طاجيكستان موطن نوروز! لقد اشتهر الطاجيك باحتفالاتهم المبهجة والرائعة في جميع أنحاء العالم. عيد النوروز هو من أقدم الأعياد الطاجيكية التي أذهلت شعوب العالم بجمالها ونضارتها. يتم الاحتفال بعيد النوروز كل عام مع قدوم الربيع في أحضان الطبيعة الجميلة. لقد جاء النوروز كرمز لخلق الحياة و بداية جديدة للحياة منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا. يحتفل الطاجيك بأعيادهم الوطنية بروعة خاصة. لأن هذه المهرجانات تشكل نصب تذكاري لأجداد الشعب الطاجيكي، وقد أبقاهم القدامى على قيد الحياة في تقلبات التاريخ.
للاحتفال بعيد النوروز تاريخ طويل، فهو ينبع من أعماق العصور. سجل أجدادنا هذه العطلة من جيل إلى جيل، مرحلة تلو الأخرى، أولاً شفهيًا ثم بالفهم الداخلي والفكري، ثم بظهور الخط في أعمالهم، ووزعه حتى يومنا هذا. إذا نظرنا إلى عمق التاريخ، فإن الفرس، والبكترتيين، والباختريين، والصغديين والخوارزميين أقاموا أعيادا واحتفالات في 12 شهرا من العام، واحتفلوا بها بسمات خاصة. قسم هؤلاء السنة إلى أربعة مواسم، وفي كل الفصول الأربعة كانت لهم أعياد خاصة والذي كان نوروز- بداية الربيع، وتيرجان- بداية الصيف، ومهرجان- بداية الخريف، وسَدَه- ما يقرب من مائة يوم قبل ظهور نوروز. كان يتم احتفال بكل عيد من هذه الأعياد بميزات خاصة.
يقول عمر الخيام في كتابه "نوروزنامة" "رسالة النوروز": ومع ذلك، فإن سبب إنشاء النوروز هو أنهم عرفوا أن للشمس دورتين. إحداهما كل ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربعاً من الليل إلى الدقيقة الأولى من الحمل، لا يمكن لهذه الدقيقة أن تعود إلى نفس الوقت واليوم الذي مضى فيه في السنة القادمة. كل عام، سينخفض الوقت وعندما وجد جمشيد ذلك اليوم، أطلق عليه اسم "نوروز" (نوروز، يوم جديد) واحتفل به، واتبعه الملوك والناس بعده.
كان جمشيد أول وأعظم ملوك بيشداديين، والذي نال الآريون السعادة خلال فترة حكمه. وفقًا للأساطير، فقد أحضرت القبائل الآرية من المنطقة الباردة إلى المنطقة الدافئة وأنقذهم من الموت. كما ظهر من بحوث العملات المعدنية من عصر كوشان، والتي درسها العلماء الغربيون اليوم، فإن صورة جمشيد مرسومة على ظهر العملات المعدنية لملك كوشان هُوِيشكو "نهاية القرن الرابع الميلادي". ويجب القول بأن الكوشان كان لديهم احترام خاص لجمشيد وأضيف اسمه إلى أسماء ملوك وأباطرة كوشان على شكل "ويما كادفيز"، "ويما تاكتو، "ويما كانيشكا". ويما(Vima) هو نفس الشكل القديم والأصلي لاسم جمشيد (Jamshed)، والذي يوجد أيضًا في شكل ييما (Yimo).
كما يتضح من الأساطير القديمة وخاصة "الشاهنامه" للفردوسي، حكم أول ملوك بيشداد وكياني في بلخ القديمة أو بكتريا القديمة. بعبارة أخرى، يمكن القول إن بلخ هي أحد المراكز الرئيسية لتوسع الثقافة والحضارة، وربما أقيمت عطلة نوروز رسمياً هنا في بلخ، لأنها كانت مقر الملوك السابقين، بما في ذلك جمشيد. بلخ بومي، التي ورد ذكرها أيضًا في الأساطير باسم "أم المدن" ومنطقة "هزار شهر" (ألف مدينة)، سُجلت في جميع الأساطير القديمة.
تم تحديد يوم عيد النوروز ويومه المحدد، والذي يتم الاحتفال به عادةً في 21 مارس، من خلال يوم تقويم السنة الشمسية، والذي يتغير بالأيام والساعات وحتى الأشهر والسنوات. لذلك كان يجمع كل ملك أو امبراطور عظيم يجمع العلماءَ والحكماءَ والمنجمين في أوقات محددة، ووفقًا لأبحاثهم ومراجعاتهم، فقد عَينَ الساعات والدقائق والسنوات وفقًا للتقويم الفلكي.
في بداية عيد النوروز، كان يُتَحتَفَلُ به لمدة 30 يوماً، أي شهر كامل، وبدأت الاستعدادات له قبل 15-25 يوماً من عيد النوروز. بادئ ذي بدء، كان يتم يوم غرس براعم سوماناك (يصنع سوماناك أو سومالاك من عصير شعير)، حيث يُنقع القمح ويترك لينبت، وهذا العمل كان قبل خمسة وعشرين يوماً من عطلة نوروز. وبعد ذلك، في وقت لاحق تم تنظيم فترة الاحتفال بالنوروز.
خلال حكم فترة الساسانيين، أقيمت لمدة ستة أيام. كان أحد هذه الأيام، الموافق ليوم اسفندارموز (Isfandormuz)، يعتبر يوماً للمرأة. كما نرى، في الثقافة القديمة للطاجيكية، كان يحتفل عيد الأم والتي كانت لها مكانة خاصة. كتب أبو ريحان البيروني في "آثار الباقية": "اسفندارموزماه (شهر اسفندارموز)، اليوم الخامس من ذلك الشهر كان "يوم اسفندارموز". ينزل في ذلك اليوم مَلَك مُسَلط على الأرض وهو أيضاً مفوض للنساء الصالحات الصادقات والعفيفات واللاتي يحببن أزواجهن والخيرات.
وكان في الماضي يحتفل بهذا اليوم كعطلة نسائية في هذ الشهر. وكان الرجال يقدمون الهدايا للنساء في هذا العيد. ولا تزال هذه اللوحة موجودة في أصفهان وري ودول البهلاء (بورت-Port) الأخرى. وفي الفارسية يسمونها "المبشرين".
استمر الاحتفال بعيد النوروز بروعة جديدة في عهد السامانيين، وهو ما ذكره كثير من العلماء في المصادر الأدبية والتاريخية. وقد تحدث شعراء عظماء مثل الأستاذ أبو عبد الله رودكي وحكيم أبو القاسم الفردوسي وعمر الخيام وأبو ريحان البيروني وآخرون بحب عن النوروز وأشادوا بجمال الربيع والنوروز. احتفال النيروز القديم، الذي يحمل هوية وشخصية وطنية، هو رمز للتواصل بين الأجيال والشعوب. نعتبر النوروز بداية لإحياء الطبيعة، وتاريخ نمو وتكاثر النباتات، ونعتقد أنه إلى جانب الطبيعة، يجب أن نبدأ حقبة جديدة بروح جديدة ونرتدي ملابس جديدة.
وقد قال رئيس جمهورية طاجيكستان، إمام علي رحمان، فيما يتعلق بهذا الموضوع: "النوروز بداية العام، وبداية حياة جديدة، وبداية الآمال والأحلام والسعادة، وهي تقدم على عتبة كل بيت كنذير الفرح والسعادة وإحياء الأرض والطبيعة. مع حلول فصل الربيع، يجلب نوروز النور والحكمة لمنازلنا، ويوقظ أنقى المشاعر وأعلى الآمال والأحلام في قلوبنا. وبأنفاسه المباركة يزيل العداوة والبغضاء عن ضميرنا، ويثير المحبة الأخوية والرحمة واللطف والكرم في قلوب كل منا".
في 19 فبراير عام 2010م، بمبادرة من رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان، تم قبول عيد النوروز كعطلة دولية وتم إدراجها في قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو. أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارا بشأن إعلان نوروز عجم عطلة دولية.
أخيرًا، يمكن التأكيد على أن دور وجهود رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان، في تدويل نوروز عجم لم يقصر إلى عرض تقاليد الأمة الطاجيكية القديمة إلى العالم فقط، ولكنه بهذه الأداة وعلى أساس وجهات نظر مختلفة، قدم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الثقافة والأمن والسياسة الاقتصاد، ووحدة دول المنطقة والعالم أيضاً. إن السياسة السلمية والعقلانية لرئيس جمهورية طاجيكستان، إمام علي رحمن، جعلت البشرية جمعاء تتفهم بعمق فضيلة نوروز الرئيسية، وهي الإنسانية وتقوية الصداقة والتعاطف، واعتبارها جزءاً من ثقافتهم، حيث يحتفل به كل عام بروعة، مع مراعاة عادات نوروز.
أدينه أحمد سعيدوف
أستاذ بجامعة طاجيكستان القومية
ترجمة: محمود جان لطيفي.