أوبنهايمر.. وجدل الأخلاق من جديد

مقالات 14:00 28.07.2023
أعاد عرض فيلم «أوبنهايمر» قضية الأمن النووى، وجدوى إنتاج وامتلاك، واستخدام أسلحة الدمار الشامل إلى صدارة النقاش السياسى والفكرى فى العديد من الدوائر الأمريكية
 
الفيلم الذى يُعرض على مدار ثلاث ساعات كاملة، يأخذ المشاهد بين سراديب مشروع مانهاتن لصناعة أول قنبلة نووية فى التاريخ البشرى إبان الحرب العالمية الثانية. وكما هو الحال مع العديد من جوانب قرارات السياسة الخارجية والأزمات الدولية خاصة ما يتعلق بقرار الحرب أو استخدام سلاح فتاك للمرة الأولى، يتعرض الفيلم لكيفية تأثير الشخصيات والتاريخ والثقافة السياسية على عملية صنع القرار النووى.
 
وكانت «أخلاقية استخدام السلاح النووى» من أهم القضايا الخلافية التى يتجدد الجدل حولها مع كل ذكرى أو مناسبة ترتبط باستخدام الولايات المتحدة للسلاح النووى. ويرى فريق من المفكرين أن استخدام القنبلتين النوويتين فى ضرب مدينتى هيروشيما ونجازاكى، هو ما وضع نهاية للحرب العالمية الثانية فى مسرحها الآسيوى، وهو ما منع من استخدامها بعد ذلك فى أى صراع أو نزاع، حتى لو كانت أطرافه تمتلك القنابل النووية، وهو ما حدث مع الاتحاد السوفييتى فى أفغانستان، وروسيا فى أوكرانيا، وقبلهما الولايات المتحدة فى فيتنام والعراق. كما يؤمن هذا الفريق أن لجوء واشنطن لاستخدام السلاح النووى ساهم فى خلق حالة من السلام غير المسبوق بين الدول الكبرى، ومنع وقوع حروب عالمية ينتج عنها وفاة عشرات الملايين كما حدث فى الحربين العالميتين التى عرفتهما البشرية فى النصف الأول من القرن العشرين.
 
قبل أشهر جدد تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من أن العالم على بعد «خطوة واحدة غير محسوبة» قد تؤدى إلى «الإبادة النووية»، إلى مخاوف غير مسبوقة، وسط تصاعد حدة أزمات أبرزها أوكرانيا وتايوان، وهى أزمات يملك أطرافها آلاف الأسلحة النووية.
 
وقال جوتيريش فى مستهل مؤتمر للدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، «حالفنا الحظ بشكل استثنائى حتى الآن. لكن الحظ ليس استراتيجية ولا يقى من التوترات الجيوسياسية التى قد تتفاقم إلى حد نزاع نووى». وحذر الأمين العام من تزايد مخاطر الانتشار النووى، وأكد أن العالم بحاجة إلى معاهدة عدم انتشار السلاح النووى الآن أكثر من أى وقت مضى. من جانبه، عبر الرئيس الأمريكى جو بايدن عن استعداده للتوصل لاتفاق جديد لنزع الأسلحة النووية مع روسيا، ودعا موسكو إلى التصرف بحسن نية، بينما قال نظيره الروسى فلاديمير بوتين إنه لا يمكن أن يكون هناك فائزون فى أى حرب نووية.
وبالفعل لن يكون هناك أى فائز فى أى حرب نووية بين الدول الكبرى المالكة لهذه الأسلحة، وربما لهذا السبب لم تندلع، وربما لن تندلع، حربا بالمعنى الشامل بين هذه الدول النووية.
 
نعم دفعت اليابان وحدها الثمن من أجل أن تنعم البشرية بعصور لم يلجأ فيها أحد للسلاح النووى بسبب نظريات الردع وإمكانية التدمير المتبادل والمؤكد (قدرة إطلاق الضربة الأولى أو الضربة الانتقامية) ومن ثم تبنى مبادرات منع الانتشار النووى على نطاق واسع.
من هنا نجح فيلم «أوبنهايمر» فى تذكير المشاهدين حول العالم بالعواقب المدمرة التى أعقبت أبحاث الاستخدام المزدوج للأسلحة النووية والحاجة الماسة إلى إصلاح معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
 
ولعقود من الزمان، كان النقاش الدائر حول سياسة منع الانتشار النووى ونزع السلاح النووى عرضة لمنافسة القوى العظمى وعدم الاستقرار الإقليمى، ولكن الحقيقة هى أنه فى حين أن الحرب النووية قد تبدو بعيدة، إلا أن سعى المزيد من الدول للحصول على السلاح النووى لم يتوقف يوما.
لم ترحب الدول الحائزة للأسلحة النووية بقيود سياسات منع الانتشار النووى، ورفضت جميع الدول المالكة للأسلحة النووية التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية لعام 2017.
 
تجادل الولايات المتحدة ومنتقدو معاهدة حظر الأسلحة النووية بأنها تتناقض مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية القائمة بالفعل، بينما يجادل المؤيدون بأنها تبنى على المعاهدة السابقة وتم إنشاؤها للمساعدة فى معالجة إحدى نقاط ضعف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
 
مشاهدة فيلم أوبنهايمر سمحت بفتح نقاش موسع وإجراء تقييم نقدى لما حدث، وتأثيره على مسار التاريخ البشرى. وتطرح أسئلة حول جدوى استمرار إجراء تحديثات هامة فى ترسانات الدول المالكة للأسلحة النووية. ويحيط هذا النقاش بأسئلة جديدة تتعلق بالتكنولوجيات الحديثة وعلى رأسها تطبيقات الذكاء الاصطناعى العسكرية. وبينما يستمر العلماء فى الوقت الراهن فى السباق لاستخدام الذكاء الاصطناعى فى تطبيقات عسكرية متقدمة، فإننا نجهل الكثير بشأن مستقبل هذا السباق، على العكس مما كان عليه الحال فى حالة العالم «أوبنهايمر». كل ما نعرفه هو أنه مثلما أصبحت الأسلحة النووية جزءا لا غنى عنه من الأمن القومى، فإن الذكاء الاصطناعى أيضا أصبح كذلك ويستمر فى التطور إلى حدود نجهلها.
 
يأمل فريق من المفكرين أن يدفع النجاح الذى حققته البشرية فى تسخير الذرة كسلاح، ومن ثم وضع رقابة، وقواعد دولية عليها، إلى تطبيق نفس الأفكار من أجل التحكم وتنظيم تطور الذكاء الاصطناعى، وتطبيق آلية رقابية من نوع ما عليه. وسيتطلب ذلك بالطبع عملا شاقا، قانونيا ودبلوماسية، وسياسيا وعسكريا. وتحمل مخاطر عسكرة الذكاء الاصطناعى سهولة نقلها وانتشارها وإنتاجها على العكس من الأسلحة النووية.
 
وفى حين أن فيلم «أوبنهايمر» لا يجيب على أى أسئلة تتعلق بعسكرة الذكاء الاصطناعى، أو حدوده، إلا أنه من المؤكد أنه سيُبقى النقاش مستمرا حول سلاح فتاك لا يعرف أحد حدود قوته بدقة بعد، إذ إنه سلاح لن يتم التوصل إليه يوما ما، بل هو سلاح سيستمر فى التطور إلى ما لا نهاية.
 
محمد المنشاوي 
كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن 
للتواصل مع الكاتب: [email protected]
 

أحدث الأخبار

الموت يفجع شمس البارودي
18:00 06.12.2023
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ بمنطقة إيلات
17:30 06.12.2023
عائلات رهائن إسرائيليين تطالب باستئناف المفاوضات للإفراج عن أولادها
17:00 06.12.2023
تركيا ترفض "المنطقة العازلة" في غزة
16:26 06.12.2023
ميرزاييف: مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة طرحت العديد من مبادرات أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة
14:39 06.12.2023
علييف: أذربيجان نجحت في إحلال السلام في المنطقة
13:26 06.12.2023
كيف تناولت الدراما العربية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
كيف تناولت الدراما العربية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
13:00 06.12.2023
علييف: كان هناك الكثير من الأرمن في قراباغ الذين لم يراعوا مبادئ القانون الدولي
11:59 06.12.2023
نتنياهو لا يرفض قطعياً صفقة تُفرغ سجونه من الفلسطينيين
11:09 06.12.2023
تدهور العلاقات بين إسرائيل والمنظمات الأممية
10:42 06.12.2023
تحذير خليجي- تركي من تمدد الحرب في غزة إلى صراع إقليمي
10:30 06.12.2023
مبادرة عربية لنشر الإرث التاريخي والثقافي لفلسطين في المكتبات الصينية
10:00 06.12.2023
السعودية تخفض أسعار تصدير النفط إلى آسيا
09:35 06.12.2023
أحزاب المعارضة التركية ترفض العودة للتحالفات في الانتخابات المحلية
09:20 06.12.2023
ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلي 16 ألف
09:00 06.12.2023
طرح الإعلان الترويجي الأول للعبة GTA 6
18:00 05.12.2023
الصحة العالمية : أنفلونزا الطيور تتفشى في 4 دول أوروبية
17:00 05.12.2023
إصابة عدد من الإسرائيلين إثر قصف صاروخى استهدف عسقلان
16:36 05.12.2023
أردوغان: نتانياهو يخاطر بمستقبل المنطقة بأسرها
16:00 05.12.2023
الرئيس الإيراني يزور روسيا
14:45 05.12.2023
انطلاق أعمال الجلسة الإفتاحية للقمة الخليجية الـ44 - مباشر
13:51 05.12.2023
موريتانيا... سجن الرئيس السابق 5 سنوات بتهمة غسل الأموال
13:26 05.12.2023
إسرائيل تكشف عدد الرهائن في غزة
13:00 05.12.2023
واشنطن: لا نتوقع قصف المناطق الآمنة في غزة
12:22 05.12.2023
رئيس الإمارات وملك المغرب يؤكدان ضرورة التحرك الدولي لوقف إطلاق النار في غزة
12:00 05.12.2023
تحذير من فوضى في قطاع الطاقة نتيجة دعوات التخلي عن النفط
11:30 05.12.2023
بوتين يزور السعودية والإمارات لمحادثات بالغة الأهمية
11:00 05.12.2023
النيجر تنهي الشراكات الأمنية والدفاعية مع الاتحاد الأوروبي
النيجر تنهي الشراكات الأمنية والدفاعية مع الاتحاد الأوروبي
10:00 05.12.2023
الحوثيون يتبنون هجوماً جديداً على سفينتين إسرائيليتين
09:19 05.12.2023
130 مواطنا تركيا يعبرون مع ذويهم من غزة إلى مصر
09:00 05.12.2023
رسميا.. إطلاق «زووم» على منصة Apple TV
18:00 04.12.2023
بوريل يحث إيران على استخدام «تأثيرها» لتجنب التصعيد في الشرق الأوسط
17:00 04.12.2023
وزير الدفاع المصري: القضية الفلسطينية تواجه منحنى شديد الخطورة
16:40 04.12.2023
أردوغان: نتانياهو سيُحاكم كمجرم حرب
16:22 04.12.2023
وول ستريت جورنال: هجمات الحوثيين تثبت فشل إدارة بايدن
16:00 04.12.2023
تورال إسماعيلوف: أرمينيا لا تزال متمسكة بسياسة "الإحتلال"
15:37 04.12.2023
إسرائيل تستأنف محاكمة نتانياهو
13:20 04.12.2023
أوزبكستان واحدة من أهم مواقع السياحة الدينية في العالم
أوزبكستان واحدة من أهم مواقع السياحة الدينية في العالم
12:30 04.12.2023
من ليبيا إلى قراباغ.. الطائرات المسيرة تغير شكل الحروب في العالم
11:12 04.12.2023
قروض الصين للدول النامية ـ استثمار اقتصادي أم ديون معدومة؟
11:00 04.12.2023
جميع الأخبار