ياسمين مصطفى - مــوقع العهد الإخبــاري
للمرة الثالثة على التوالي، وفي ظل خمس سنواتٍ عجاف شهدت خلالها سوريا شتى فنون القتل والتهجير وفتاوى التكفير، نجحت دمشق مجددًا، حكومةً وشعبًا في إقامة انتخابات تشريعية للدور الثاني لمجلس الشعب. انتخاباتٌ عكست الصورة الحضارية لسوريا وكانت كلمة الفصل هي للشعب لأنه مصدر السلطات. وعلى الرغم من الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الاستثنائية بفعل الأزمة، حمَل قيام هذه الانتخابات التشريعية في وقتها دلالاتٍ ذات بعدٍ سياسيٍ مهم، ورسائل للداخل والخارج، للعدو والصديق مفادها أن الأطماع الخارجية بتقسيم سوريا تحقيقًا لمصالح غربيَّة فشلت فشلاً ذريعًا وهو ما يؤكده مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبد الله، لـ "موقع العهد الإخباري".
وتزامنًا مع بدء الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف حول الأزمة في سوريا، يرى أبو عبد الله أن ما يدور في أروقة جنيف منفصلٌ عما يحدث على الأرض. يُذكِّر أبو عبد الله الغرب "الممتعض من إجراء هذه الانتخابات بفشله، بدءًا بالانتخابات الأفغانية التي جرت تحت سلطة الناتو إلى انتخابات العراق قبل تحريره من الاحتلال الأميركي". وبحسب أبو عبد الله فإن التشكيك الغربي بقدرة سوريا على الوقوف مجددًا يندرج في إطار استراتيجية يعتمدها لنزع الشرعية عن الحكومة السورية، وهو ما تكرر سابقًا أثناء إقرار الدستور الجديد عام 2012 والانتخابات الرئاسية عام 2014.
يشدد أستاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق على ان "الرسالة السياسية واضحة: أي مخرج سياسي لحل الأزمة من خارج إطار الاستفتاء الشعبي مرفوض". هذا أولاً، وثانيًا تترجم الانتخابات التشريعية على الأرض نموذجًا حضاريًا لمفهوم الدولة، في مقابل النموذج الذي سطره الإرهاب في مناطق سيطرته. ويؤكد أبو عبد الله " الديموغرافية الأساسية لسوريا هنا. ضمن مناطق سيطرة النظام على وِسعها وليس لدى "داعش" و"النصرة".
أما المعارضة، فيلفت أبو عبد الله إلى أنه مُرحب بها بشرط أن تملك أجندة وطنية ويقول " المعارضة حالة وطنية صحية تنتمي إلى الشعب، ولا تكون عبر أقنية ضغط سعودي أو أميركي وإنما تتنافس على تقديم برنامج سياسي يؤازر الجيش في مواجهة الإرهاب وليس العكس".
يوضح أبو عبد الله للـ"العهد" أن المجتمعات لا تُهندَس في المختبرات بل تحتاج إلى وقت لتستقر وترسم بنى جديدة لحياة أفضل. يؤكد الباحث أن "المسارات السياسية باتت واضحة حتى لواشنطن لأنها ستقرّ بأحقية الشعب السوري في تقرير مصيره واختيار ممثليه عبر دستور جديد يقرُّه استفتاءٌ شعبي ويؤدي إلى انتقال سياسي عبر المؤسسات الدستورية وليس بالصيغ التي ترضي واشنطن والرياض".
ختامًا يوجه أبو عبد الله رسالةً لكل "المنظرين" على الشعب السوري ويقول "نجحت الدولة في امتحان إقامة الانتخابات التشريعية في موعدها رغم كل الضغوط الخارجية والإرهاب على الأرض، في حين أثبتت التجارب الغربية فشلها في اليمن والعراق وليبيا باعتراف عرَّابي الحروب في هذه البلاد، وعليه لا يحق لهم التنظير".