لقد تجدد الحديث مرة أخرى عن أزمة إقليم قراباغ التابع لجمهورية أذربيجان بعد تصاعد العمليات العسكرية بين الجانبين الآذري والأرمني خاصة في ظل عدم جدية المجتمع الدولي في حل هذه الأزمة الممتدة بين الجانبين وغياب وجود حل عادل يعيد الإقليم للأراضي الأذربيجانية، حيث يقع الإقليم بين القوقاز الصغرى ونهري كور وأراز، وتصل مساحته إلى 4500 كيلو متر مربع، ويبعد عن العاصمة الآذرية باكو 270 كيلو متر تقريباً إلى الغرب، وهو إحدى المقاطعات الأذربيجانية التي كان يقطنها الأتراك الأذربيجانيون.
وتعود جذور النزاع في إقليم قراباغ إلى أكثر من مائتي عام، حيث قامت روسيا القيصرية أثناء حربها مع إيران بتوطين عدد كبير من أرمن إيران في مناطق متعددة من هذه المنطقة، منها إقليم قراباغ التابع لأذربيجان، ولقد دعمت الدول الكبرى آنذاك مشروع " تقرير مصير الشعب الأرمني"، لقيام الإمبراطورية الأرمينية على حساب الأراضي التركية والأذربيجانية حفاظًا على مصالحها. وفي عام 1983 عقد المؤتمر الأرميني العالمي الثاني في لوزان، ودارت المناقشات فيه حول ضم إقليم قراباغ فعلياً للدولة الأرمينية، بينما صدر قرار من المؤتمر الثالث المنعقد في سيفر عام 1985 بضم المناطق التي يعيش فيها السكان الأرمن حتى في أذربيجان لأرمينيا، بينما أكد رجال الكنيسة الأرمينية على ملكية أرمينيا لإقليم قراباغ.
وكان ذلك بداية المناوشات المسلحة للاستيلاء على إقليم قراباغ، حيث تم تشكيل جماعات مسلحة بهدف طرد السكان الأذربيجانيين من الإقليم من خلال عمليات القتل والترويع، وشكلت هذه المنظمات "منظمات كفاح قراباغ، لجنةقراباغ، وفي عام 1988 أعلنت أرمينيا إلحاق قراباغ إليها مستغلة الانحياز السوفيتي الكامل إليها، مقابل الضغط على أذربيجان.
وفي 26 فبراير 1992 قامت القوات المسلحة الأرمينية بعمليات إبادة جماعية لسكان قرية خوجالي، حيث قتل 613 شخصاً، منهم 106 من النساء، 63 طفلًا، و70 شيخاً، واعتقل 1275 كرهائن، وظل مصير 150 شخصاً مجهولاً حتى الآن، فضلًا عن تشويه 487 من سكان القرية، منهم 76 طفلًا، وأبيد 6 عائلات بشكل كامل بينما استولت في مايو 1992 على مدينتين من أهم المدن الاستراتيجية الأذرية وهما "شوشا" و "لاتشين"، وأصبح إقليم قراباغ كله تحت السيطرة الأرمينية.
ولقد أعربت الأمم المتحدة عن عدم عدالة الحرب التي تشنها أرمينيا ضد أذربيجان التي انتُهكت سيادتها وحدودها، واحتُلت أراضيها، في حين طالب مجلس الأمن القوات الأرمينية بالانسحاب الفوري وغير المشروط من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، وأصدر بشأن ذلك أربع قرارات عام 1993، تدعو فيها أرمينيا إلي الانسحاب الكامل ودون قيد أو شرط من أراضي أذربيجان التي احتلتها، وتحمل هذه القرارات أرقام " 822 في 30 أبريل، ورقم 853 في 29 يوليو، ورقم 874 في 14 أكتوبر، ورقم 884 في 12 نوفمبر"، إلا أن أرمينيا استمرت في انتهاك القوانين الدولية، لعدم وجود قوى كبرى تضغط عليها لتنفيذ القرارات، مستفيدة من اللوبي الأرميني القوي في الولايات المتحدة وفرنسا، في حين يتلخص موقف الولايات المتحدة تجاه النزاع في إقليم قراباغ بشكل عام منذ تسعينات القرن الماضى وحتى اليوم في السعي للوصول إلى حل سلمي للنزاع، عن طريق دخول أذربيجان وأرمينيا في مفاوضات من خلال لجنة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي تضم الولايات المتحدة بجانب روسيا وفرنسا. ومع ذلك تختلف السياسات الأمريكية تجاه الأزمة في قراباغ من فترة لأخرى وفقًا لمصالحها في القوقاز، ورؤية السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية تجاه أذربيجان.
تتراوح ما بين التحيز شبه الكامل لصالح أرمينيا تحت ضغوط اللوبي الأرميني، أو تبني مواقف وسياسات متوازنة تجاه الطرفين. وهو ما يمثل غياب العدالة الدولية تجاه هذه القضية التي تقتضي اعادة كامل الإقليم للجمهورية الأذربيجانية دون قيد أو شرط من قبل أرمينيا التي احتلت الإقليم مما يمثل تهديدا للسلم والأمن في منطقة القوقاز. طال انتظار أذربيجان لأكثر من سبعة وعشرين عاماً في انتظار حل سلمي للصراع في قراباغ، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وانسحاب أرمينيا من أراضيها المحتلة وعودة المهجرين الأذربيجانيين الذين يزيد عددهم عن مليون لاجئ في مختلف أنحاء أذربيجان.
ولم تجد أذربيجان بد إلا أن تقوم بتنفيذ قرارات مجلس الأمن بنفسها وتحرير أراضيها واستعادة كرامتها الوطنية، وهو ما تحقق في 27 سبتمبر 2020، عندما قامت بالرد علي الاستفزازات الأرمينية وشن حرب كبري علي قوات الاحتلال الأرمني في حرب استمرت 44 يوماً، استطاعت خلالها تحرير أراضيها وتنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تقضي بانسحاب أرمينيا من قراباغ بعد صمت طويل للمجتمع الدولي علي جرائم أرمينيا. تسعي أذربيجان إلي احلال السلام والاستقرار في منطقة القوقاز، ووأن تقوم دول المنطقة بتوجيه مواردها وطاقاتها إلي البناء والتنمية بدلاً من الصراعات، ولذلك تبذل جهودها لترسيم حدودها مع أرمينيا وتوقيع اتفاقية سلام دائم معها، وطرح عدد من المشروعات الإقليمية العملاقة التي من شأنها أن تغير معادلات التنمية في منطقة القوقاز بشكل خاصة، وفي المنطقة الأوراسية بشكل عام.
أميرة عبد الحكيم
كاتبة وباحثة عضو لجنة المحافظات بالمجلس القومي للمرأة في البرلمان المصري