على وقع الكارثة الطبيعية التي ضربت سوريا، مخلفة دمارا كبيرا، دفع التضامن العربي وإعلان بلدان لا تجمعها علاقات دبلوماسية مع دمشق عن إرسال مساعدات إغاثية، البعض للتساؤل حول إمكانية مساهمة هذه الخطوة في إعادة العلاقات بين سوريا ودول الخليج.
أعلنت بلدان عربية عدة، من بينها المملكة العربية السعودية وقطر، عن إرسال مواد إغاثية للشعب السوري، بعد الزلازل التي ضربت سوريا، فيما يتحدث مراقبون عن تقارب خليجي سوري قد يفتح الباب أمام عودة العلاقات الدبلوماسية بينها، لا سيما مع السعودية.
ولم يستبعد مراقبون أن تساهم هذه الخطوة التضامنية في تذليل العقبات، التي تقف حائلا أمام عودة العلاقات بين دمشق والسعودية وكذلك مع قطر، خاصة بعد إعادة الكثير من الدول العربية لعلاقاتها الدبلوماسية مع سوريا مؤخرا، وتطلع الأسد لعودة بلاده إلى الحضن العربي.
اعتبر المحلل السياسي السوري، غسان يوسف، أنه "من الضروري عدم تسييس الظروف الصعبة التي تمر بها الدولة السورية، بسبب نكبة الزلازل، خاصة أن الوضع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو الخارجة عن سيطرتها منكوبة".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فقد "أعلنت الكثير من الدول العربية تقديم مساعدات للدولة السورية، وهذا الأمر يحسب لهذه الدول، سواء كانت السعودية أو قطر أو أي دولة عربية أخرى، لا سيما وأن دولا مثل سلطنة عمان والبحرين والإمارات والجزائر ولبنان أعلنت تقديم مساعدات لدمشق. ويرى يوسف أن "هذه المساعدات الإنسانية التي قدمتها هذه الدول، من الممكن أن تكون مدخلا مهما من أجل تحسين العلاقات ما بين الدول العربية كافة، في ظل الخلافات القائمة.
وأوضح أن "مثل هذه الكوارث تقرّب بين الدول العربية، خاصة تلك التي كانت تناصر العداء لسوريا، كالسعودية وقطر، والتي لم تقم لحد الآن بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، أو فتح سفاراتها هناك، مؤكدا أنها "قد تفتح العلاقات من جديد بين دمشق وهذه الدول، وهذا ما يتمناه الجميع، عودة العلاقات العربية، حتى بدون أن تحدث الزلازل والكوارث.
في السياق ذاته، استبعد المحلل السياسي السوري، الدكتور علاء الأصفري، أن تقود الكارثة الإنسانية التي حلّت في سوريا إلى تطوير العلاقات السياسية بين دمشق ومع بلدان لا تملك قرارها السياسي. وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن غالبية الدول الخليجية ترزخ تحت ضغط أمريكا، وخوفا من غضب واشنطن لا تريد هذه الدول علاقات قوية مع دمشق، على الرغم من رغبتها في ذلك سرا، لكن هناك مسارات أخرى في العلاقة الهادئة التي تبنى الآن بين سوريا والمملكة العربية السعودية، بعيدا عن الإعلام.
ويرى الأصفري ضرورة أن تكون هذه الكارثة مدخلا لإزالة العقوبات الأمريكية والغربية الجائرة على سوريا، نظرا للصعوبات التي تواجه المغتربين السوريين بالخارج في تحول أموالهم للمساهمة في مساعدة الشعب السوري بالداخل، إضافة إلى المشاكل الكبيرة التي تواجه عمليات الإغاثة وإرسال المواد العاجلة لدمشق. وطالب المحلل السوري بأن يكون هناك موقف وفعل عربي متكامل يطالب بإزالة هذه العقوبات الظالمة، لتتمكن سوريا من متابعة عمليات الإنقاذ، حيث لا يزال المئات من المواطنين تحت الأنقاض، بيد أن الدفاع المدني السوري يسعى لإنقاذهم بمواد بسيطة وبدائية. وأضاف تركيا التي تتعرض للنكبة ذاتها، توجهت إليها كل الفرق الأوروبية والأمريكية وغيرها، وهناك جسر جوي يربط الآن ما بين قطر وتركيا لمساعدة الأتراك لمواجهة هذه المنحة، أما سوريا لا تزال محاصرة بانتظار الضغوط العربية.
وأشار المحلل السوري إلى ضرورة أن يكون هناك تعاون وإغاثة عربية لدمشق، إذ أعلن الهلال الأحمر السوري استعداده لقبول أي إغاثة دولية باستثناء إسرائيل، مشيرا إلى أن الدول الغربية غير معنية وغير مهتمة بموضوع الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها السوريون.
من جانبه، اعتبر الخبير السياسي والاستراتيجي السعودي، الدكتور فواز كاسب العنزي، أن تدخل المملكة لإغاثة الدولة السورية خلال نكبة الزلزال الأخير، يأتي انطلاقًا من توجهاتها السياسية وقيمها الدينية والاجتماعية ونهجها القديم في مجال المساعدات الإنسانية، حيث ترتكز دائمًا على المنظور الإنساني للاستجابة لمثل هذه الكوارث. وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك": لا تخلط المملكة الأوراق، وتعزل دائمًا مواقفها الإنسانية عن السياسية، ومن الطبيعي أن تكون متواجدة بشكل مستمر ضمن الدول التي تقدم المساعدات الطبية والغذائية والمالية للشعب السوري، حيث تحرص السعودية دائما على الأمن القومي العربي، الذي تهدده مثل تلك الكوارث الطبيعية. ويرى العنزي أن مثل هذه التحركات السعودية تصب في صالح التقارب الخليجي مع دمشق، في إطار المحاولات التي تبذلها المملكة لاحتواء الملف السوري، وهو من الملفات الساخنة والمهمة على المستوى الإقليمي والدولي، مؤكدا أن المملكة لم تدخر جهدا دبلوماسيا أو سياسيا لتقديم المساعدات اللازمة للشعب السوري، ومحاولة التخفيف من الضغوط الدولية عليهم.
وأوضح أن المملكة العربية السعودية تدعم حالة الاستقرار السياسي الموجودة في سوريا بالوقت الراهن، في إطار سعيها إلى ضمان الأمن الاجتماعي للسوريين، إذ دائما ما كان لها موقف قوي أمام المجتمع الدولي لمنع استخدام الأساليب غير القانونية للضغط على الشعب السوري.
بدوره، قال المحلل السياسي السعودي، سعد عبد الله الحامد، إن "تضافر وتكاتف المجتمع الدولي والعربي والخليجي تجاه الكوارث الطبيعية التي شهدتها سوريا وتركيا، وخلفت حجما كبيرا من الدمار والضحايا، أمر طبيعي، لا سيما وأن المملكة معروف عنها دعمها الدائم للأشقاء العرب، ورغبتها المستمرة في دعم التضامن العربي.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك": لا يوجد مشكلة بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري، سوى رغبتها في التصالح بينه وبين المواطنين السوريين، وأن يكون له موقف عادل تجاههم ووقف أي شكل من أشكال القمع، والأمر نفسه بالنسبة لقطر التي تناصر الشعب"، وفقا لقوله. وتابع أن الأزمة التي تراها المملكة تكمن في سماح النظام بالتدخلات الإيرانية في المنطقة ودعم أذرعها المسلحة في اليمن والعراق وسوريا، وما تسببه من مشاكل وأزمات للدول العربية والخليجية تحديدا.
ورفض الحامد الربط بين الخدمات الإنسانية التي تقدمها المملكة العربية السعودية، وكذلك قطر، لدولة سوريا في ظل الأزمة الحالية، وموقفها – وكذلك الموقف الخليجي الراسخ والثابت تجاه الشعب السوري.
وضرب زلزال مدمر قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر كلا من جنوبي تركيا وشمالي سوريا، فجر اليوم الاثنين، وأعقبه هزات ارتدادية شعر بها السكان في دول مجاورة بينها مصر ولبنان والعراق.
وسارعت العديد من الدول لإرسال مساعدات إغاثية للدولتين، حيث لا تزال أعمال البحث والإنقاذ جارية في المناطق التي ضربها الزلزال. وفيما أعلنت قطر تقديم 10 آلاف منزل متنقل لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، أعربت المملكة العربية السعودية عن تضامنها مع دمشق