يعد الانقلاب في السودان أحد الموضوعات الرئيسية التي تحتل أجندة الوسائل الإعلامية. ما يحدث في السودان مثير الاهتمام لأنه في هذه الأحداث "رائحة" للألعاب الجيوسياسية الجديدة في الجغرافيا الإسلامية. تتفاقم الأوضاع في أفغانستان في الأيام الأخيرة، في نفس الوقت تختنق إيران " في مجال ضيق"، وفلسطين "محطمة" تحت أعباء القدس وسوريا تعاني من قضية الجولان، تغير قوة الشعب في الجزائر الحكم، وتتفاقم المواجهة بين باكستان والهند ويطيح الجيش بالحكم في السودان...
طبعاً ، فإن الحقائق المذكورة أعلاه تمكننا من القول إن "القوى العظمى" تخطط تغيرات جديدة في الجغرافيا الإسلامية. ولكن أولاً، دعونا نركز على السودان لنرى من هؤلاء الناس في هذا البلد الغريب، والذين أطاحوا بعمر البشير وطردوه من الساحة السياسية.
كان الوضع في السودان معقداً جداً. في عام 2011، أعلن جنوب السودان استقلاله. بالطبع، حدث هذا نتيجة معارك دامية. غيرت الحرب الأهلية، التي بدأت في عام 1983، مصير السودان. أولاً، تم وصف الأحداث على أنها صراع بين المسيحيين الذين يعيشون في جنوب السودان المسلمين المقيمين في شمال البلاد. بعد ذلك، تفاقم الصراع وفي عام 2003، انضم المسلمون السود الذين يعيشون في ولاية دارفور إلى الحركة الانفصالية. كان رد فعل النظام السوداني قاسياً. ونتيجة لذلك، وقعت الإبادة الجماعية في دارفور، وكانت هذه الإبادة الجماعية واحدة من أفظع المذابح التي قتل فيها المسلمون المسلمين.
تم "حل" مشكلة دارفور نتيجة الضغط الأمريكي في عام 2011. ومن الناحية الأخرى تم تقسيم السودان إلى قسمين وأصبح الجزء الجنوبي دولة مستقلة. لقد كان هذا بداية تحديات جديدة للسودان الشمالي. تقع حقول النفط الرئيسية في جنوب السودان، وكانت الإيرادات الرئيسية للدولة، بالطبع، مؤمنة من موارد الطاقة هذه. ومع ذلك، بعد إعلان استقلال جنوب السودان، وقعت الأزمة الاقتصادية الخطيرة في السودان. من الناحية الواحدة، ارتفاع معدل التضخم يومياً، ووالأخرى نقص العملة، والحصار الأمريكي وما إلى ذلك. حطمت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية السودان. في النهاية نفد صبر الناس.لم يتأخر قدوم الربيع في السودان. تدفق الناس إلى الشوارع وارتفعت مطالب الحرية والازدهار. لم يتمكن عمر البشير، الذي حكم البلاد لمدة 30 عاماً من إيجاد مخرج ما. لم يكن هذا أول أنتفاضة شعبية، وأمر البشير بالقضاء على المظاهرات. قُتل ما يقارب من 50 شخصاً في الاشتباكات خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
لكن من هو عمر البشير؟ ضابط طاغ استولى على السلطة عام 1989 نتيجة انقلاب عسكري. وكانت حكومة المخلوعة تتبعت سياسة مخالفة لمصالح الولايات المتحدة. أصبح البشير ضحية للألعاب الأمريكية. تحولت الحكومة المشكلة إلى نظام قائم على الشريعة. أصبح البشير قائداً حل كل مشكلة يواجهها. في عام 2003، أصدرت محكمة العدل الدولي لأول مرة في عام 2009 قراراً بشأن اعتقال الرئيس الذي في السلطة بسبب جرائمه ضد سكان دارفور والإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد المسلمين السود الطالبين بالحرية والاستقلال. بطبيعة الحال، لم يحدث اعتقال البشير في ذلك الوقت. وجه البشير موقفه بالكامل إلى الصين وروسيا بعد الدعم الذي كانت الولايات المتحدة تقدم له، وخاصة في جنوب السودان. فرضت الولايات المتحدة العقوبات على السودان، مثل ما مفروض اليوم على فنزويلا وإيران.
يتبين دور الولايات المتحدة مرة أخرى في اندلاع المظاهرات في السودان ضد الحكومة. موّلت الولايات المتحدة حركة المعارضة التي قامت بتظاهرات مختلفة للإطاحة بالحكومة لمدة 3 أشهر. حتى القائم بأعمال لسفارة الولايات المتحدة في السودان ( المسئول الثاني بعد السفير) ستيفن كوتيس شارك في مسيرات مع نشطاء المعارضة ، معرباً عن دعم الولايات المتحدة.
كانت النساء في مقدمة حملات ضد الحكومة في السودان. وتحولت المرأة التي تدعى آلاء صلاح إلى أيقونة الاحتجاجات في البلاد ووقفت على سقف سيارة في الخرطوم وألقت شعرا وغناء وسط حشود متحمسة رددت بعد كل مقطع "ثورة"، بتحويلها إلى أحد رموز حركة الشعب في السودان. استبدلت آلاء صلاح أحد الأمثال المعروف في السودان وهو "مكان المرأة في المنزل" بالشعار الثوري مفاده "مكان المرأة في الثورة" . هذه المرأة التي حصلت على دعم كبير من النساء المسلمات على الشبكات الاجتماعية، وأصبحت أحد من الذين زعزع حكم البشير، وتدفقت الآلاف من النساء إلى التظاهرات يصرخن بشعاراتها.
ومع كل هذا، لم تتغير التقاليد السياسية في السودان. كما يقال المثل العربي "الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك". وعمر البشيرالذي تولى السلطة عام 1989 بانقلاب عسكري، أُطيح به أيصاً بانقلاب عسكري. وبهذا أعيقت الثورة الديمقراطية للشعب. حصل وزير الدفاع على رأس الجيش الجنرال عوض بن عوف على دعم القوات الأجنبية لتغيير الوضع لصالحه وقام بانقلاب وتم القبض على عمر البشير. (تجدر الإشارة إلى أن عوض بن عوف هو أحد مرتكبي الإبادة الجماعية في دارفور)، كما اعتقل الجيش الذي أطاح بالحكومة كبار أعضاء حزب المؤتمر الوطني. تم إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر. تم اتخاذ قرار بشأن الفترة الانتقالية التي تبلغ عامين. في السودان، ظلت أحكام الدولة الديمقراطية للمواطنين في قلوبهم. لسنوات، لم يتغير شيء للشعب الذي يعاني من الحرب المستمرة والفقر والمشاكل الديموغرافية. لقد أصبح الشعب واحتجاجاته مرة أخرى قوة رئيسية في الألعاب السياسية للقوى العظمى.
تعتبر روسيا الانقلاب في السودان بمثابة ضربة لمصالحها. لذلك أدانت وزارة الخارجية الروسية الأحداث في السودان وواعربت عن رفضها بتغيير السلطة، بما يتعارض مع المبادئ الديمقراطية. أصبحت الصين طرفاً أكثر انزعاجا. لأن الصين تسعى جاهدة لربط السودان بمشروع "حزام واحد - طريق واحد" منذ سنوات عديدة. من الغريب أنه عندما ترغب الشركات الصينية في الاستثمار في السودان، يتحدث في البلاد إما الثورة وإما الحرب أو تفرض العقوبات عليه. إن احتياطيات السودان من النفط كبيرة جداً وكونها ثالث أكبر دولة في إفريقيا قد جعلها "مصلحة جيوسياسية" للقوى العظمى. لذلك، أطلقت الولايات المتحدة التي لم تستطع السيطرة على النظام السوداني في التسعينيات، مشروع جنوب السودان (احتياطيات النفط الرئيسية) في أوائل العقد الأول من الألفية الثانية ودعمت الجماعات المسلحة المتطرفة هناك. نتيجة لذلك، حطم السودان.
في ضوء التغيرات الجيوسياسية التي تحدث في الجغرافيا الإسلامية، من المهم إلقاء النظر في قضية السودان. تشتعل السودان والجزائر وأفغانستان وليبيا مرة أخرى. تتغير السلطة في السودان والجزائر، ويشتد القتال في أفغانستان وليبيا. تحدث تغيرات جذرية في الجغرافيا الإسلامية. لسوء الحظ، كما في الربيع العربي، فإن الوضع الحالي لا يعد بأي شيء إيجابي لحقوق المسلمين.
نجات اسماعيلوف
الترجمة من الأذربيجانية: د. ذاكر قاسموف