ماكرون و"السترات الصفراء".. الأخطاء القاتلة

تطبيق وصفة "نيوليبرالية" لا تتماشى مع بلد تعود الرعاية الاجتماعية

تحليلات 13:00 16.12.2018

- تطبيق وصفة "نيوليبرالية" لا تتماشى مع بلد تعود الرعاية الاجتماعية
- تجاهل الاحتجاجات في بدايتها ساهم في تأجيجها وحصولها على دعم شعبي متزايد
- العنف المفرط تجاه المحتجين قبر مساعي ماكرون لاحتواء الأزمة

3 أخطاء قاتلة قبرت مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاحتواء احتجاجات "السترات الصفراء" التي تهز بلاده منذ أسابيع.

السياسة الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة على نهج "نيوليبرالي" لا تتماشى مع طبيعة البلاد، تجاهل الغضب الفرنسي في بداياته، حين كانت مطالب المحتجين تقتصر فقط على إلغاء زيادة أسعار الوقود، ثم العنف المفرط المستخدم ضد المتظاهرين.

ثلاثية أسقطت ماكرون في أول اختبارات الحكم التي تواجهه منذ وصوله الإليزيه قبل أقل من عامين، وجعلت من خطابه الأخير المشحون بالأخطاء الاتصالية، وبارتباك نضحت به ملامح الرئيس وحركاته، مقبرة لشعبيته ومصداقيته.

سقوط مدوّ عرى فشل السياسات المعتمدة على جميع الأصعدة، وكشف خيبة أمل الفرنسيين في رئيس لم يصغ إلى مطالبهم إلا تحت ضغط الشارع، في حركة متأخرة فاقمت من "الغضب الأصفر"، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام أزمة اجتماعية خانقة.

** "النيوليبرالية".. أفظع أخطاء ماكرون

في بلد تعوّد على نظام الرعاية الاجتماعية مثل فرنسا، تبدو فكرة تطبيق وصفة "نيوليبرالية" قائمة على تأييد الرأسمالية المطلقة، غير متجانسة أبدا مع الواقع والأعراف الاجتماعية والاقتصادية المحلية.

مراقبون رأوا أن ماكرون ارتكب سلسلة من الأخطاء منذ يومه الأول بالرئاسة، حيث اتضح أن عرضه بتخفيض الضرائب المفروضة على أثرياء البلاد، وإصراره على إلغاء الضرائب المفروضة على الثروات، ليست سوى أخطاء استراتيجية.

قرارات أسفرت عن أزمتين: الأولى اجتماعية، حيث أجج الحقد الطبقي، لأن ابن الطبقات الفقيرة والمتوسطة لن يمكنه استيعاب الهدف من إلغاء الضريبة التصاعدية على الأغنياء، فيما يتم فرض ضرائب على آخرين دون التفكير حتى في رفع الحد الأدنى للأجور.

الأزمة الثانية تمثلت في حصول فجوة في ميزانية فرنسا لعام 2018 بمقدار 10.5 مليارات دولار، ما يشكل نحو 39 في المائة من إجمالي الضرائب التي تم تحصيلها عام 2017.

في المقابل، زادت الضرائب المفروضة على المواطنين العاديين بهدف سد هذه الثغرة، مثل الضرائب على مصادر الطاقة، وعلى القيمة المضافة، وعلى الدخل.

كما جرى إقرار إضافات بسيطة لا تستحق الذكر، على رواتب الطبقة ذات الدخل المنخفض، لترتفع بمعدل 6 بالمائة فقط، فيما زادت ثروات ذوي الدخل المرتفع بالسنوات الـ 15 الأخيرة بمعدل 134 بالمائة.

سياسات خاطئة كان لا بد وأن تقود نحو انفجار اجتماعي، وهذا ما جعل ماكرون يخسر حربه في سبيل كسب الرأي العام.

وكشف استطلاع رأي نشرته مجلة "باريس ماتش" مطلع ديسمبر / كانون الأول الجاري، أن شعبية ماكرون انخفضت خلال هذا الشهر بـ 6 نقاط مئوية، لتتراجع حتى 23 بالمائة.

ووفق الاستطلاع، فإن نسبة المؤيدين لحركة "السترات الصفراء" بلغت 71 بالمائة، وهذه النسبة لم تكن مفاجئة، إذ ترى الكثير من شرائح المجتمع الفرنسي، أن ماكرون يهتم بالطبقة الغنية بدرجة أكبر من الطبقة المتوسطة والعاملة.

** تجاهل الاحتجاجات

هو الخطأ الفادح الثاني الذي ارتكبه ماكرون، حيث استخف في بداية الاحتجاجات بحركة "السترات الصفراء"، وأعلن وزير البيئة فرانسوا دو روجي ـ حاسما ـ أن الحكومة لن تتراجع عن الزيادة المقررة في أسعار الوقود.

لزم ماكرون صمتا لافتا في تلك الفترة، وتجاهل مطالب المحتجين، ما فاقم من الغضب، ومن إصرار "السترات الصفراء" على التظاهر، ورفع سقف مطالبهم إلى الدعوة برحيل رئيس وصفوه بـ "المتعجرف" و"المتكبر".

وتحت ضغط الاحتجاجات، أعلن رئيس الوزراء إدوارد فيليب تجميد الزيادة المقررة في أسعار الوقود 6 أشهر، في إجراء اعتبرته "السترات الصفراء" متأخرا، ومناورة لربح الوقت، فكان أن أعلنت مواصلة الاحتجاجات، ما أجبر الإليزيه على إعلان إلغاء الزيادة بشكل كامل.

** العنف المفرط

الخطأ الجسيم الثالث الذي ارتكبته حكومة ماكرون، هو اللجوء إلى استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين في بداية الاحتجاجات، حيث كان المسؤولون الفرنسيون يسعون إلى إظهار المحتجين على أنهم عصابات تثير الفوضى بالمدن.

سعت قوات الأمن من خلال استخدام العربات المدرعة وأساليب العنف المفرط، لإخافة المتظاهرين وإيجاد جو من الرعب النفسي، إلا أن هذه المحاولات فشلت وخلفت أثرا عكسيا في الشارع.

فمشاهد الطلاب الفرنسيين وهم جاثون على ركبهم، وأياديهم خلف رقابهم تحت أنظار قوات الأمن المدججة بالعتاد الحربي، وانتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلفت غضبا واستياء واسعين.

ودفعت هذه المشاهد بالكثير من السياسيين الفرنسيين إلى انتقاد أساليب العنف المفرط تجاه المتظاهرين.

من جانب آخر، وجد أصحاب القرار في فرنسا أنفسهم أمام موجة انتقادات حادة على المستوى الدولي في مجال حقوق الإنسان، بعدما كانوا سابقا يستغلون كل فرصة حول العالم لإعطاء الدول دروسا في حقوق الإنسان.

** "رجل الحوار والحوافز"؟

الاثنين الماضي، اتخذ ماكرون قرار مخاطبة شعبه عبر التلفاز، في محاولة منه لتصوير نفسه على أنه "رجل الحوار"، لكنه في النهاية سيُجبر على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والتقدم بتنازلات كبيرة.

وفيما يخص الخطوط العريضة لخطابه، بدا بالكاشف أنه يسعى للحفاظ على الإصلاحات بعيدة الأمد، من خلال تقديم جملة من المقترحات الغامضة.

كما أن ماكرون لا يميل للتخلي عن تطبيق جملة من الإصلاحات الأخرى مثل إلغاء ضريبة الثروات، والإصلاحات في مجال التأمينات الصحية ورواتب المتقاعدين.

وأعلن ماكرون 4 تدابير رئيسية، أولها رفع الحد الأدنى للأجور بمقدار 100 يورو، مع العلم أنه كان من المزمع إجراء هذه الخطوة عامي (2020 ـ 2021)، وعليه، فإن هذا الأمر ليس سوى تسريع لاتخاذ هذه الخطوة.

وثانيها، إعفاء ساعات العمل الإضافية من الضرائب، وهذا الإجراء كان نافذا في الفترة بين عامي 2007 و2012، وعلاوة على ذلك، فإن العاملين في القطاع الخاص فقط يعملون أكثر من 40 ساعة، وهذا يعني أن هذه الخطوة ستساهم في تحسين القوة الشرائية لشريحة قليلة من المجتمع.

وثالثا، يمكن لأرباب العمل تقديم مكافآت نقدية بشكل استثنائي للعاملين لديهم، من دون أن تخضع للضرائب، لكن هذه الخطوة محدودة بالشركات التي ترغب في تقديم هذه المكافآت بشكل طوعي.

وأخيرا، الخطوة التي سيتم اتخاذها بشأن رواتب المتقاعدين، وهي إلغاء الضرائب الإضافية المفروضة على المتقاعدين الذين تراوح رواتبهم بين 1200 و2000 يورو.

باختصار، يمكن القول بأن استراتيجية ماكرون بناء على خطابه، تتضمن 3 طبقات، وهي: تقديم بعض الخطوات التحفيزية المحدودة بهدف تهدئة المتظاهرين، وتخليص الشركات الكبرى من الأعباء المالية، وإظهار نفسه على أنه "رجل الحوار"، من خلال عقده لقاءات مع كافة رؤساء البلديات في البلاد. 

...................

** طارق شرقاوي: مدير مركز "تي آر تي ورلد" للأبحاث، وخبير في مجال التواصل الاستراتيجي، ومؤلف كتاب "The News Media at War: The Clash of Western and Arab Networks in the Middle East"

 
خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...

أحدث الأخبار

رئيس الوزراء السنغالي ينتقد تواجد القواعد العسكرية في بلاده
12:00 17.05.2024
كاليدونيا الجديدة... طوارئ ومطالب بالاستقلال عن فرنسا
11:46 17.05.2024
صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد العراقي 1.4 % في 2024 و5.3 % في 2025
11:30 17.05.2024
روسيا والصين تعملان معاً من أجل خلق نظام عالمي عادل
11:15 17.05.2024
حماس ترحب بإعلان قمة البحرين وتوجه دعوة للدول العربية
11:00 17.05.2024
بطريرك القدس للاتين يزور مدينة غزة
10:45 17.05.2024
الهند المعارضة تتهم مودي بإصدار تصريحات تشهّر بالمسلمين
09:30 17.05.2024
الرئيس الموريتاني السابق يغادر السجن لتقديم ملف ترشحه للرئاسية
09:15 17.05.2024
مصر ترفض مقترحاً إسرائيلياً حول معبر رفح
09:00 17.05.2024
دبي تعتمد استراتيجية جودة الحياة في الإمارة
18:00 16.05.2024
ما تأثير الأحداث الجارية في جنوب القوقاز علي أذربيجان؟
17:26 16.05.2024
خبير سياسي : الإتحاد الأوروبي لن يساعد أرمينيا
16:00 16.05.2024
خبير سياسي : الغرب يسعي إشعال حرب بين جورجيا وروسيا
15:59 16.05.2024
انطلاق "قمة المناخ والمياه" في جامعة أضا
انطلاق "قمة المناخ والمياه" في جامعة أضا
14:52 16.05.2024
ما تأثير الأحداث الجارية في دول الجوار علي أذربيجان؟ أومود ميرزايف يجيب
13:52 16.05.2024
فيسبوك تحذف منشورات عن لقاء رئيس وزراء ماليزيا وإسماعيل هنية
12:45 16.05.2024
فرنسا تنشر الجيش لضمان أمن مرافئ ومطار كاليدونيا الجديدة
12:30 16.05.2024
مخيمات غزة تعاني ظروفاً مهينة للإنسانية
12:15 16.05.2024
مصر تتسلم 14 مليار دولار من الإمارات قيمة الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة
12:00 16.05.2024
مقتل 12 جندياً إسرائيلياً في عملية بمخيم جباليا
11:45 16.05.2024
طهران تعلن تسوية نصف القضايا العالقة مع الذرية الدولية
11:30 16.05.2024
زيلينسكي يلغي زيارته لأسبانيا والبرتغال بسبب تدهور الوضع في خاركيف
11:15 16.05.2024
فارض اسماعيل زاده: مشكلة المياه واحدة من أخطر المشاكل في أذربيجان
10:53 16.05.2024
الهند تقلّل من أهمية عقوبات واشنطن إثر اتفاقها لتطوير ميناء تشابهار الإيراني
10:30 16.05.2024
أردوغان إسرائيل قد تضع عينها على الأناضول بعد غزة
10:15 16.05.2024
العالم عند مفترق طرق
10:00 16.05.2024
الرئيس الفرنسي يعلن حالة الطورائ في كاليدونيا الجديدة
09:45 16.05.2024
الحكومة التركية تبذل قصارى جهدها لخفض معدل التضخم
09:30 16.05.2024
إطلاق نار على رئيس وزراء سلوفاكيا ونقله إلى المستشفى
09:15 16.05.2024
أردوغان يتهم حركة جولن بتدبير محاولة انقلاب جديدة
09:00 16.05.2024
الأمم المتحدة تفتح تحقيقاً بمقتل أول موظف دولي في رفح
17:30 15.05.2024
خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...
16:45 15.05.2024
علييف : فرنسا تربك المجتمع الدولي
16:00 15.05.2024
خبير سياسي : أرمينيا لن تنضم للاتحاد الأوروبي
15:00 15.05.2024
بوريل: عملية رفح ستؤثر بقوة على علاقات أوروبا مع إسرائيل
14:00 15.05.2024
طائرة ترامب تتعرض لحادث في فلوريدا
13:00 15.05.2024
هل منطقة جنوب القوقاز علي مشارف حرب أوكرانية ثانية؟
12:19 15.05.2024
تحذيرات إسرائيلية من انسحاب مصر من الوساطة في مفاوضات غزة
12:00 15.05.2024
بوتين العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين تتطور بسرعة
11:30 15.05.2024
قبيل استضافتها للقمة العربية.. كيف تعاملت البحرين مع الحرب في غزة؟
11:15 15.05.2024
جميع الأخبار