تركيا ودبلوماسيّة الزلازل الإنسانيّة أوّلاً

مقالات 10:15 10.02.2023
      أدّى زلزال "قهرمان مرش" التركي إلى انهيار الأبنية الضعيفة والقديمة والمغشوشة، لكنّ روح التضامن الإنساني الشامل انبعث من تحت الركام. وهذا قد يبدّل الكثير في منظومة العلاقات السياسية والأمنيّة بين دول المنطقة إذا ما نجحت في استخلاص الدروس والعبر.
      سيناريو "منظمة التضامن الإقليمي لمواجهة النكبات والكوارث الطبيعية" لا بدّ أن يكون بين أولويّات القيادات والخبراء والناشطين في المرحلة المقبلة وعلى رأس جدول أعمالهم.
      كنّا الأسبوع المنصرم في تركيا نفتح أيدينا، وعيوننا مشدودة نحو السماء، داعين أن يهطل المطر في موسم الشتاء الذي تحوّل إلى ربيع هدّد الموسم الزراعي وقلّص كمّيات المياه المحبوسة وراء السدود، فجاء المطر مصحوباً بعاصفة ثلجية أثلجت القلوب، ولم يكن زلزال جنوب تركيا في الحسبان. مشيئة الله فوق كلّ شيء:{إذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}(سورة الزلزلة، الآيات 1-5).
        سيناريو "منظمة التضامن الإقليمي لمواجهة النكبات والكوارث الطبيعية" لا بدّ أن يكون بين أولويّات القيادات والخبراء والناشطين في المرحلة المقبلة وعلى رأس جدول أعمالهم
     كانت تركيا تتحسّب لزلزال إسطنبول وضرورة الاستعداد للتعامل مع ارتداداته والسيناريوهات الميدانية والطبّية والخدمية الواجب تجهيزها لملاقاته، ففاجأها زلزال بازارجيك في قهرمان مراش بقوة 7.8 درجات باسطاً نفوذه على 10 مدن تركية جنوبية دفعة واحدة. هو الزلزال الثاني الذي تعيشه البلاد بهذا الحجم وهذه الخطورة منذ عقد، بعد زلزال إزميت في عام 1999 الذي خلّف 17 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى ودماراً هائلاً في منطقة مرمرة. لكن ما تحرّك ليل الأحد - الإثنين الماضي هو خطّ زلازل شرق الأناضول، الذي تقع عليه أكثر من مدينة وبلد في الشرق الأوسط، حسب علماء الجيولوجيا.
     أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو على الفور: "لقد وضعنا إنذاراً من المستوى الرابع"، وهو ما يعني فتح الأبواب أمام المساعدات الدولية. والهدف الأوّل هو إنقاذ المئات وربّما الآلاف من تحت الأنقاض في المناطق المتضرّرة، الذي يتطلّب دعم الفرق المتخصّصة والطواقم الطبية من الداخل والخارج. وهذا ما يجري الآن وسط العاصفة الثلجية الصقيعية التي تخفض الحرارة في بعض المناطق ليلاً إلى 10 درجات تحت الصفر. مناطق منكوبة وإعلان حداد وتنكيس أعلام لمدّة أسبوع كامل في تركيا، لكنّنا لا نعرف بعد حصيلة الزلزال وما يحمله لنا القدر في الساعات المقبلة. لقد رمت الجغرافيا التركيّة سكّانها في قلب الكارثة ووسط هذا الامتحان الصعب.
      في يوم 17 آب 1999 ضرب زلزال شديد بقوّة 7.6 درجات منطقة إزميت القريبة من إسطنبول، وتسبّب بكارثة بشرية واقتصادية واجتماعية ما زالت ارتداداتها قائمة حتى اليوم.
      عايشتُ تلك الفترة بكلّ تفاصيلها لأنّي كنت أعمل هناك يومذاك. ما بقي في الذاكرة هو الدعم الدولي الذي انهمر على تركيا من كلّ صوب، بدءاً بعمليات الإنقاذ ثمّ المخيمات وأماكن السكن المؤقّتة، وصولاً إلى مشاريع الإعمار الجديدة على مساحة بلغت آلاف الكيلومترات. تُركت الخلافات والنزاعات السياسية مع أنقرة جانباً. وكانت أثينا وتل أبيب وغيرهما بين المسارعين إلى التضامن مع الشعب التركي. فجر السادس من شباط الحالي تكرّر مشهد إزميت في مدن جنوب تركيا هذه المرّة. وكان الموقف الإقليمي والدولي على حاله كما حدث قبل 24 سنة: سارعت العواصم والمؤسّسات والمنظّمات الدولية إلى المشاركة في عمليّات الإنقاذ بلا تردّد أو حسابات ضيّقة.
     صحيح أنّ النقاشات السياسية ستتفاعل في الداخل التركي بعد تراجع ارتدادات الأزمة الإنسانية، خصوصاً أنّ البلاد ذاهبة إلى انتخابات مبكرة بعد 4 أشهر، إذا لم يتمّ تأجيلها.
     وصحيح أيضاً أنّ قوانين الإعمار والرخص الممنوحة لمئات الأبنية التي انهارت كالرقائق فوق رؤوس قاطنيها ستكون لها حصّة الأسد في السجال بين قوى الحكم والمعارضة. لكنّ الأولويّة، التي يدعمها ويشارك فيها المجتمع الدولي الآن، هي إخراج المنكوبين والمحاصَرين تحت الأنقاض، وتسهيل وصول المساعدات لحماية ألوف المدنيين في العراء، ونقل عشرات الآلاف من المناطق المتضرّرة إلى المدن المجاورة وفق خطّة تطلّبت إعلان حالة الطوارىء في هذه المناطق لمدّة 3 أشهر مقبلة.
     قرّبت حرائق إسرائيل واليونان في السنوات الماضية بين أنقرة والبلدين. كان زلزال مرمرة وحرائق الغابات التركية أيضاً وسيلة أخرى للالتفاف على الخلافات. طغى العامل الإنساني وتقدّم أكثر من مرّة، ودفع هذه العواصم إلى وضع كلّ نزاعاتها ومشاكلها الثنائية والإقليمية جانباً. الخيار محدّد وأحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني والأخلاقي تُلزم الجميع بذلك، وهذا ما جرى.
     تقدِّم عدّة عواصم عربية وإسلامية في هذه الآونة نموذجاً مثاليّاً ستكون له بصمات راسخة في عقول وقلوب الشعبين التركي والسوري على السواء، متجاوزةً السياسة والحسابات الضيّقة. فما الذي يدفع القاهرة والدوحة والكويت والرياض وأبو ظبي إلى أن تكون السبّاقة في تحريك الطائرات التي تنقل فرق الإنقاذ والأطبّاء سوى استشعار ضرورة الوقوف إلى جانب ألوف من ينتظرون المساهمة في إخراجهم من تحت الركام ومساعدتهم ورعايتهم؟
     هل تفتح مثل هذه المبادرات الطريق أمام تواصل سياسي ودبلوماسي وتعاون اقتصادي أوسع؟ وحتى لو لم تصمد مثل هذه الأحلام، فإنّها ستكون وسيلة لتجميد الخلافات وأسباب التباعد. تغادر القيادات السياسية مناصبها وتتبدّل المواقف والقرارات في العلاقات بين الدول. لكن الذي يبقى راسخاً ومؤثّراً هو العلاقات بين الشعوب. وهذا ما رأيناه في مدينة إزميت وجوارها بعد عام 1999. وإلّا فما معنى تعليق لوحات تقول: هديّة من الشعب السعودي أو العراقي أو الكويتي أو الليبي على مباني جامعات ومستشفيات وجوامع شُيّدت هناك؟
     العبارة التي سمعناها ألوف المرّات في الساعات الأخيرة في مناطق الزلزال من العالقين تحت الأنقاض، هي: هل هناك من يسمعني. أمّا رسائل التضامن السياسي التي تابعناها ووصلت بتوقيتها الدقيق، فكانت غالبيّتها تحمل عبارة: "نيابة عن شعبي وباسمي الشخصي، أقدّم خالص التعازي عن الخسائر في الأرواح التي وقعت، وأكرّر تضامننا واستعدادنا لتقديم المساعدة الإضافية اللازمة.
     يعيش الداخل التركي حالة استثنائية اليوم. من سيقف إلى جانبه وهو يحاول الخروج من هذه المحنة فسيكسب الشعب التركي. وهذا ما دفع العشرات من العواصم الغربية إلى التسابق إلى مدّ يد العون.
     أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالاً عاجلاً بنظيره التركي مولود شاووش أوغلو، فيما كانت المساعدات والفرق الطبّية المصرية في الطريق إلى تركيا. ينطبق هذا على الإمارات والسعودية وقطر والجزائر وغيرها من الدول العربية والإسلامية والغربية.
     تحرَّك المئات من المواطنين العرب الذين يعيشون في المدن التركية لتنظيم أنفسهم وتشكيل لجان دعم ومساندة وتنظيم حملات تبرّع بالدم والتوجّه إلى المناطق المنكوبة في تركيا وسوريا للمساعدة. إنّه الردّ الأقوى على أصوات بعض المتشدّدين التي سمعناها في الآونة الأخيرة تتناول ملفّ اللجوء والوجود الأجنبي في تركيا.
     تتدفّق المساعدات الإغاثية والطبّية وتُرسَل مستشفيات ميدانية وخيم ومستلزمات شتوية إلى تركيا من كلّ صوب عبر جسور جوّية. حتى وزير البيئة اللبناني أعلن أنّ بلاده سترسل فريق إنقاذ مؤلّفاً من 72 شخصاً من الجيش والدفاع المدني والإطفاء إلى تركيا للمساعدة في جهود الإنقاذ الجارية. نعم يبادر لبنان المنكوب على الرغم من ظروفه الصعبة.
     تركيا الآن على قلب واحد. لكنّ قلوب شعوب المنطقة وقياداتها إلى جانبها أيضاً. وهذا سيكون سبباً إضافياً لتسريع عمليات الإنقاذ وإخراج من هم تحت الركام وتضميد الجراح في تركيا.
 
 
د. سمير صالحة 
عن موقع أساس ميديا 
 
سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار