آنار صادقوف، العالم السياسي الروسي، والخبير في شئون القوقاز والشرق الأوسط، الدكتوراه في التاريخ ، حصرياً ليوميات أوراسيا
زاد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها الوضع تفاقماً، مما دفع الآلاف من الفلسطينيين للاحتجاج وأدى إلى رفض قيادة الحكم الذاتي لمقترحات واشنطن الجديدة بشأن التسوية .
وجاء في البيان الكتابي الصادر عن رئيس بعثة منظمة التحرير في واشنطن السفير حسام زملط أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس "يحيي" الصراع الديني بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كانت فلسطين في هذا اليوم الاكثر دموية منذ الحرب على غزة في عام 2014. قتل الجيش الاسرائيلي 65 وجرح 2700 من المحتجين، ومن يوم 30 مارس، عندما اندلعت مظاهرات منتظمة في إطار مسيرة العودة المكرسة للذكرى السنوية ال70 لطرد الفلسطينيين من أراضيهم الأصلية، مما أسفرت عن مقتل 117 وإصابة أكثر من 12 ألف شخص.
وكما جرت التظاهرات الحاشدة لدعم الفلسطينيين في المناطق الأردنية المتاخمة للضفة الغربية المحتلة، والتي حضرها العديد من السياسيين المعروفين في البلد الذي من إجمالي عدد سكانه ب9.5 مليون نسمة، حوالي 70 % من أصل فلسطيني.
ووقت تاريخ افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس للاحتفال بالذكرى ال70 لإقامة إسرائيل، مما أدى إلى نزوح 700 ألف شخص من بين 1.2 مليون من العرب فلسطينيين الذين كانوا مقيمين في ذلك الوقت في فلسطين. وقال ديفيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل: "أنا أؤيد التهجير القسري ولا أرى أي شيء غير أخلاقي فيه". في الواقع ، تم إنشاء إسرائيل في ما يقارب ب78 % من أراضي فلسطين التاريخية من خلال إحراق أو تدمير أكثر من 400 قرية عربية. ومنذ ذلك الحين، لم يسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم. ترى الدولة اليهودية أنه من المستحيل العودة من حيث المبدأ ، لأنها قد تؤدي إلى تغير الوضع الديموغرافي في البلاد بشكل ملحوظ.
ونتيجة لحرب الأيام الستة في عام 1967، ضمت إسرائيل القدس الشرقية، وبالتالي فرضت السيطرة التامة على المدينة، ولكن الأمم المتحدة، وكذلك الغالبية العظمى من المجتمع الدولي لم تعترف بالسيادة الإسرائيلية رسميا على الجزء الشرقي من القدس، دعا القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن للأمم المتحدة في 22 نوفمبر 1967 تل أبيب إلى سحب قواتها من الأراضي المحتلة، وهذا ما لم يتم تنفيذه. وعلاوة على ذلك، في 30 يوليو 1980، أعلنت إسرائيل القدس "عاصمة موحدة لها"، في حين رفض مجلس الأمن الدولي بحق الدولة اليهودية في القدس الشرقية، ودعا البلاد - الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى سحب تمثيلها الدبلوماسي من مدينة (القرار 478 من 20 أغسطس 1980). حتى الآن، لم تكن هناك سفارات أجنبية في القدس، على الرغم من وجود قنصليات في بعض الدول هناك. أعلن فلسطين الجزء الشرقي من المدينة عاصمة له في إطار البيان عن استقلاله في 15 نوفمبر 1988 والذي أقر كالقانون من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني في 2 أكتوبر 1997 والقانون الأساسي لدولة فلسطين والمعتمد في 29 مايو 2002، ولكن السلطات الفلسطينية لم تنقل جهاتها الحكومية إلى القدس الشرقية وأنها ظلت موجودة في رام الله.
من بداية المواجهة العسكرية في عام 1948، تتابع اسرائيل باستمرار سياسة تهجير الفلسطينيين من القدس والضفة الغربية، تقوم بتوطين مستوطنيها في الأراضي المجردة من سكانها الأصليين. دمرت القوات المسلحة الاسرائيلية 39 قرية حول القدس في عام 1948 وأجبرت حوالي 198.000 فلسطيني على ترك منازلهم . كما هدمت في عام 1967 حوالي 5000 منزلاً للفلسطينيين في القدس الشرقية، وتهجير نحو 70 ألفا من الفلسطينيين إلى الخارج و حرمانهم من حق العودة. أعلن وزير البناء والاستيطان الإسرائيلي يواف غالانت في 24 ديسمبر2017 عن خطط لبناء 300 منزلاً جديدة في القدس الشرقية، تحت عنوان "الإسكان في أرض القدس الموحدة - عاصمة إسرائيل". ومن المقرر زيادة عدد المستوطنين في القدس الشرقية والضفة الغربية ب1 مليون شخص في فترة قصيرة من الزمن.
تجاهل إسرائيل اعتراضات من المنظمات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، وتواصل سياستها في هدم منازل الفلسطينيين تحت ذرائع مختلفة، وبالتالي تجرد هذه الأراضي من سكانها لتوطين المستوطنين فيها.
تفترض خطة السلام لترامب والتي وصفها هو بنفسه ك"صفقة القرن"، إقامة عاصمة فلسطينية مستقبلية في أراضي أربعة أحياء عربية في القدس الشرقية، والتي سببت رد الفعل المؤلم للغاية في تل أبيب. ووفقاً لصحيفة "جيروزاليم بوست" تم نقل هذا الاقتراح إلى وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خلال زيارته لواشنطن. من المفترض أن يتم الإعلان عن تفاصيل خطة ترامب بحلول نهاية شهر يونيو بعد نهاية شهر رمضان المبارك. أكد ممثلو السلطة الفلسطينية أن أبو ديس، وهي ضاحية من ضواحي القدس الشرقية ضمن المنطقة "ب" ، قد اقترحت كعاصمة فلسطينية مستقبلية، لكن هذا غير مقبول بالفعل للفلسطينيين أنفسهم. وعلاوة على ذلك ، فإن اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل يعرض عملية السلام بأكملها للخطر، وبعد إعلان هذا القرار، قال محمود عباس إنه سيرفض أي اقتراح قدمه الأمريكيون، رغم الضغوط التي تأتي من واشنطن والرياض.
وقال وزير شؤون القدس زئيف إلكين إن إسرائيل تستبعد إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية للصراع مع الفلسطينيين، إن لم تكن القدس عاصمة للدولة اليهودية،
في هذا الوقت انقسمت المدينة إلى ثلاثة قطاعات التي تشكل 60% من الأراضي، وتسيطر إسرائيل بموجب تصنيف "C" عليها عسكرياً وإدارياً، وكذلك على 93% من مواردها المائية، والأهم من كل ذلك، قد تنص خطة ترامب على نقل هذه المنطقة بالكامل أو جزء كبير منها تحت سيادة الدولة اليهودية، و ستبقى لدى3 ملايين فلسطيني مساحة صغيرة بموارد محدودة.
قال نتنياهو، بدوره، إنه يجب على إسرائيل أن تحتفظ بالسيطرة على الأمن في الأراضي الفلسطينية في إطار أي اتفاق السلام. من الواضح أن الدولة اليهودية انتهكت جميع المعايير الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقات التي تم التوصل إليها في وقت سابق.
يثير موقف بعض الدول العربية استغراباً حيث أنها تدعي رسمياً عن رفضها لقرار دونالد ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، في الواقع، تجري المفاوضات السرية مع تل أبيب، وتبرز استعدادها لإهمال القيم والمصالح الإسلامية المشتركة. يعود هذا الموقف في المقام الأول للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، اللتين انضمت إليهما مصر والبحرين، اللذان أرسلا وفديهما في ذروة الاحتجاجات الفلسطينية في ديسمبر 2017 إلى إسرائيل، وصرح وزير خارجية المملكة الصغيرة في الخليج خالد بن أحمد آل خليفة، في حسابه على تويتر، أنه ما يجري في القدس هو "قضية جانبية مقارنة مع النضال ضد إيران الفاشي." يبدو أن هذا البيان يعبر عن الرأي الجماعي للبلدان العربية المذكورة أعلاه.
لا يزال قطاع غزة في محاصرة منذ 11 عاما من قبل إسرائيل ومصر، ويعاني القطاع من مشاكل كبيرة في الكهرباء والماء، فإن معدل البطالة حوالي 40%، يسكن مليونان من الناس في مساحة صغيرة، و80% منهم هم لاجون مشردون من قبل إسرائيل. مطلب إسرائيل بنزع سلاح حماس غير مقبول، لأن هذا التظيم العسكري السياسي لن يقبل ذلك أبداً. وعلاوة على ذلك، فإن الرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية، محمود عباس، لديه شعبية منخفض، وإذا أجريت الانتخابات في الأيام القريبة، وعلى الأرجح سيفوز رئيس الكتلة السياسية لحماس إسماعيل هنية فيها، ليس في غزة فقط، بل في الضفة الغربية، والقدس الشرقية.
استأنفت ايران تعاونها مع حماس وتنظيم حركة "الجهاد الإسلامي"، والذي توقف في وقت سابق بسبب دعمهما للمعارضة السورية، وفقاً لصحيفة "الشرق الاوسط" السعودية، تمنح إيران 100 مليون دولار لهما سنويا. وقال مستشار وزير الخارجية لجمهورية الإسلامية الإيرانية حسين شيخ الإسلام أن دعم طهران للحركة الفلسطينية قرار استراتيجي ولا عودة عنه، مضيفاً: "إن الهدف من إيران هو تعزيز محور المقاومة في الأراضي الفلسطينية وسوريا في مواجهة محور الولايات المتحدة وإسرائيل ". بدوره، قال المتحدث باسم حماس في طهران خالد القدومي: "إيران هي الحليف الذي أيد الفلسطينيين خلال سنوات عديدة في المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والمالية"، مشيراً إلى أن قرار دونالد ترامب يؤدي إلى زيادة التوتر في الشرق الأوسط.
وبالنظر إلى أن حزب الله اللبناني يزيد قدراتها العسكرية بمساعدة إيران حيث أطلق مؤخراً صواريخه على مرتفعات الجولان المحتلة في سوريا، وفاز في الانتخابات الأخيرة في برلمان البلاد، بعد أن تلقى دعم السكان، يزيد عزمه على مواجهة عسكرية محتملة مع الدولة العبرية، وأكد زعيم التنظيم حسن نصر الله عليه مراراً ، فإن قرار دونالد ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، يؤدي إلى تفاقم الوضع، وتأجيل عملية السلام واعادة تكثيف العمليات العسكرية ضد إسرائيل.