في خضم التحولات التي شهدتها المنطقة العربية والكثير من الدول الإسلامية، وتأثيراتها التي طالت كافة نواحي الحياة في العالم العربي والإسلامي برزت إشكالية التأثيرات السلبية علي الأطفال، خاصة في الدول التي شهدت أحداثاً وصراعات عسكرية مسلحة وانسداد أفق سياسي تبعهما بالطبع انهيار اقتصادي واجتماعي، ألقت بظلالها على الاستقرار المجتمعي وكذلك التوازن النفسي للأجيال القادمة، مما دفع ببعض الدراسات للحديث عن تشويه المستقبل لدى عينات كبيرة من الأجيال القادمة في العديد من الدول العربية والإسلامية التي شهدت ومازالت تعيش في مثل هذه الصراعات.
إذا بدأنا بالنظر تجاه قضيتنا الأم في العالم العربي والإسلامي، ألا وهى القضية الفلسطينية، نجد أن التأثيرات السلبية كانت بارزة منذ النكبة عام 1948، حيث سقط آلاف من الأطفال في كافة بقاع الأراضي الفلسطينية العزيزة وخارجها جراء الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة والمتكررة والإفراط في استخدام العنف بلا مبرر أو سند قانوني، ويبدو سجل إسرائيل حافلاً بكل أسف بمثل هذه الأعمال العنيفة ضد الأطفال الفلسطينيين بداية من مجازر عام 1948، مروراً بمذابح قانا، وصابرا وشاتيلا، ومدرسة بحر البقر، وصولا للطفل محمد الدرة وغيرهم الكثير مما يستدعي التدقيق في مسألة المردود السلبي لتلك الأفعال تجاه جيل الأطفال في فلسطين ومدى قابليتهم لهذه الأعمال المسلحة والعنيفة في وقت تنادي فيه المنظمات الدولية بحقوق الطفل وتنشئته السوية، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه في الحالة الفلسطينية الحالية، خاصة مع قدوم الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمنية الأشد تطرفاً والتي تبطش بأدواتها العسكرية وتقتل أحلام وبراءة أطفالنا في كل ربوع فلسطين الحبيبة.
وعلى الجانب العربي الآخر نجد أن دولا عربية أخرى عقب عام 2011، والتي شهدت تحولات سياسية ومجتمعية وعسكرية كان لها تأثير كبير أيضاً على الجانب الأسري والتماسك المجتمعي، فنجد أن الحالة السورية خير دليل على هذا الطرح، حيث عانت الأسر السورية وأطفالها من جراء تلك الصراعات المسلحة مما استدعى انتقال نصف السوريين خارج وطنهم، وهو أمر أدى لمزيد من القهر الاجتماعي للأطفال وتشردهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم المشروعة في الحياة المستقرة داخل الوطن، ناهيك عن مسألة تلبية الحاجات الأساسية للطفل، ولم يختلف الأمر فيما يتعلق بالحالة اليمنية حيث شهدت هي الأخرى أعمال عنف من قبل جماعة الحوثيين مما جعل أطفال اليمن في مهب الصراعات وأفواه البنادق.
كما أن الجروح الغارة التي تسببت فيها الصراعات في كل من أفغانستان والصومال والعراق، والتي مازالت المجتمعات في تلك الدول وفي القلب منها الأطفال يعانون من التدهور الاقتصادي والأمني والسياسي التي تعيشها تلك الدول، وللأسف فإن هذه الأحداث التي شهدتها هذه الدول صنعتها أو شاركت في صنعها الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تلك الدول التي تتباهي دائماً بأنها الراعية والحريصة علي حقوق الإنسان وفي مقدمتها حقوق الأطفال، الأمر الذي يظهر ازدواجية كبير في المعايير بين الأطفال في الدول العربية والإسلامية وبين الأطفال في الدول الغربية.
يضاف إلي تلك هذه المآسي التي يعاني منها الأطفال في الدول العربية والإسلامية آلام الأمهات التي فقدت أحد أبنائها جراء انفجارات الألغام التي خلفتها الحروب والصراعات، وما زالت جروحها لم تندمل، فالألغام الأرضية التي توصف بأنها "القاتل الصامت" ما زالت تقتل وتصيب العشرات بل والمئات يومياً دون تفرقة بين رجل أو امرأة أو طفل كما يحدث الآن في الكثير من الدول العربية والإسلامية في أفغانستان وأذربيجان واليمن وليبيا والصومال وسوريا وغيرها، حيث تقتل هذه الألغام وتصيب دون سابق انذار، وتترك ضحاياها يعانون طوال حياتهم، ويجني الأطفال ويلات ذلك "القاتل الصامت".
جملة القول، كيف يمكن أن يصبح الطفل في عالمنا العربي والإسلامي مواطناً صالحاً سليماً قادراً على البناء والابتكار والإبداع وسط أصوات المدافع وتفجيرات القنابل التي تحيط به من كل جانب، وهو ما يستدعي إسكات المدافع وإعلاء صوت العقل والبناء بعيداً عن معاول الهدم العسكري والصراعات على السلطة والتي كان ضحيتها الأولي أطفال لا جريمة لهم سوى أنهم ولدوا داخل أوطان يتصارع رجالها ويتمزق أطفالها نفسياً ومجتمعياً وفكرياً.
أميرة عبد الحكيم
كاتبة وباحثة عضو لجنة المحافظات بالمجلس القومي للمرأة في البرلمان المصري