احتجاجات منددة بالغلاء في تونس تدخل يومها السابع، لتفتح إحداثيات المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم بالبلاد على أكثر من سيناريو.
مظاهرات غاضبة سرت عدواها إلى أكثر من 15 مدينة، وجعلت المواقف السياسية تتقاطع عند الخط الرفيع الفاصل بين المسؤولية الاجتماعية والحسابات الحزبية والسياسية.
** المسؤولية الاجتماعية
اعتبر المتحدث باسم حركة "النهضة" التونسية، عماد الخميري، أنّ "من واجب الحكومة اليوم أن تنصت وتخاطب وتفسر للناس كل ما يتعلق بقانون المالية، لأن هناك عدم وضوح بالنسبة لهم".
مسؤولية اجتماعية رأى الخميري، في حديث للأناضول، أنه ينبغي على الحكومة تحمّلها تجاه الطبقات الضعيفة، وذلك عبر إقرار حوار من شأنه أن يحافظ على الاستقرار السياسي.
مسؤولية سيكفل تحمّلها عدم توظيف الاحتجاجات سياسيا، مثل "المطالبة بإسقاط الحكومة أو استغلال المظاهرات لغايات انتخابية مبكرة"، وفق تعبيره.
من جانبه، توقع صلاح البرقاوي، النائب عن حركة "مشروع تونس" (21 نائبا) أن "هذه الأحداث ستتوقف قريبا، نظرا لطبيعتها الإجرامية من ناحية، ولأن من يخرج للنهب والسرقة لا يملك قضية يدافع عنها"، في إشارة للأعمال التخريبية التي شابت الاحتجاجات.
وفي ما يتعلق بموقف حزبه، تابع للأناضول: "أطلقنا دعوة لمواطنينا ليقفوا سدا منيعا لمساعدة قواتنا الأمنية للتصدي للنهب والحرق".
وفي إشارة ضمنية لضرورة تحمل الحكومة لمسؤوليتها الاجتماعية، قال البرقاوي، إنه "على من يريد أن يحارب النهب والسلب أن لا يفرق بين الليل والنّهار، وبين النّهب بالقانون والنهب بالفوضى، لأن كليهما سيان، وعليه أن يبحث في الأسباب العميقة للاحتجاجات المبررة، ويجد لها الحلول."
كما اعتبر أنّ "السياسي هو المسؤول عن إعطاء الإيعاز والأوامر الواضحة للأمن حتى يتدّخل، ونطلب من الأمن أن يتّبع سياسة ضبط النّفس".
وبخصوص الردّ الحكومي على الاحتجاجات، رأى السياسي أن "هناك نقصا في الجهد السياسي" المبذول بهذا الشأن، معتبرا أن الإشكال السياسي يكمن اليوم في "تخلّيها عن دورها لفائدة الأمن، وهذا أمر خاطئ، لأن الأمن لا يمكنه أن ينوب عن الحكومة في تنفيذ سياسة الدّولة."
** احتجاجات مشروعة يعكّرها "أعداء الثورة"
أما غازي الشواشي، النائب عن الكتلة الديمقراطية، والأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" (3 نواب)، فقال إن "الجميع يقر بمشروعية الاحتجاجات التي تعبر عن غضب المواطن التونسي، جراء تفاقم الاقتصاد، وانسداد الأفق، وحالة الإحباط وتهميش المناطق الداخلية".
وبحسب الشواشي، فإن "هذه التحركات لا تعتبر نتاجا لإجراءات قانون المالية، وإنما القانون شكّل القطرة التي أفاضت الكأس"، بمعنى أن الاحتجاجات هي في الواقع، "نتيجة لسياسات فاشلة وخاطئة انتهجتها الحكومات المتعاقبة."
و"بما أن الاحتجاجات كانت غير مؤطرة"، يتابع، فقد كان من البديهي أن تقع "عمليات تخريب ونهب، تقف وراءها عصابات ومهربين، ومنظومة قديمة رافضة لنجاح التجربة التونسية".
وبخصوص الانتشار العسكري لتأمين عدد من مقرات السيادة والمواقع الإستراتيجية، قال الشواشي: "نحن اليوم في تونس لا نزال نعيش حالة طوارئ تقتضي بدورها أن تكون المؤسسة العسكرية موجودة لحماية منشآت".
** حسابات سياسية
الشواشي أعرب عن رفضه لاتهام المعارضة بالوقوف وراء أعمال التخريب التي تخللت المظاهرات، معتبرا أن مثل هذه الاتهامات "لا تخدم المشهد السياسي، بل تخلق فقدان ثقة في الطبقة السياسية."
واعتبر أنه من غير الممكن أن تصدر مثل هذه الاتهامات عن مَسؤول أول في الدولة في إشارة إلى اتهام الشاهد لـ "الجبهة الشعبية" (إئتلاف سياسي معارض/ 15 نائبا)، بوقوفها وراء عمليات التخريب بالبلاد.
والأربعاء الماضي، اتهم الشاهد ما وصفها بـ"شبكات الفساد"، و"الجبهة الشعبية"، بالتحريض على أعمال العنف والتخريب التي تشهدها البِلاد عبر تجنيد عدد من الشباب.
وفي ردّها طالبت الجبهة، أوّل أمس الخميس، بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في أحداث العنف التي تشهدها البلاد منذ أيام.
كما دعت رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إلى إيجاد حلول للشّباب، الذّي يعاني البطالة والبؤس والفقر وتستهويه المخدرات والإرهاب، "عوض اتهام الجبهة بالوقوف وراء أحداث التّخريب".
واستدرك الشواشي، في تعقيبه على الاتهامات الموجهة للجبهة، بالقول: "لكن يحق له الاتهام عندما تكون بين يديه أدلة وملفات يقوم بإحالتها للقضاء".
السياسي حذّر أيضا من "استغلال الاحتقان السياسي لتصفية الحسابات بطريقة غير مسؤولة، فعدم الاستقرار السياسي سينجر عنه تعميق الأزمة الاقتصادية، وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، وهذا ليس من مصلحة تونس."
الخميري، من جهته، اتهم "أصواتا يسارية بالتحريض والوقوف وراء الاحتجاجات في طبرية (مدينة على بعد 40 كم غرب العاصمة)، وهي عناصر مقرّبة من الجبهة (الشعبية) لم تقم الأخيرة بتأطيرهم".
وتابع: "نحمّل المسؤولية لكل طرف سياسي يدعو للاحتجاج دون تأطير، وحرض عليها دون المحافظة على سلميتها"، لافتا أن "التظاهر يجب أن يكون في وضح النهار، ولكنه في الليل يدخل في خانة اﻹجرام ."
وعن توجيه الاتهام للجبهة، أكد الخميري أن "للحكومة من الإمكانيات والأجهزة الأمنية على الأرض تجعلها تتهم الجبهة الشعبية بالوقوف وراء هذه الارتباكات التي تحدث ليليا ."
اتهامات نفاها البرقاوي، من جانبه، بالقول: "نحن لا نشاطر الشاهد الرأي عندما اتهم الجبهة الشعبية بالوقوف وراء أحداث الشغب الأخيرة."
واعتبرأن "نسب الانفلات الأخير للجبهة الشعبية فيه شيء من التجنّي، لأنه في ظل غياب إثباتات كافية، لا يمكن اتّهام جهة معينة بالوقوف بصورة مباشرة وراء أحداث العنف، ومساندة الجبهة للاحتجاجات لا تعني أن يكون لهم يد في التخريب".
البرقاوي شدد على أن "مواقف الجبهة كانت واضحة، وهي ضد عملية التخريب، غير أن الاحتجاج يظل من حقها، شأنها في ذلك شأن جميع أي تونسي وفق ما يضمنه الدّستور".
احتجاجات تونس.. بين المسؤولية الاجتماعية والحسابات السياسية
مظاهرات غاضبة سرت عدواها إلى أكثر من 15 مدينة، وجعلت المواقف السياسية تتقاطع عند الخط الرفيع الفاصل بين المسؤولية الاجتماعية والحسابات الحزبية والسياسية.
DİGƏR XƏBƏRLƏR
Hamısıالأخبار اليومية