تنص "خطة السلام" المكونة من الممثلين عن المجتمع المدني في كل من أذربيجان وأرمينيا والتي تم إنشاؤها قبل عدة أيام بغية محاولة التسوية السلمية للنزاع في قاراباغ الجبلية على المبادئ التالية: القضاء على ظاهرة الاحتلال وضمان التعايش الآمن والمستقر. كما تركز الخطة على أن أرمينيا تحولت إلى ألة في يد النظام القمعي الحالي وعلى ضرورة تغييره لمصلح إقرار السلام في القوقاز.
على الرغم من غياب ردود الفعل للسلطات الأرمينية على هذه الخطة في البداية ولكن انضمام شاعرة شابة من خان كندي، عاصمة الإقليم وضابط سابق في القوات المسلحة إلى الخطة أجبر السلطات الأرمينية على القيام بتزوير محتوايات الخطة حيث اعتبر البعض أن هذه الخطة مطروحة ومقرة من قبل الجانب الأذربيجاني ورأي الآخرون في الخطة موقف الأشخاص المصابين بالمرض النفانسي حيث أن الخطة هي "تمثيل السلام" من قبل أذربيجان التي قد اضطرت إلى الخضوع لهزيمتها في حرب شهر أبريل الماضي.
والحقيقة في أنه اتفق الطرفان على أن المعارك في شهر أبريل الماضي أثبتت قدرة الجيش الأذربيجاني الذي تمكن من الاستيلاء على المرتفعات الهامة مثل تاليش ولالا تابه وتمكن من إعادة مواقعه في مناطق ماداغيز وأغدارا وجابراييل وخوجافند ومن إقامة نقاط المراقبة له في المنطقة وإحراز التقدم في أعماق خط المواجهة. ولكن الجانب الأذربجاني سحب قواته عن بعض المناطق بعد ضغوط المجتمع الدولي بأمل التوصل على الحل السلمي للقضية بصورة عامة.
في الاجتماعين في كازان وفينا اتخذ الجانب الأرميني موقف المشارك الخامل وتراجع عن كثير من النقاط التي وافق عليها في وقت سابق حول تغيير الوضع الراهن والاعتراف بمبادئ مدريد.
تعهدت أذربيجان بعد المعارك الأخيرة بعدم اللجوء إلى القوات المسلحة لتحرير الأراضي المحتلة بشرط قبول مبادئ كي فيست ومدريد الختامية. في وقت سير المفاوضات حول قضية قاراباغ الجبلية اشتد الوضع الداخلي في أرمينيا وخير دليل على هذا هو هجوم مجموعة مسلحة على مركز الشرطة بيريفان. بالكلمة الأخرى تم عزل أرمينيا عن تنفيذ هذه المبادئ ومواصلة المفاوضات.
على ضوء هذه التطورات أصدر الرئيس الأذربيجاني بياناً حول منح أعلى الوضع القانوني لإقليم قاراباغ الجبلية في إطار وحدة الأراضي الأذربيجانية. لم تستغرق ردود الفعل الأرمينية على هذا البيان وقتاً طويلاً حيث من الناحية اشار الرئيس الأرميني إلى إمكانية منح ضفة الجمهورية ذاتية الحكم للإقليم، ومن الناحية الأخرى خرق القرارات التي تم التوصل إليها في وقت سابق وبين إمكانية ضم المناطق المتنازعة عليها إلى أرمينيا. كما حاول الرئيس الأرميني التركيز على دور الجاليات الأرمينية في الخارج في تسوية قضية قاراباغ. كما ادعى في زيارته الأخيرة إلى إقليم قاراباغ الجبلية أن " شعب قاراباغ الجبلية يواجه مشاكل" وبهذا اعترف بأن الحكومة الأرمينية أيضاً ستواجها المشاكل الخطرة في المستقبل.
أشار وزير خارجية أرمينيا السابق فاردان أوسكانيان إلى أن هذه البيانات للرئيس الأرميني تدل على إمكانية اندلاع الحرب في المنطقة ولذلك يدعو الرئيس الشعب إلى اليقظة وفي نفس الوقت وتؤكد ضرورة إعلان التعبئة لللمقاتلين السابقين . كما وجه الآخرون التهديدات على أذربيجان عبرالقيام باعمال إرهابية في باكو. مع ذلك أكد الجانب الأذربيجاني عن تمسكه بتنفيذ القرارات الصادرة عن الاجتماعين في كازان وفينا. وبهذا تمكن بعزل أرمينيا وإغلاق الدائرة.
يضم تقرير مجلس حقوق الإنساني للأمم المتحدة الصادر في اجتماعي المجلس الرقم 330 والرقم333 والمؤرخين في 2 أكتوبر و21 نوفمبر 2016 المبادئ الأساسية التي تجعل الأرضية القانونية لتمكن الأقلية الأرمينية من التعايش الآمن وحماية حقوقهم واحترام اعتقاداتهم الدينية وتسهيل تسجيل الجاليات الدينية في أذربيجان. كما أصدرت الدورة ال71 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 2 نوفمبر البيان الذي يقر حق الشعوب في تقرير مصيرها دون خرق وحدة أراضي الدول.
وهكذا تم إصدار القرارات الهامة في إطار نظام العلاقات الدولية والتي تدعو إلى الحيلولة دون ممارسة الأعمال غير القانونية في المناطق المتنازعة عليها وإخضاعها للقوانين الدولية . كما أدت هذا النشاطات إلى خلق الظروف الآمنة والملائمة لإنجاز المشاريع الاقتصادية الكبيرة مثل نقل موارد الطاقة TANAP و TAP ومشروع النقل "شمال-جنوب" للخطوط الحديدية الدولية التي تربط بين روسيا وأذربيجان وإيران ومشروع سكة الحديد باكو-تبيليسي وقارص والميناء الدولي في منطقة آلات على بحر قزوين. تعتبر خطة السلام هذه التي أعدها الجانب الأذربيجاني والتي تضمن مصالح دول المنطقة أيضاً فرصة أخيرة لنجنب اندلاع الحرب في المنطقة.
ولكن، يرى الجانب الأرميني في هذه المبادرة اساليب الحرب الهجينة لأذربيجان ويلجأ إلى منع انتشار هذه الفكرة في المجتمع الأرميني بإجراءات قمعية أيضاً.
وكن العملية السلمية قد بدأت ويقع الشعب الأرميني أمام الخيار بين البقاء في العزلة ومعرفة دولتها كدولة محتلة في الرأي العام العالمي أو تفضيل السلام والتعايش السلمي. وقد وفق الجانب الأذربيجاني دستوره لإدارة الدولة في الظروف الطارئة وخلق القاعدة القانونية للاستفادة من القوات المسلحة في هذه الحالة. كما توصلت أذربيجان إلى الاتفاق مع روسيا حول عدم استخدام صواريخ "إسكندر" ضد الدول الأخرى وعززت قدراتها العسكرية ووقعت عقود التعاون العسكري الجديدة.
في هذه الظروف تتبلور جهود القوى التي ترغب في الاستفادة من أرمينيا التي توتجها مخاطر الهجرة الشاملة والأزمة الاقتصادية الخطرة لزعزعة أمن المنطقة. وتعتبر خطة السلام والمبادرات السلمية الأخرى فرصة أخيرة قادرة على الحيلولة دون تحقيق هذه الجهود وإخراج الشعبين من قبضة الحرب. وقد حان الوقت لكلمة الفصلمن الأذربيجانين والأرمن الذين يدافعون بعضهم عن البعض في الخارج كأبناء منطقة القوقاز الموحدة. هناك الخياران: يا إما التعايش السلمي في القوقاز المزدهرة، يا إما الوقوع في نيران الحرب بدون أخذ الدروس من أعمال القوى العالمية في سوريا والعراق.
الكاتب: رامل عزيزوف
نائب رئيس المؤسسة الأورأسيوية الدولية للصحافة
المترجم: الدكتور ذاكر قاسموف