة، مما کان له أثره في الازدهار الحضاري الإسلامي هناک، کما قامت بالدعوة إلى الإسلام، وأدى الاتفاق بين الطرفين ، وامتزاج الأجناس المختلفة إلى انتشار الإسلام والأخذ من الثقافة الإسلامية، مع التمسک بالقيم الثقافية الموروثة، فشهدت المنطقة تبعاً لذلك ازدهاراً ثقافياً عظيماً، نابعاً من الاستقرار السياسي الذي کان له نتائج بعيدة المدى، فقد أدى الفتح الإسلامي في أذربيجان إلى استقرار الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد؛ مما أدى إلى تعزيز السلطة الإسلامية فيها. 

       کان للثروات الطبيعية الأذربيجانية جذبٌ واسع لکثير من الجماعات العربية، فهاجروا إليها واتخذوها موطناً لهم، وکان استقرارهم إما في المدن أو القرى الصغيرة ، والنتيجة الطبيعية لظاهرة استيطان العرب في مختلف نواحي أذربيجان ازدياد اعداد معتنقي الدين الإسلامي. وکان للاستقرار السياسي أثره في ازدهار المراکز التجارية والصناعات، وتوسيع العلاقات التجارية في الداخل، بل وامتد إلى الخارج مع الهند والصين، ومع أوروبا الشرقية والغربية .

      ساهمت أذربيجان بشكل كبير في الحضارة الإسلامية من خلال دور العلماء الذين أتوا من أذربيجان بعلومهم وفكرهم في مختلف ميادين ومجالات العلم والمعرفة، الذي كان له دوره الكبير في ازدهار وتطور الحضارة الإسلامية، فلا يخفي دور المتصوف محمد ابن عبد الله ابن باكويه وغيره من العلماء، إلي جانب الأدباء مثل عماد الدين نسيمي ومحمد فضولي الملفب باسم فضولي البغدادي. وهذا ما يؤكد علي قوة انتماء أذربيجان وشعبها لجذورها الإسلامية الشرقية الأصيلة.

      ولذلك فقد ضع زعيم أذربيجان الوطني حيدر علييف، استعادة أذربيجان هويتها الشرقية الإسلامية نصب عينيه وفي مقدمة أولوياته، وذلك منذ أن انتخابه رئيساً لأذربيجان عام 1993، باعتبار أن شعب أذربيجان جزء أصيل ومهم من الشعوب الإسلامية، وكانت له اسهاماته البارزة في الحضارة الإسلامية. ولذلك فقد وضع الزعيم القومي العلاقات بين أذربيجان والدول العربية والإسلامية في أولويات السياسية الخارجية لأذربيجان بعد إعادة الإستقلال، فبادر بإقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الدول الإسلامية، وفتح قنوات الاتصال مع المؤسسات الإسلامية المختلفة.  

       كان لزعيم أذربيجان القومي حيدر علييف نظرة سياسية ثاقبة، يعير من خلالها عن أهمية علاقات بلاده مع الدول العربية والإسلامية. ونظراً لأنه تولي قيادة أذربيجان في فترة نشوء نظام عالمي جديد في العالم، فإنه عمل علي إحداث توازن في علاقات بلاده بين الغرب وروسيا من جهة، وبين الدول العربية والإسلامية من جهة أخرى، مع التأكيد على هوية وانتماء بلاده إلى العالم الإسلامي.

      وعلي الرغم من عمله لفترة طويلة خلال النظام الشيوعي السوفيتي، فقد حافظ حيدر علييف، واهتمّ بهوية أذربيجان الإسلامية وقيمها الشرقية الأصيلة، وكان يبرز باهتمام كبير عادات شعبه الوطنية والأخلاقية، ويدرك في نفس الوقت بعمق الحقائق الواقعية متفهما الأحداث الجارية في العالم المعاصر.

       اتخذ حيدر علييف خطوات هامة من أجل إخراج أذربيجان من الأزمة الشديدة التي استمرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لعودة المجتمع إلى جذوره الأسلامية والقومية، وإلى جانب القيام بالمبادرات السياسية للخروج من الأزمات فإنه أسس لموقف قوي للحفاظ على القيم الإسلامية في بلاده، واتخذ العديد من الخطوات الفعلية لتكوين وتطوير الآليات اللازمة لذلك، ومن ناحية أخرى أعدّ وشيد قاعدة اجتماعية سياسية وعلمية وثقافية وأخلاقية لعلاقات شاملة بين أذربيجان والعالم العربي والإسلامي وتوسيع وتوطيد هذه العلاقات.

      قام الزعيم حيدر علييف بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية في 13 يوليو 1994، وقد شكلت هذه الزياة أهمية كبري لعلاقة أذربيجان مع العالم الإسلامي، وما تمثله السعودية من قيم روحية في العالم الإسلامي. فخلال الزيارة قام حيدر علييف والوفد الرسمي المرافق له بزيارة المسجد الحرام وأداء مناسك العمرة ودخل الكعبة المشرفة، كما قام بزيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وعبر عن مشاعره خلال تلك الزيارة بكلمات سجلها في كتاب ضيوف الشرف بالمسجد النبوي في 12 يوليو 1994: "الحمد لله، لقد تحقق حلمي الذي عاش في قلبي لسنوات طويلة، لقد أثار هذا الحدث التاريخي في نفسي انفعالات كبيرة، وأدخل في قلبي طمأنينة وراحة ليس لها حدود، لقد أدركت عظمة الله تعالي".

       ترأس الزعيم حيدر علييف وفد أذربيجان لأول مرة في مؤتمر القمة الإسلامي الثامن "دورة الإخاء والإنبعاث"، والذي عقد في الدار البيضاء بالمملكة المغربية، في 11 رجب 1415 هـ/ 13 ديسمبر 1994م، وذلك بعد انضمام أذربيجان للمنظمة، وقد أعلن في كلمته أمام القمة أن أذربيجان تعلق أهمية كبيرة علي التعاون مع منظمة التعاون الإسلامي من أجل تعزيز التضامن والوحدة الإسلامية، كما أوضح أن عدوان أرميينا علي أذربيجان يستهدف الحضارة الإسلامية بأسرها وليس أذربيجان وحدها، وناشد المشاركين في القمة إلي تبني مشروع وثيقة لإدانة الاحتلال الأرمني. 

     اتخذ الزعيم القومي لأذربيجان خطوات مهمة وعملية من أجل إخراج أذربيجان من الأزمة الشديدة التي استمرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لعودة المجتمع إلى جذوره الوطنية والشرقية الإسلامية، فقام بطرح العديد من المبادرات السياسية للخروج من الأزمات التي تواجه المجتمع الأذربيجاني عقب الاستقلال، وأسس موقفاً قوياً للحفاظ على القيم الإسلامية في البلاد، واتخذ خطوات عملية لتكوين وتطوير الآليات اللازمة لذلك. ومن جهة أخرى أعدّ وشيد قاعدة اجتماعية سياسية وعلمية وثقافية وأخلاقية لعلاقات شاملة بين أذربيجان والعالم العربي والإسلامي وتوسيع وتوطيد هذه العلاقات بمختلف جوانبها.

      وضع الزعيم حيدر علييف أسس العلاقات القوية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية بين أذربيجان والعالمين العربي والإسلامي، فمد جسور التعاون مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. وفتح مجالات أوسع وأرحب لتنمية العلاقات مع الدول الإسلامية.

      كان حيدر علييف يري المهام الرئيسة لمنظمة التعاون الإسلامي تتلخص في تحقيق التضامن والوحدة في العالم الإسلامي، وتوسيع التعاون المتعدد الجوانب في حل المسائل الكبيرة ذات الأهمية العالمية، والمحافظة على الحضارة الإسلامية، واتخاذ الخطوات السياسية والدبلوماسية المرنة في حل القضايا التي تعانى منها الدول الإسلامية. ولذلك فقد كان ينظر إلى العلاقات مع كافة الدول العربية والإسلامية من زاويتين:

الأولي تتمثل في توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين أذربيجان وكافة الدول الإسلامية. والثانية تتمثل في تعميق العلاقات مع جميع الدول والشعوب في مختلف دول العالم الإسلامي، وتعزيز الوحدة والتضامن بينها. ولذلك فقد كان حريصاً علي توسيع التعاون الثنائي والإقليمي بين مختلف الدول الإسلامية، والدفاع عن مصالح المسلمين من خلال اعتماد هذه الدول موقفاً موحداً على الصعيد العالمي.

      كان حيدر علييف يفكر كثيراً كرئيس لجمهورية أذربيجان في مستقبل العالم الإسلامي من خلال النضال الذي كانت تخوضه الدول الإسلامية ذات الماضي التاريخي والتراث العلمي والحضاري الثري في المرحلة التاريخية المعاصرة من أجل القضايا الاجتماعية والسياسية وحقوقها واستقلالها. لذلك كان يردد دائماً أن أذربيجان هي جسر بين أوروبا وآسيا، وبين الحضارتين الغربية والشرقية، وانطلاقاً من ذلك كان الرئيس يفكر في هيكل تنموي مثالي بالنسبة لبلاده مع العالم الإسلامي.

     جاء الرئيس إلهام علييف، ليكمل مسيرة الزعيم الأب المؤسس لأذربيجان الحديثة، فكرس جل جهوده من أجل التضامن الإسلامي، وعمل علي استضافة أذربيجان لدورة العاب التضامن الإسلامي عام 2017، وذلك لجمع الشباب الإسلامي علي أرض أذربيجان للتنافس فيما بينهم في أنبل المنافسات، ولأن مثل هذه الفعاليات الكبري هي التي تعمل علي تضامن الشعوب وتقاربها مع بعضها البعض.

 

د. أحمد عبده طرابيك

باحث في شئون آسيا والعالم التركي

 

سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار