ميخائيل مجيد، الكاتب الصحفي والخبير في شئون الشرق الأوسط
حصرياً لـ Eurasia Diary
يدل تاريخ العراق على أن مسألة العقوبات والتدخل الخارجي لم تكن ذات معنى واحد. فمن ناحية، يعاني الكثير من السكان الأبرياء نتيجة للعقوبات الخارجية، على سبيل المثال، في العراق، توفى آلاف الأطفال نتيجة لفرض عقوبات دولية، ولم يتلقوا الأدوية اللازمة. كانت نتائج التدخل الأمريكي في عام 2003 أيضاً مأسوية للغاية. قتل عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين في القصف والحروب الأهلية التي اجتاحت العراق، وتحول مئات الآلاف إلى لاجئين.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن القول إن العنف في العراق أصبح أكبر مما كان عليه في عهد صدام. اعتبرت عشيرة تكريت السنية العربية التي حكمت البلاد، سكان الشيعة المهزومين (أكثر من 60% من السكان) والأكراد (حوالي 20% من السكان). تم قمع الانتفاضة الشيعية في البصرة بشدة من قبل النظام في عام 1991. مع ذلك كانت أغلبية ضحايا النظام من الأكراد.
في 14 أبريل من هذا العام، يقيم الأكراد مراسيم الذكرى التاسعة والعشرين المأساوية للإبادة الجماعية "الأنفال" في كردستان العراق. لجأ نظام صدام في 1987-1989 إلى عملية واطلقت لها هذه التسمية ، استخدم صدام حسين أساليب الإبادة الجماعية من أجل قمع الحركة الكردية الفدائية. تم تدمير 4000 قرية كردية، نحو 700 ألف شخص وضعوا في المعسكرات وأصبح حوالي 1 مليون لاجئاً، بحسب التقديرات المختلفة يتراوح عدد القتلى من50 ألف إلى 180 ألف شخص. كما لجأ النظام إلى استخدام الأسلحة الكيميائية للقضاء على المدنيين والفدائيين.
انشرت في العالم كله مشاهد إعدام صدام حسين. ولكن أنصار الدكتاتور نسوا أن يذكروا أنه أعدم بتهمة الابادة الجماعية في كردستان العراق، وأن المشاركين في إعدامه كان الشيعة العراقيون، من أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر (هتفوا اسمه أثناء تنفيذ الحكم). وكان على الشيعة تصفية الحساب الخاص مع الدكتاتور.
في عام 1991 ، في البصرة الشيعية في جنوب البلاد وفي مدن شمال العراق (مع السكان العرب والاكراد والتركمان المختلطين)، بدأت انتفاضة ضد صدام. لقد بدأت لأن الدكتاتور ضعفت بهزيمة رهيبة في الحرب مع التحالف الدولي (بقيادة الولايات المتحدة) في الكويت. حاول الثوار الاستفادة من ضعفه.
استولى العاملون الأكراد والعرب في المصانع والشركات المحلية في شمال مدينة اربيل والسليمانية وكركوك وغيرها من المناطق على مؤسساتهم وأقيموا فيها هيئات الحكم الذاتي وانتخبوا مجالس الإدارة التايعة للجمعيات المحلية (وكان في الإمكان استدعاء النواب في أي وقت بقرار الجمعية). بدأت هذه الهيئات للحكم الذاتي بمحاربة صدام بدعم من السكان. حتى حتى تم انتخاب مجلس العمال المركزي في الشمال. لم يعد الناس يريدون العيش تحت حكم الدكتاتور. كان هدفهم هو مجتمع الحكم الذاتي العمالي والاستقلال الوطني للأكراد والعرب. لكن ثورة الحكم الذاتي انهزمت، ولم يكن الدكتاتور ضعيفًا بما يكفي. بعد انتصاره، عمت هذه المناطق موجات جديدة من القمع الفظيع ضد الشيعة والأكراد، وعاني منها الآلاف من الناس.
ومع ذلك، بعد الغزو الامريكي في عام 2003، وضع القوميون الأكراد في أربيل النصب التذكاري للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، لتحريرهم من الفاشي صدام الذي كان يبيد شعبه. لقد استقبل الشيعة الذين يشكلون غالبية سكان العراق وصول الأمريكيين بفرار جماعي من جيش صدام ...
وهذا يعني أن العقوبات الخارجية من غير المرجح أن تكون خيراً، ولكنها ليست بالضرورة شراً لسواد الناس والحركات الشعبية، وحتى لغالبية أهل البلاد. لم يتقاسم الجميع قيم الدولة الوطنية. يمكن أن تكون الحكومة المحلية أسوأ من الجوانب العديدة من التدخل. تحاول الحكومات المحلية تربية السكان على مبادئ الطاعة والولاء لنفسها ولما يسمى بكلمة "الوطن". لكن الناس لا يتصرفون دائماً وفقاً لهذا المثل الأعلى. ربما، في مثل هذه الحالات، يختار سواد الناس، أو جزء منهم على الأقل، ما هو مفيد لهم ببساطة.