ميخائيل ماجد، الكاتب الصحفي والخبير في شئون الشرق الأوسط، حصرياً ليوميات أوراسيا.
تلعب قضية وضع القدس دوراً هاماً في الشرق الأوسط وفي العالم والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يبدو تحدياً من وجهة نظر العديد من المسلمين. وعلاوة على ذلك، فإن إدارة الحكم الذاتي الفلسطيني تطالب بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة فلسطينية. وبطبيعة الحال، فإن الدول العربية وتركيا التي تدعي أنها رائدة في العالم الإسلامي، لا يمكنها إلا أن تتجاوب مع ذلك. ومع ذلك، هناك احتمال كبير بأن اعتراف الرئيس الأمريكي لن يسبب أي صراع إقليمي خطير. دعونا نحاول أن نوضح لماذا.
حماس وإدارة السلطة الفلسطينية ليست مهتمة في تفاقم الأوضاع
على الرغم من الإسلاميون من قيادة منظمة حماس المسيطرة على قطاع غزة تدعو الى تنظيم الاحتجاجات والانتفاضة الجديدة، ولكنها في الحقيقة غير مهتمة في الوقت الحاضر في حرب كبيرة مع إسرائيل. وقد أبرمت حماس مؤخراً اتفاقاً مع قيادة السلطة الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، تجري المفاوضات مع مصر لتخفيف الحصار المفروض على القطاع. من ناحية أخرى، في إسرائيل تناقش علناً إمكانية التطهير الكامل لقطاع غزة من مسلحي حماس كمنظمة حليفة مع إيران ولا يمكن أن هذا التهديد ألا تقلق قيادة المنظمة.
تتعاون قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في الأردن بشكل وثيق مع دولة إسرائيل. وأنها جنبا إلى جنب قوات الأمن الإسرائيلية تمحق نفوذ حماس في الضفة الغربية بمهاجمة الإسلاميين واللجوء إلى القمع القاسي ضدهم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قيادة الحكم الذاتي تلاحق كلاً من لا يوافق على سياساتها. وفيما يتعلق بعلاقات اسرائيل وقيادة السلطة الفلسطينية، فهي واسعة جدا وعميقة ولذلك من المشكوك فيه جداً وجود رغبة لدى قادة السلطة الفلسطينية في انتفاضة جديدة. في الواقع، هذا ما بعترف به نواب البرلمان الإسرائيلي- الكنيست.
الدول العربية تخاف إيران أكثر مما إسرائيل
أما الدول العربية فلفهم مواقفها علينا توضيح الترتيب السياسي القائم اليوم في المنطقة. لم تثر قضية القدس اليوم قلق أغلبية الدول العربية بقيادة العربية السعودية، بل أنها منزعجة من تحديات إيران وقوتها المتصاعدة. وتمكنت إيران من إنشاء "الحزام الشيعي" الممتد من حدودها إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان حيث النفوذ الإيراني قوي جداً، ومن الجانب الآخر تحاول إيران لإقامة الحزام الشيعي الثاني عبر البحرين واليمن حيث تعمل المقاتلون الشيعة الموالين إيران. في هذه الظروف لم تكن إسرائيل خصماً للعرب، بل حليفة لهم ضد قوة إيران المتصاعدة. ولذلك من المستتبعد أن تتخذ الدول العربية أي شيء إلا خطوات استعراضية.
توطيد تحالف بين تركيا وإيران
ولكن وضع تركيا يختلف. وتقدم تركيا اليوم نفسها كحليفة لإيران حيث كلا البلدين قلقان من زيادة تأثير الحركات الانفصالية الكردية بما فيها في شكل العصابات داخل أراضيهما إلى جانب دعم الولايات المتحدة للأكراد. لذلك قد تتجه القيادة التركية في هذه الظروف نحو إيران وتتخذ الخطوات للتقارب معها خلافاً للولايات المتحدة.
الأهم هو أن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة يمنك أن تعزز موقف إيران من النواحي الإستراتيجية. على سبيل المثال، أن إيرن في الوقت الحاضر تبين نفسها كقوة رائدة في الكفاح من أجل حقوق الفلسطينيين وتثير عواطف العرب. كذلك أنها مهتمة في تعزيز التحالف مع تركيا.
مع ذلك، تركيا عضو حلف الناتو وتنميتها الاقتصادية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ولها روابط اقتصادية هامة مع إسرائيل التي هي أهم حليفة للولايات المتحدة في المنطقة. لذلك حدوث المواجهة على نطاق واسع غير محتمل.
أغلية الفلسطينيين لا تريد دولة مستقلة
في كل هذه الأحداث يكاد ألا نسمع صوت الطبقة السفلى من سكان فلسطين. ماذا هي تريد؟ هل وضع القدس مهم للفلسطينيين؟ خلافاً للرأي المنتشر لا تؤيد أغلبية الشعب الفلسطيني فكرة الدولة الفلسطينية. وهذه الفكرة لا تهم الذين بعيدون عن الحكم الإداري الفلسطيني. ما الحاجة للدولة الصغيرة والضعيفة والفقيرة والفاسدة؟ ما الحاجة لإطعام السلطة البيروغراطية المحلية الهائلة على حساب الضرائب؟ ما الحاجة للبلد دون العمل والتعليم الجيد والخدمات الطبية المطلوبة؟
لم يتمكن الفلسطينيون من تعبير عن آرائهم ولا يمكن لهم أن يعارضوا استقلال الدولة الفلسطيمية علناً. إلا أنهم يتعرضون للقمع من قبل السلطة المحلية. ولكن المشكلة في أن إسرائيل نفسها تعارض التكامل وأنها لم تقدم لهم أي جنسية أو أي اندماج. لا حاجة للمصروفات الإضافية ومن الأفضل الاستفادة من فوة العمل الرخيصة جداً.
الدولة الفلطسطينة مشروع للصفوة الفلسطينية والنخبة الفلسطينية الميسورة والإداريين وكل من يتقابض المعاشات الشهرية. لم يهتم السكان العاديون في المدن أو أهل القرى بإنشاء الدولة الفلسطينية وأنهم يعارضون هذه الصفوة.
يمكن تحقيق الحل الأصلي للقضية الفلسطسنية في الشكل الأول بالتكامل مع المجتمع الإسرائيلي أو في شكل مشروع بلدة بيت السخور مثل اللمستوطنات اإسرائيلية بالإدارة الذاتية والملكية التعاونية وإنتاج البضائع المطلوبة.
لم يكن إنشاء الدولة الفلسطينية حلاً للقضية الحالية؛ لا حاجة فيها لأغلية الشعب الفلسطيني وأنها عاجزة عن حل قضاياها. من الواجب مكافحة نظام الاضطهاد عديد الطبقات على جنيع المستويات. ولا علاقة لإنجاز هذه المهمة الهائلة لأسطورة الدولة الفلسطينية.
وقع الشعب الفلسطيني بين النيران العديدة. من الصعب جداً التكهن في عواقب النقاشات الحالية حول قضية القدس. وأنها تسبب الاجتجاجات الغاضبة. ولكن من غير المستبعد أن تتخذ أغلبية الفلسطينيين موقف لا مبال فيها.