- قبل بضعة أسابيع، توجه انتباه العالم كله نحو مضيق هرمز، حيث قد يتحول التوتر إلى مواجهة مسلحة مفتوحة. تجمعت السفن الحربية في الخليج الفارسي. تم احتجاز عدة ناقلات نفط. واليوم، يدعو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طهران إلى الحوار. استبعد الرئيس الإيراني حسن روحاني، بدوره ، إمكانية إجراء المفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة، مع ذلك أطد إمكانية إجراء الحوار في صيغة 5 + 1 حول البرنامج النووي الإيراني إذا رفعت واشنطن العقوبات وعاد ترامب إلى الاتفاق النووي مع إيران. ما هذا سياسة العصا والجزرة في العمل؟
- كان دونالد ترامب يعارض البرنامج النووي الإيراني قبل فترة طويلة من انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. هدد بالانسحاب من البرنامج النووي، وأعلن ضرورة إبرام اتفاقات جديدة. بعد أن أصبح رئيساً، دعا ترامب طهران إلى إجراء مناقشات، لكن إيران رفضتها. نتيجة لذلك، قبل سنة ونصف، انسحب ترامب من الاتفاقية وفرض عقوبات على إيران. ومؤخراً، كما ذكرت، أرسلت واشنطن سفن حربية إلى مضيق هرمز. حاول البيت الأبيض إجبار إيران على التفاوض من أجل تحمل التزامات جديدة على طهران عبر هذه الخطوة، وكذلك عبر تعزيز العقوبات الاقتصادية.
على الرغم من تصاعد التوتر في مضيق هرمز، لم يدر الحديث عن المواجهة المسلحة. لقد ذكرت مراراً في المقابلات التي أجريتها أنه لن يكون هناك تدخل عسكري. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا تملك القوة الكافية. هذا ليس كذلك. بالطبع، لدى الولايات المتحدة إمكانات كبيرة. ولكن هذا ليس سوى واحد من العوامل.
هناك الجهات الأخرى المعارضة للحرب الجديدة. لذلك، في حالة المواجهة العسكرية المباشرة في الخليج الفارسي، ستتورط المنطقة بأكملها فيها، مما ستكون لها، بلا شك، عواقب سلبية لأوروبا. تعارض دول الخليج العمليات العسكرية، لأن لن تتضرر إيران فقط، وبل للدول المجاورة أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك، لدى طهران كل إمكانيات لتوجيه ضربات الردعلى القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج الفارسي. لا تنسوا أنه في السنوات الأخيرة، عززت إيران بشكل كبير أنظمة الصواريخ والقوات البحرية. أسقطت طهران طائرات أمريكية مسيرة تتجسس في مضيق هرمز، وهو أمر لم يكن البنتاغون يتوقعه بوضوح.
كان ترامب في البداية يتحدث عن إمكناية شن الهجوم على إيران، لكنه تخلى عن هذه الخطط ، قائلاً إنه قد يقتل الناس. وهذا في وقت تقوم فيه الولايات المتحدة بعمليات عسكرية في مناطق مختلفة من العالم حيث يموت المئات والآلاف من الأبرياء - في العراق وسوريا وأفغانستان. يدعو ترامب الرئيس حسن روحاني إلى المفاوضات، لكنه لا يلغي العقوبات ويدير الإرهاب الاقتصادي ضد طهران.
- على عكس الرؤساء السابقين ، فإن الرئيس ترامب ينتهد سياسة أكثر سلمية. لذا، إذا كان كل من بوش وأوباما وكلينتون يلجئون إلى أسلوب عسكري لدفع المصالح الأمريكية ، ولكن الصاحب الحالي للبيت الأبيض، رغم استخدام الخطاب العسكري، يكتفي بالعقوبات الاقتصادية. ما هو السبب في ذلك؟
- يرجع عدم رغبة ترامب في الحرب إلى حقيقة أنه، كرجل أعمال، ربما أجرى الحسابات المناسبة. منذ عام 2001، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 6 تريليونات دولار على الحروب. لكن هل حققوا ما أرادوا؟ أعلن ترامب عزمه على سحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق وأفغانستان. إنه يفهم أن التكاليف ستكون ضخمة، لكن النجاح غير مضمون.
من ناحية أخرى، خلق ترامب مشاكل كبيرة للولايات المتحدة في الساحة الدولية. بعد الحرب العالمية الثانية، تم خلق نظام مستقر نسبياً للعلاقات بين الولايات المتحدة ودول أخرى. بما في ذلك بين واشنطن وبكين، وبين البيت الأبيض والكرملين. لقد نظمت الدول العلاقات بينها بطريقة ما، ولكن في عهد ترامب، تغير الوضع. لقد دمر النظام القديم للعلاقات في العالم.
يشن ترامب حرباً تجارية واقتصادية على الصين، أساء العلاقات مع المكسيك وانسحب من عدد من المعاهدات والبروتوكولات الدولية. على الرغم من حقيقة أن الدول الأوروبية حلفاء للولايات المتحدة وجزء من حلف شمال الأطلسي، إلا أن الرئيس الأمريكي يسبب لهم إزعاجاً. واليوم تحاول أوروبا الخروج عن سيطرة واشنطن. ويمكننا القول إن السياسة التي ينتهجها ترامب تعمل لصالح أوروبا والصين وروسيا والتي بدأت تبحث عن مخرج وتلقى بالفعل أرباحًا.
كما لاحظتم، هاجم سلف ترامب أفغانستان والعراق. لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحصل على أي نتائج مهمة من هذه الحروب. والدليل الساطع على هذا، على سبيل المثال، الوضع في كابول. لم تحل مشاكل مع طالبان وأوقفت ترامب المفاوضات معهم. الوضع معقد في العراق. فشلت واشنطن أيضًا في سوريا، حيث لا يزال الرئيس بشار الأسد في السلطة، رغم الحرب المستمرة منذ 8 سنوات والوضع الكارثي للبلاد. عدم الاستقرار في اليمن. القضية الفلسطينية التي لم تحل. في واشنطن، يفهم الجميع هذا.
ومع ذلك، فإن إيران ليست بأفغانستان أوالعراق، من الناحية الجيوسياسية ومن حيث القدرات العسكرية الحالية. لذلك، فإن البيت الأبيض ليس متأكداً مما إذا كان سيحقق أهدافه في حالة المواجهة العسكرية مع طهران. أما بالنسبة لبرنامج إيران النووي، فهذه مسألة علمية. لا يمكن تدمير النجاحات التي حققها العلماء النوويون الإيرانيون بالهجوم المسلح. لا يمكن أن سحب المعرفة.
- أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخرًا عن تنفيذ المرحلة الثالثة من تخفيض التزامات طهران في إطار لبرنامج العمل الشامل المشترك. المرحلة الثالثة تشمل تطوير أجهزة الطرد المركزي التي قد تؤدي إلى تسريع تطوير البرنامج النووي الإيراني. هذا يسبب قلق العديد من الدول، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي.
- تفسر الخطوات التي تتخذها إيران على أساس حقيقة أن الولايات المتحدة انسحبت من البرنامج النووي، وأوروبا لا تفي بالتزاماتها. صرحت طهران، رداً على ذلك، بأنها تخفض التزاماتها بموجب المادة 36 من الاتفاق. تزيد إيران النسبة المئوية لتخصيب اليورانيوم، بينما تبني أجهزة طرد مركزي. في وقت سابق، قمنا بتعليق البحث في هذا الاتجاه، لكننا الآن نعززه مرة أخرى. يقول المرشد الأعلى لإيران إننا لا نحاول تطوير أسلحة نووية.
على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يدعم برنامج العمل الشامل المشترك من الناحية القانومية، إلا أنه لا يفعل أي شيء اقتصادياً. تتوقع طهران مساعدة من أوروبا لتتمكن إيران من بيع نفطها، ليربح النظام المصرفي الإيراني. لا تفي الدول الأوروبية بالتزاماتها وتتهم طهران في نفس الوقت بعدم الالتزام بشروط الاتفاقية. وصل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران بزيارة وعقد اجتماعات مع المسئولين في وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية. تم طرح في هذه المفاوضات، سؤال مفاده أن هذه العملية من جانب واحد، وأن إيران تفي بالتزاماتها، وأن خصومها ليسوا كذلك.
توافق طهران على استئناف المفاوضات في نسق "5 + 1" بشرط أن تتخلى الولايات المتحدة عن العقوبات المناهضة لإيران وأن تعود إلى المعاهدة. تحاول أوروبا واليابان وقطر وعمان التوسط في هذا الأمر. في الآونة الأخيرة، اقترح الرئيس الفرنسي ماكرون حدًا ائتمانيًا حتى تتمكن إيران من بيع نفطها إلى اليابان والصين والهند واستخدام الأرباح التي حصلت عليها لحل مشكلاتها.
- على الرغم من العقوبات التي فرضتها واشنطن على الدول التي تشتري موارد الطاقة الإيرانية، تواصل طهران بيع نفطها، بما في ذلك للصين.
- بالنسبة للنفط الإيراني، فقد أدت العقوبات إلى انخفاض كبير في مبيعاتها. لكن طهران تبيع "الذهب الأسود" بعدة طرق. تحاول السلطات الإيرانية تقليص حصة عائدات النفط في ميزانية الدولة لضمان تدفق التمويل من مصادر بديلة.
تواصل الصين شراء النفط. في الآونة الأخيرة، زار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الصين وأجرى محادثات. جددت طهران وبكين اتفاقًا مدته 25 عاماً ستستثمر الصين بموجبه 280 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية لمدة 5 سنوات. ستستثمر بكين 120 مليار دولار أخرى في البنية التحتية للنقل والإنتاج الإيرانية.
تتعاون طهران تعاوناً نشطاً مع كل من روسيا وتركيا وأذربيجان وقطر والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الفارسي الأخرى. وجهت واشنطن أبو ظبي ضد طهران، لكن عندما أدركت الإمارات أن ذلك يضرها، غيرت سياساتها. في الواقع، فإن التعاون التجاري بين أبو ظبي وإيران يتراوح بين 10 و15 مليار دولار سنوياً. وفي حالة الحرب ، سيعاني الجميع من أضرار جسيمة.
- وفقًا لبعض التوقعات، كان من المفترض أن تتسبب عقوبات واشنطن المناهضة لإيران في انهيار الاقتصاد الإيراني والمشاكل الاجتماعية الكبيرة والعصيان المدني وتغيير النظام في طهران. هل سيتحمل الاقتصاد الإيراني عقوبات اقتصادية أشد؟
- حاول المستشار لرئيس الولايات المتحدة لشؤون الأمن القومي جون بولتون الذي صار سابقاً الآن، وحتى وزير الخارجية مايك بومبو، وغيرهما من الدوائر الراديكالية، خلق رأي مفاده أن العقوبات ستسبب زيادة في الأسعار في إيران ومشاكل اقتصادية واجتماعية. وأن سيثور السكان ضد القيادة الإيرانية وسيحدث تغيير في السلطة. أنا أستبعد هذا الخيار. حتى أن الغرب خصص فترة ولاية مدتها ثلاثة أشهر عندما أعلن أن النظام سيتغير في إيران في يناير 2019. لكن لم يحدث شيء من هذا القبيل. على العكس من ذلك، تسببت تدابير الغرب المتطرفة في عملية التوحيد ضد عدو خارجي في إيران.
أما الانهيار الاقتصادي، فلن يحدث هذا. لا يعتمد الاقتصاد الإيراني فقط على النفط. نعم، هناك مشاكل داخلية لا تتعلق بعواقب العقوبات. البلاد لديها ارتفاع معدل التضخم - على مدى العامين الماضيين، انخفضت قيمة الريال الإيراني ب3 أضعاف. لدينا بطالة عالية، ونقاط ضعف في النظام المصرفي ولكن الحكومة تتخذ خطوات لتحقيق الاستقرار في الوضع.
نتيجة لذلك، لا توجد اليوم زيادة في التضخم وفي عدد العاطلين عن العمل. انخفض الدولار في الآونة الأخيرة. بالطبع، لا يمكن حل المشاكل الاقتصادية في يوم واحد، لكن السلطات تحاول منع تعميقها. وهناك حاجة إلى الإصلاحات الاقتصادية وتدابير للانتعاش. من الضروري إزالة الاحتكارات وبناء النظام الاقتصادي الصحيح.
على الرغم من تراجع تجارة النفط، تبيع إيران اليوم ما يصل إلى مليون برميل من "الذهب الأسود" يومياً. تداولنا النفط تحت عقوبات باراك أوباما. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إيران صناعة بتروكيماويات قوية. لدينا موارد معدنية غنية. كل هذا يساعدنا. نتعاون مع 15 دولة مجاورة. بمعنى أن العقوبات لن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد، ولكن يمكن أن تتسبب في تدهور الوضع الاجتماعي للسكان.