منحت معاهدة جولستان الموقعة عام 1813، واتفاقية توركمانتشاى الموقعة عام 1828، بين الإمبراطورية الفارسية وروسيا القيصرية، الأساس القانوني لتقسيم الأمة الآذربيجانية وتقسيم أراضيها التاريخية. واستلهاما لفكرة إنشاء أرمينيا العظمى، بدأ الأرمن فى تطبيق علنى، وعلى نطاق واسع لأعمالهم العدوانية ضد الأمة الآذربيجانية خلال الفترة من عام 1905 حتي عام 1907. وبدأ الأرمن في ممارسة أعمالهم الوحشية فى باكو. وتوسعت تلك الأعمال العدوانية عبر بقية أراضى أذربيجان فى الأراضى الأرمينية الحالية. حيث تم تدمير مئات القرى وتسويتها بالأرض، وقتل الألاف من الأذربيجانيين بوحشية شديدة، وكان منظمو هذه الأعمال الوحشية يهدفون إلى خلق صورة سلبية وغير صحيحة عن الشعب الآذربىجاني لإخفاء الحقيقة ومنع وضع تلك الأحداث فى التقييم القانونى والأخلاقى والسياسى على نحو صحيح.
أظهر الأرمن أنفسهم خلال تلك الأحداث كمؤيدين للثورة البلشفية الروسية، واستغلوا ذلك كغطاء في تطبيق مخططهم في التطهير العرقي والتخلص من سكان أذربيجان في المقاطعات المختلفة، والتي بدأوها من بلدية العاصمة باكو بحجة محاربة العناصر المناوئة للثورة.
أصدر استيفان شاوميان أوامره لعناصر حزبه التي تضم الأرمن والروس بالهجوم على الأذربيجانيين في 31 مارس 1918، في أعمال عنف همجية بهدف التقل والترويع، واستمرت تلك الأعمال ثلاثة أيام، راح ضحيتها في مدينة باكو وحدها 17 ألف قتيل، ودمر الأرمن المنازل الآهلة بسكانها، وأحرقوا السكان أحياء، وتحولت معظم مدينة باكو إلى أطلال بمعالمها المعمارية القومية والمدارس والمستشفيات، كما دُمر العديد من الآثار الأخرى، وامتدت تلك الأعمال الوحشية إلي باقي المدن "شاماخي، كوردمير، لنكران، ساليان، قوبا"، ليصل عدد القتلى إلى ما يقرب من 28 ألف قتيل، كما جاوز عدد القتلى الأذربيجانيين في محافظة يريفان 130 ألف شخص.
تحيي جمهورية أذربيجان في 31 مارس من كل عام ذكرى "المذابح الأرمينية للأذربيجانيين"، أو ما يطلق عليه " مذبحة الأيام الثلاثة "، التي ارتكبها الأرمن بحق شعب أذربيجان، حيث كان للأرمن ولا زال لديهم مخططهم المسبق وأجندتهم الخاصة للقضاء على شعب أذربيجان، لذلك حاولت أرمينيا الاستفادة القصوى من أحداث الحرب العالمية الأولي في ذلك الوقت، والثورات الروسية التي اندلعت في فبراير وأكتوبر 1917 ، لتنفيذ أجندتها.
بعد تأسيس جمهورية أذربيجان الديمقراطية، تم منح أحداث مارس 1918 اهتماماً كبيراً نظراً لما تشكله هذه الأحداث من مأساة تاريخية لشعب أذربيجان، فأصدر مجلس الوزراء قراراً فى 15 يوليو 1918 بإنشاء لجنة خاصة لبحث وتقصى تلك الأحداث المأساوية، وقامت اللجنة بالتحقيق في أحداث المرحلة الأولى من الإبادة الجماعية التى حدثت فى مارس، والأعمال الوحشية فى شاماخى، وفى إقليم يريفان، وأُسست إدارة خاصة تابعة لوزارة الشئون الخارجية، وذلك حتى يتعرف شعب أذربيجان والمجتمع الدولي على حقائق هذه الأحداث المريرة في تاريخ أذربيجان.
أعلنت جمهورية أذربيجان الديمقراطية اعتبار الحادي والثلاثين من مارس كل عام يوم حداد وطنى فى البلاد، وتم تطبيق ذلك الحداد مرتين، فى عامي 1919، 1920. وقد شكل ذلك أول محاولة فى التاريخ لمنح أحداث الإبادة الجماعية، وكذلك منح العمليات العدوانية التى استمرت لأكثر من قرن من الزمان ضد شعب أذربيجان تقييماً واهتماماً علي المستوي السياسي. ولكن انهيار جمهورية أذربيجان الديمقراطية بعد ثلاثة وعشرون شهراً من تأسيسها لم يسمح بإستكمال هذه العملية. قرر الزعيم القومي الأذربيجاني حيدر علييف بعد 80 عاماً فى 26 مارس 1998 بإعلان يوم 31 مارس، يوم الإبادة الجماعية للأذربيجانيين علي مستوي الدولة، احياءًا لذكرى جميع الأحداث المأساوية التي ارتكبت بحق شعب أذربيجان. وفي 30 ديسمبر 2009، أصدر رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف، مرسوماً رئاسياً حول إنشاء المجمّع التذكاري للإبادة الجماعية في مدينة قوبا، فى جمهورية أذربيجان.
عمل القوميون الأرمن منذ أوائل القرن العشرين علي طرد الأذربيجانيين من ديارهم الأصلية وفق مخطط تم وضعه من قبل، وبالتالي تصفيتهم من خلال الإبادة الجماعية. حيث ارتكب الأرمن خلال عامي 1905-1906 مجازر ضد السكان الاذربيجانيين المسالمين وقتلوهم بلا هوادة وأحرقوا ودمروا المدن والقرى في باكو وكنجه وقراباغ وإيروان وناخيتشيوان وتفليس وزانجازور وقازاخ وغيرها من المناطق. دمّرت الوحدات المسلحة الأرمينية وخرّبت أكثر من 200 منطقة سكنية أذربيجانية في أقضية شوشا وزانجازور وجبرائل، وفي مقاطعتي إيروان وكنجه مما أدى إلى تشريد وتهجير عشرات الآلاف من ديارهم الأصلية. فقد قتل الأرمن أكثر من 200 ألف أذربيجاني من الأطفال والنساء والمسنون، لإفساح الطريق أمام بناء “دولة أرمينيا الكبرى” الموعودة لهم من قبل روسيا القيصرية في تلك الأراضي. واستأنف الأرمن المدعومون من قبل القيصرية إبادة الأذربيجانيين إبان سنوات الحرب العالمية الأولى.
عملت أرمينيا علي تحويل مناطق شمال القوقاز إلي جمهوريات سوفيتية، وأعلنوا منطقة زانجازور التابعة لجمهورية أذربيجان، منطقة أرمينية، بضمها إلى جمهورية أرمينيا السوفيتية الاشتراكية عام 1920، وخلال الفترة من عام 1948 حتي عام 1953، تواصلت عمليات الترحيل الجماعي لسكان أذربيجان من مواطنهم، حيث كانت عمليات الترحيل تلك تتم بموجب قرار صدر في 23 ديسمبر 1947 من قبل مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي تحت اسم "القرار الخاص بشأن التهجير الجماعي للفلاحين والسكان الأذربيجانيين من جمهورية أرمينيا السوفيتية الاشتراكية إلى سهل "كورا- أراز" التابع لجمهورية أذربيجان السوفيتية الاشتراكية، حيث تم بموجب هذا القرار ترحيل ما يزيد عن مائة وخمسين ألف أذربيجاني بالقوة القسرية خارج أرمينيا، وحرمانهم من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم.
تروج أرمينيا دائماً في كل المحافل الدولية لما تدعيه دون سند قانوني، أو حقيقة علمية ما تطلق عليه "الإبادة التركية للأرمن عام 1915"، وتناست أرمينيا ما اقترفته من أعمال وحشية تتطابق تماماً مع التوصيف الدولي للإبادة الجماعية، فهناك أعمال كثيرة ترتقي إلي تصنيفها "إبادة جماعية" ضد الآذربيجانيين ظلت لسنوات لم تأخذ حقها من العدالة القانونية لتجزئة وتفتيت الأمة الآذربيجانية وتقسيم أراضيها التاريخية، واحتلال أراضىها، مما ساعد على استمرار المأساة الوطنية لشعب أذربيجان، وأصبح الاحتلال الأرمينى للأراضى الأذربيجانية جزءا لا يتجزأ من الإبادة الجماعية للشعب الآذربيجاني.
أحمد عبده طرابيك
باحث في شئون آسيا والعالم التركي