هل يكون البشر من الكائنات التي ستنجو من التغير المناخي؟

تحليلات 15:20 18.08.2019

تقول جولي غراي، باحثة في مجال الجزيئات النباتية بجامعة شيفيلد: "لا أعتقد أننا نحن البشر سنكون بين الناجين، بل سنذهب سريعا أدراج الرياح!"، جاء ذلك ردا على سؤال عن أي الأنواع الحية تعتقد غراي أنها ستظل على قيد الحياة ما لم يتخذ الإنسان تدابير جذرية للتعامل مع التغير المناخي.

ورغم ما يتمتع به البشر من قدرات غير عادية على الابتكار والتكيف، إلا أننا لن نكون غالبا في مصاف الناجين!

يرجع ذلك جزئيا إلى أننا نحن البشر نتكاثر ببطء شديد، شأننا في ذلك شأن بعض أحب الحيوانات إلينا كدب الباندا. أما الكائنات التي تتكاثر بسرعة فقد تكون فرصتها أفضل في تفادي الانقراض.

قد يبدو الأمر مجرد تخمين، لكن بحث أي الكائنات ستكون قادرة على التكيف مع التغير المناخي يعتمد على أدلة ملموسة ومخيفة. وأشار تقرير صدر مؤخرا حول التنوع الطبيعي إلى احتمال تعرض واحد من كل أربعة أنواع حية في الوقت الراهن للانقراض نتيجة التغير المناخي، الذي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة ومنسوب مياه البحر وتقلب المناخ، ناهيك عن تأثيرات أخرى.

ومع ذلك، يخضع الأمر لاحتمالات، فرغم تأكد خطورة التغير المناخي يظل من المستحيل الجزم بمدى تأثير تلك المخاطر على الكائنات الحية مستقبلا، خاصة في المستقبل البعيد.

ويخضع تقدير تأثر البيئة بالتغير المناخي لتحيزات البشر ولما يجهلونه، وعلاوة على ذلك، فإنه من الصعب تخيل الآثار غير المباشرة للتغير المناخي على الأنواع الحية وسلاسل الغذاء.

 

 
لوحظ اختفاء أنواع من حيوان السنور ذي الجراب الأسترالي جراء طغيان أنواع أخرى، فيما يخشى العلماء أن يزداد ذلك مع استمرار التغير المناخي

لوحظ اختفاء أنواع من حيوان السنور ذي الجراب الأسترالي جراء طغيان أنواع أخرى، ويخشى العلماء أن يزداد ذلك مع استمرار التغير المناخي

كذلك يصعب التكهن بالنتائج، نظرا لاختلاف قدرة الكائنات على التكيف، فذوات الدم البارد كالزواحف والبرمائيات غالبا ما تكون أبطأ في التكيف مع التغير المناخي عن ذوات الدم الحار، لعدم قدرتها على الاحتفاظ بدرجة حرارتها داخليا. لكن هناك استثناءات لذلك، مثل الضفدع الأمريكي الضخم الذي قد يجد متسعا بيئيا أكبر جراء ارتفاع درجات الحرارة.

وبالطبع، ثمة بديل وهو أن يبذل البشر مزيدا من الجهد لوقف تفاقم أزمة المناخ عبر انتهاج سياسات وتغيير السلوك لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. لكن لمواصلة الحديث عن الآثار المتوقعة للتغير المناخي دعونا نفترض أن البشر لن يفعلوا شيئا.

توقعات عامة

ورغم عدم وضوح الصورة، يمكننا توقع بعض الأشكال العامة للتغير توقعا علميا.

يرجح أن تنجو النباتات المقاومة للحرارة والجفاف، كنباتات الصحراء، أكثر من النباتات المطيرة، وكذلك النباتات التي تنشر بذورها لمسافات واسعة عبر الريح وتيارات المحيط (كنخيل جوز الهند) عن تلك التي تعتمد على النمل لنقل بذورها كبعض أشجار السنط.

كما قد تستفيد النباتات التي تغير موسم إزهارها تبعا لارتفاع درجة الحرارة. وتعتقد جين لاو، عالمة أحياء بجامعة إنديانا بلومينغتون، أن التغير المناخي قد يعطي الفرصة لبعض النباتات للازدهار في بيئات غير بيئتها الأصلية.

كما يمكننا الاسترشاد بالماضي لتوقع المستقبل، إذ تحتوي السجلات الحفرية على ما يدلل على تكيف أنواع حية مع تغيرات مناخية سابقة.

نجحت الصراصير حتى الآن في التكيف مع كافة الكوارث البيئية الضخمة التي هددت بانقراضها

نجحت الصراصير حتى الآن في التكيف مع كافة الكوارث البيئية الضخمة التي هددت بانقراضها

ويعتمد النوع الحي في قدرته على التكيف على المدى الطويل على مورثاته، كما في حالة بعض الطحالب التي تكيفت مع ازدياد ملوحة مياهها عبر ملايين السنين - وهو الاكتشاف الذي توصل إليه فريق بقيادة الباحثة فاطمة فوفلنكر، من جامعة روتجرز، في سبتمبر/أيلول 2018.

لكن تجدر الإشارة إلى عدم إمكان الاعتماد كلية على ما حدث في الماضي لتوقع الآثار الكارثية للأزمة المناخية الراهنة، كونها هذه المرة من صنع الإنسان.

ويقول جيمي كار، مسؤول التوعية بتداعيات التغير المناخي بلجنة الأحياء المنبثقة عن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة: "ما سنشهده مستقبلا من تغير مناخي سيختلف في الكثير من الجوانب عن التغير المناخي الذي شهدته الأرض قبل ذلك".

وبالنظر إلى الماضي، نرى أن الصراصير تمتعت بقدرة هائلة على التكيف، إذ تقول أسمرة أسيفاو برهي، خبيرة الكيمياء الحيوية للتربة بجامعة كاليفورنيا، إن الصراصير "تكيفت بنجاح حتى يومنا هذا مع كافة الكوارث البيئة الضخمة التي هددت بانقراضها"، ومن ذلك الجفاف الذي ضرب أستراليا قبل عشرات الملايين من السنين بتعلم العيش في جحور تحت الأرض.

ويقول روبرت ناسي، المدير العام لمركز البحوث الدولية للغابات، إن هذا يدل على أمرين، أولهما "قدرة تلك الكائنات على الاختباء وحماية نفسها في ظروف معزولة عن البيئة الخارجية (العيش في جحور تحت الأرض). وثانيا، فإن وجود تاريخ طويل من التطور يدل عموما على أن الأنواع الأقدم كانت أكثر مرونة في التكيف من الأنواع المستجدة".

وكلما كان الكائن الحي أكثر قدرة على تنويع طعامه، قل تأثره بما يحدثه التغير المناخي من شح لمصادر الغذاء، وينطبق ذلك على الجرذان والطيور الانتهازية وحيوانات الراكون التي تعيش قرب المناطق السكنية.

أما الحيوانات مثل الكوالا فتتغذى بالأساس على أوراق أشجار الكافور (الكينا)، وقد أصبحت تلك الأوراق أقل احتواء على الغذاء بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو، وبالتالي بات التغير المناخي يهدد تلك الحيوانات بالجوع.

يزيد التغير من المناخي من احتمالات نفوق الكوالا جوعا

يزيد التغير من المناخي من احتمالات نفوق الكوالا جوعا

وفضلا عن التغذي على أنواع محدودة من الطعام، تفتقر الكوالا للتنوع الوراثي - ما ساهم في استشراء إصابتها في بيئتها الطبيعية بداء "المتدثرات".

ويقول كار: "في حالات عديدة نتوقع اختفاء الكائنات التي تعتمد على غذاء بعينه، قبل غيرها". وينسحب هذا أيضا على الأنواع التي تعيش في بيئات منعزلة، كغابات أعالي الجبال والسلاسل الجبلية الضيقة، كبعض الطيور المدارية ونباتات الجزر الصغيرة، ناهيك عن الكائنات التي تعتمد على بيئات بكر.

لكن الأنواع التي أثبتت نجاحها في البيئات المتغيرة، مثل بيئات المراعي والغابات الحديثة، "فقد تزدهر هذه المرة أيضا في ظل التغير المناخي لاعتيادها على البيئات المتغيرة والانتقالية"، حسبما تقول جيسيكا هيلمان، المسؤولة عن المعهد البيئي بجامعة مينيسوتا الأمريكية.

تقول هيلمان: "الغزلان (بالولايات المتحدة) باتت أكثر انتشارا بضواحي المدن ونجحت في الازدهار رغم إزالة الغابات أو النشاط المتكرر في الغابات".

ويرجح كار أن تنجح الأنواع التي يصفها بـ"الأنواع المتنقلة العامة" في البقاء، نظرا لقدرتها على الارتحال والتكيف في بيئات مغايرة. ورغم اعتبار تلك القدرة على التكيف سمة إيجابية، إلا أنها قد تحدث ضررا بيئيا، كما في حالة أنواع مثل ضفدع القصب السام، الذي قضى على كائنات أخرى مثل السنور الأسترالي.

قد تنتشر الغزلان القادرة على التكيف مع تغير بيئتها

قد تنتشر الغزلان القادرة على التكيف مع تغير بيئتها

ملاذات بيئية

وقد تجد بعض الكائنات الحية ملاذا لها في بيئات لا تتأثر بنفس القدر بالتغير المناخي، كالوديان العميقة بقاع المحيطات. فرغم ارتفاع الحرارة بأعماق البحر وتدني مستويات الأوكسجين بها، يعتقد جوناثان ستيلمان، خبير بالبيئة البحرية بجامعة سان فرانسيسكو، أن الأنظمة البيئية داخل ما يعرف بـ "الفوهات الحرارية" في أعماق البحار ربما كانت استثناء واضحا لوضع مؤسف في أغلبه.

يقول ستيلمان: "لا تتصل تلك البيئات كثيرا بما يحدث بسطح كوكبنا، ولا أعتقد أن التغير المناخي سيؤثر فيها من قريب أو بعيد. ولم يكن الإنسان يعلم بوجود تلك البيئات حتى عام 1977، وهي البيئات التي تستمد طاقتها من باطن الأرض لا من أشعة الشمس، ومن غير المتوقع أن تتأثر تلك البيئات النائية بالتغيرات التي تطرأ على سطح المحيط".

كذلك يرجح دوغلاس شيل، خبير بالغابات الحارة بالجامعة النرويجية لعلوم الأحياء، أنه "قد لا يتبقى من الفقريات في أفريقيا في وقت ما في المستقبل إلا أحد أنواع السمك الأعمى الذي يعيش في كهوف بباطن الأرض".

يتوقع أن تكون الأنواع الحية والكائنات الدقيقة القادرة على تحمل الحرارة ببيئات متطرفة، أقل تأثرا بتغير المناخ

يتوقع أن تكون الأنواع الحية والكائنات الدقيقة القادرة على تحمل الحرارة ببيئات متطرفة، أقل تأثرا بتغير المناخ

كما يرجح ألا تتأثر الكائنات التي اعتادت تحمل الحرارة المرتفعة بتغير حرارة سطح الأرض. وقد أثبتت كائنات ميكروبية دقيقة أنها الأقدر على العيش في تلك الظروف شديدة الصعوبة.

وهناك أيضا حيوانات التارديغرادا شبه المجهرية من أوليات الفم التي تستطيع تحمل أقصى البيئات، وتعرف أيضا باسم "دب الماء". ويقول ستيلمان، خبير البيئة البحرية، إنها "قادرة على الحياة في الفضاء الخارجي وفي ظل انعدام الرطوبة والحرارة الشديدة، وربما سمع المتابع لأفلام ستار تريك بها ككائنات فضائية، لكنها في الواقع كائنات تعيش بمختلف البيئات على ظهر كوكبنا".

وقد يكون المستقبل أكثر تطرفا بيئيا، فضلا عن امتداد البيئات الحضرية والبيئات المعدلة بفعل النشاط البشري. وبالتالي، يرجح آرفين سي ديزموس، رئيس قسم الزواحف بمتحف الفلبين الوطني للتاريخ الطبيعي، أن "تنجح الأنواع التي اكتسبت مقاومة بالفعل والتي تعيش في البيئات المعدلة بشريا، كحدائق المدن وحدائق البيوت والحقول والمزارع ومزارع الأشجار، في التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة".

ويلخص روبرت ناسي، من مركز بحوث الغابات، ذلك بالقول إن "الأنواع الناجية ستكون دقيقة وصغيرة، ومن ذوات الدم الحار غالبا بين الفقريات، وتلك القادرة على التكيف والتي تقتات على المتوافر ويمكنها العيش ببيئات صعبة".

ويصف جيمي كار، من الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، عالما كهذا بأنه "لن يكون عالما جميلا".

وبالطبع، نعي بعضا مما علينا فعله لجعل مستقبل البيئة أكثر إشراقا، من قبيل الحد من الغازات الدفيئة، وحماية التنوع الطبيعي، وعدم اعتراض البيئات الطبيعية ببناء السدود ومد الطرق والكتل الأسمنتية المستمرة، والإقلال من التلوث، والاستغلال الجائر للأرض. بل يجب العمل أيضا على إعادة الأنواع التي أوشكت على الانقراض، مثل ظبي السايغا، للحياة ببذل ما يكفي من الجهود الحمائية.

وبينما لا تبدو في الأفق نهاية للعراقيل السياسية، فإن تجاوزها أفضل بكثير من تسليم الكوكب بأكمله للميكروبات ترتع فيه كيفما تشاء.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future

 

 

الشيخ علي جمعة يحذر العالم من خطر يأجوج ومأجوج القادم من أرمينيا

أحدث الأخبار

إيران جذبت 5.5 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية
11:30 19.03.2024
بوتين يخاطب الروس في الساحة الحمراء بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية
11:15 19.03.2024
بهشلي يتمسك بأردوغان منقذاً لتركيا في قرنها الجديد
11:00 19.03.2024
إيران إجراء الجولة الثانية من انتخابات البرلمان في 10 مايو
10:45 19.03.2024
المحكمة الدستورية في كرواتيا تمنع الرئيس ميلانوفيتش من الترشح لرئاسة الوزراء
10:30 19.03.2024
العراق يتجه إلى استخدام الطاقة النووية
10:15 19.03.2024
إسرائيل تمنع مدير أونروا من دخول غزة
10:00 19.03.2024
الصين تتهم الولايات المتحدة بتهديد الأمن العالمي
09:45 19.03.2024
إسرائيل تطلب من محكمة العدل الدولية عدم إصدار أوامر جديدة بشأن غزة
09:30 19.03.2024
إجراءات تركية ضد ميتا بسبب البيانات
09:15 19.03.2024
70% من سكان غزة قد يواجهون جوعاً كارثياً
09:00 19.03.2024
رحلة الجنيه المصري من الذهب إلى التعويم
18:00 18.03.2024
الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس يزور مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
17:35 18.03.2024
الجزائر تؤكد أهمية التعاون الإقليمى والدولى لمكافحة المخدرات
17:00 18.03.2024
شكري يؤكد رفض مصر لأي تدخلات خارجية فى الأزمة السودانية
16:00 18.03.2024
بيراموف يجتمع مع الأمين العام لحلف الناتو
بيراموف يجتمع مع الأمين العام لحلف الناتو
15:34 18.03.2024
وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية تستقبل السفير الأمريكي بتونس
15:30 18.03.2024
الدبيبة يرفض قرار عقيلة صالح فرض ضريبة على الدولار
15:00 18.03.2024
علييف يهنئ بوتين بفوزه في الإنتخابات الرئاسية
14:45 18.03.2024
من قراباغ... علييف يهنئ الشعب الأذربيجاني بعيد النوروز
14:42 18.03.2024
التيار الوطني الحر خسر الشراكة مع حزب الله
14:30 18.03.2024
المعارضة الروسية تنغص فوز بوتين بتحركات احتجاجية رمزية
14:16 18.03.2024
بأقل من أسبوع.. مقتل شاب يمني ثان في أميركا بسطو مسلح
14:00 18.03.2024
مقتل 11 وإصابة 82 في قصف أوكراني لمقاطعة بيلغورود
13:45 18.03.2024
اعتقال 9 أشخاص بعد مهاجمتهم مركزاً للشرطة في باريس
13:30 18.03.2024
هيومان رايتس ووتش تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل
13:16 18.03.2024
مزارعون بولنديون يغلقون طريق سريع رئيسي بالقرب من الحدود الألمانية
13:00 18.03.2024
طهران مستعدة لاستخدام كافة قدراتها لتعزیز القوة الردعية لسوریا
12:45 18.03.2024
توقيع عقود نفطية بقيمة تزيد عن 13 مليار دولار لتعزيز إنتاج النفط بإيران
12:30 18.03.2024
ترتيب أمريكي للاستحواذ على تيك توك
12:15 18.03.2024
تحولات تاريخية لضبط مواقيت الصلاة في قبلة المسلمين
12:00 18.03.2024
بوتين يفوز بالرئاسة الروسية بنسبة 87 % من الأصوات
11:45 18.03.2024
إيجاس المصرية تخطط لبدء الإنتاج من 20 بئراً للغاز في السنة المالية المقبلة
11:30 18.03.2024
أول زعيم أسود لدولة أوروبية
11:15 18.03.2024
أوسيتيا الجنوبية تبحث الانضمام إلى روسيا
11:00 18.03.2024
الغرب يخسر قيادة الحرب على الإرهاب في الساحل
10:45 18.03.2024
الصومال: انتهاء هجوم الشباب على فندق في مقديشو ومقتل كل المسلحين
10:30 18.03.2024
باكو تدعو إلى تعزيز حوار الأديان
10:29 18.03.2024
السنغال تطلق سراح المعارضين سونكو وفاي وأنصارهما يحتفلون
10:16 18.03.2024
السعودية تقرر منع تكرار العمرة في رمضان لتخفيف الازدحام
10:00 18.03.2024
جميع الأخبار