بايدن والسعودية ومصالح واشنطن

مقالات 13:24 17.06.2022
خلال العقدين الماضيين، وبسبب هجمات 11 سبتمبر التى نفذها 19 إرهابيا منهم 15 سعوديا، خلصت النخبة الأمريكية السياسية إلى الاستياء من العلاقة الوثيقة تاريخيا بين واشنطن والرياض. ولا يعرف هذا الاستياء انتماء حزبيا، إذ يقتنع به أغلب من ينتمون للحزبين الجمهورى والديمقراطى كذلك. وقبل ثلاث سنوات جددت حادثة مقتل الكاتب والمعارض السعودى جمال خاشقجى بطريقة وحشية قناعات النخبة الأمريكية التى تفاءلت نسبة كبيرة منها بأجندة ولى العهد محمد بن سلمان السعودية الانفتاحية.    
       وجددت أنباء قيام الرئيس جو بايدن بزيارة المملكة الشهر القادم الجدل داخل العاصمة الأمريكية حول علاقاتها شديدة التعقيد بالمملكة الغنية بالنفط والحاضنة لأقدس مقدسات 1.8 مليار مسلم ومسلمة حول العالم.    
      بدأت مشاكل الرئيس بايدن مع المملكة السعودية مبكرا وقبل أن يصل للبيت الأبيض، فخلال حملته الرئاسية تعهد بايدن نفسه، بجعل المملكة العربية السعودية "دولة منبوذة"، وقال بايدن "أود أن أوضح تماما أننا لن نبيع لهم المزيد من الأسلحة، سنجعلهم فى الواقع يدفعون الثمن ونجعلهم فى الواقع منبوذين كما هم. وهناك القليل جدا من القيمة الجيدة فى الحكومة الحالية فى المملكة العربية السعودية".   
      من هنا بدأت معضلة بايدن تطارده مع الإعلان عن زيارته للمملكة. فقد أغضب قراره السفر للسعودية، ومقابلة ولى عهدها محمد بن سلمان، بشكل غير مفاجئ العديد ممن يؤيدونه والكثير ممن ينتقدونه. داخل الحزب الديمقراطى، كان التيار التقدمى يأمل أن ينفذ بايدن تعهده بالتركيز على حقوق الإنسان كجزء من السياسة الخارجية الأمريكية بعد تجاهلها أثناء سنوات حكم الرئيس دونالد ترامب. ويرى هذا التيار فى الجلوس مع محمد بن سلمان خيانة لتلك الآمال.     
      وتدعى إدارة بايدن أن دعم الديمقراطيات حول العالم يمثل أحد المبادئ الرئيسية لسياسة بايدن الخارجية، فيما يعتبرون أنهم يخوضون معركة مع الأنظمة الاستبدادية. ويرجع بايدن لهذا المنطق فى تبريره لحشد الغرب لدعم أوكرانيا بعد غزو روسيا، إضافة لعدم دعوة حكام كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا للمشاركة فى قمة الدول الأمريكية فى لوس أنجلوس الأسبوع الماضى. إلا أن داخل أروقة إدارة بايدن تتغلب البراجماتية على المبادئ والقيم.     
      يقود السيد بريت ماكجورك واقعية إدارة بايدن وسياساتها تجاه ملفات الشرق الأوسط من منصبه كمدير للشرق الأوسط داخل مجلس الأمن القومى المعاون للرئيس بايدن. ويتمتع ماكجورك بنهج عملى براجماتى لا يكترث بالحريات والديمقراطية والحقوق إلا عند الحديث عن أعداء واشنطن مثل إيران أو حماس، وأحيانا السلطة الفلسطينية وتركيا. وامتدت واقعية بايدن لملف العلاقات مع مصر والتى اختلفت سياساته معها عن طبيعة حديثة عنها قبل وصوله للبيت الأبيض.     
      منذ أن أصبح التضخم أولوية سياسية قصوى لبايدن والحزب الديمقراطى، حيث بلغ متوسط أسعار البنزين أكثر من 5 دولارات للجالون الواحد، وهو رقم قياسى لم يدفعه الشعب الأمريكى من قبل، دفع ذلك لمزيد من الضغوط على بايدن لإظهار أنه يبذل كل ما فى وسعه لمحاولة خفض الأسعار، خاصة أن هناك شبح انتخابات الكونجرس فى نوفمبر القادم والتى يتوقع أن ينال فيها حزب الرئيس هزيمة ثقيلة.    
ولا تزال المملكة العربية السعودية ثانى أكبر دولة منتجة للنفط على كوكب الأرض ولاعبا رئيسيا فى الاقتصاد العالمى، وزاد من أهميتها الكبيرة اندلاع الحرب فى أوكرانيا وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار الطاقة.
      ترددت إدارة بايدن فى ربط الزيارة بالرغبة الملحة فى خفض أسعار النفط، وقال بايدن "إن الزيارة ستكون أكثر من مجرد حديث عن إمدادات نفطية". وتضغط إدارة بايدن على السعودية بعدما وقعت دولتا الإمارات العربية المتحدة والبحرين على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. وتؤمن إدارة بايدن أن العلاقات المتنامية بين إسرائيل ودول الخليج تمثل ثقلا موازنا قويا لمواجهة النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وتؤمن كذلك أن عملية التطبيع، الجارية على قدم وساق، لن تذهب إلى أبعد من ذلك دون انضمام المملكة العربية السعودية إليها.    
      وتحصل الولايات المتحدة على الكثير من الفوائد من شراكاتها مع دول الخليج، وخاصة السعودية، ولدى البنتاجون العديد من القواعد العسكرية الرئيسية فى المنطقة. وستعمل واشنطن مع السعودية لضمان تدفق موارد الطاقة إلى الأسواق العالمية، وربما خفض أسعارها.    
      وتشير خبرة العقود الثمانية السابقة، أن الهزات العنيفة والأزمات الخطيرة التى واجهتها علاقات واشنطن بالرياض لم ينتج عنها توتر مادى ملوس فى العلاقات بينهما من ناحية. ومن ناحية أخرى، لم ترتبط الأزمات أو إدارتها بشخصية ملك سعودى أو تفضيلات رئيس أمريكى. ولم يؤثر موت ملك فى الرياض أو انتخاب رئيس جديد فى واشنطن فى استقرار هذه العلاقات.    
      ستضع زيارة بايدن للسعودية قواعد التأسيس الثالث لعلاقات الدولتين القائمة على معادلة المصالح المشتركة والمتبادلة للدولتين؛ الولايات المتحدة كونها القوة العظمى فى عالم اليوم، والمملكة السعودية باعتبارها قوة إقليمية لها ثقل كبير روحيا وماديا.     
       جاء التأسيس الأول للعلاقات مع بداية اهتمام واشنطن بالمملكة السعودية بسبب النفط، خاصة بعدما تسببت الحرب العالمية الثانية فى استهلاك كميات كبيرة من مخزونها النفطى. ومن ثم احتضنت قناة السويس اجتماعا تاريخيا فى شهر فبراير 1945 بين مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية كوينسى. وخلال اللقاء الذى امتد لخمس ساعات وضع الطرفان أُسس التحالف الاستراتيجى بين الدولتين أساسه نفط مقابل الحماية.    
      وظل التأسيس الأول حاكما لعلاقات الدولتين حتى وصول ترامب للحكم وتزامن ذلك بعد بداية رحلة صعود محمد بن سلمان.    
      وبدأت ملامح تأسيس ثانٍ للعلاقات من خلال انتقالها من علاقات استراتيجية خاصة إلى علاقات شبه شخصية تعتمد على الكيمياء الشخصية بين الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر مع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان. البداية كانت مع تلقى الرياض خبر فوز دونالد ترامب الرئاسة بسعادة وترحيب كبيرين، إذ رأت فى فوز ترامب، وانتقال موازين القوى داخل البيت الأبيض ومجلسى الكونجرس إلى الحزب الجمهورى فرصة لإعادة تقديم السعودية نفسها كحليف وضامن للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. وبعد رحيل ترامب، لم تعد علاقات الدولتين خاضعة لأى من مبادئ التأسيس الأول ولا التأسيس الثانى.    
       من هنا ستمثل زيارة بايدن التأسيس الثالث لعلاقات الرياض وواشنطن، وستكون هذه العلاقات أبعد ما تكون عن أشكال الشراكات الاستراتيجية أو التحالفات المتينة، وستعتمد بصورة كاملة على المصالح المتبادلة بين الطرفين.     
 
 
عن صحيفة الشروق 
محمد المنشاوي 
كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن
للتواصل مع الكاتب:
 
سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار