كنوز لا نحسن استثمارها

مقالات 11:00 03.08.2023
بحكم التقدم فى السن وفى الخبرة وتنوع الاهتمامات صرت أجالس من المتقاعدين فى كل مجال نسبة أكبر إذا قورنوا بغيرهم من فئة المعارف والأصدقاء. وبحكم العناصر نفسها مضاف إليها عنصر اهتمام مشترك لاحظت أن لمتقاعدى العمل الدبلوماسى النصيب الأكبر بين من أجالس باختيارى أو اختيار آخرين. أقصد بالدبلوماسى المتقاعد الشخص الذى ترك الخدمة الدبلوماسية بوصوله إلى سن التقاعد وليس كل من حاز على نصيب من الخبرة فى قواعد وأصول السياسة الخارجية وليس كل من امتهن نشاطا أطلق عليه صفة الدبلوماسى. من الأنشطة الأخرى المحسوبة على الدبلوماسية وهى ليست كذلك العمل الأكاديمى بحثا أو تدريسا والانخراط فى منظومة المؤسسات الدولية الإقليمية والكتابة والقراءة المنتظمة والمتعمقة فى أدبيات السياسة الخارجية بفروعها المتعددة.
 
محسوبة أيضا أجهزة فى الدولة دأبت على تقليص المساحة الأصلية التى كانت من نصيب الجهاز المكلف بإدارة الشئون الخارجية. شىء من هذا التقليص حدث متدرجا فى تطور العلاقة بين وزارة الخارجية البريطانية وأجهزة العمل السرى التى اشتغلت فى حماية أمن واتساع أطراف الإمبراطورية البريطانية التى لم تكن الشمس تغرب عنها، وأظن أن الشمس نفسها تعود الآن بعد غياب نصف قرن أو أكثر، أى منذ الانسحاب الكبير من شرق السويس، تعود لتشارك بخبرتها التاريخية فى عملية جارية الآن بالتخطيط أو التنسيق بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا المتحمسة ونيوزيلندا المترددة لإنقاذ ما تبقى من آخر إمبراطورية أنجلو سكسونية.
 
ينصب اهتمامى هنا على المتقاعدين فى خدمة العمل الدبلوماسى الرسمى، ففى ظنى وجل اهتمامى أنهم ثروة أهملتها حكومات مصرية وعربية تعاقبت خلال معظم سنوات القرن الأخير وأعتقد أننا ندفع الآن من استقرار وأبعاد نفوذنا الإقليمى والدولى ثمنا باهظا لهذا الإهمال.
 
أذكر أننى قبل سنوات عديدة دخلت فى حوار مفيد مع شخصية جليلة تولت مناصب هامة للغاية فى قيادة العمل الدبلوماسى المصرى. اتصل الحوار بمذكرات سجلها فى كتاب نشرته له دار نشر كبرى. اتصل الحوار أيضا بعرض نقدى لهذه المذكرات كتبته ونشرته لى دورية عربية متميزة. كان عاتبا فى تعليقه على ما كتبت. قال ما معناه أننى يجب ألا أنتظر من مسئول كبير أن يكتب فى مذكراته تفاصيل أحداث ولقاءات أجراها واجتماعات أدارها وخفايا سياسات وأدوات من خارج الدبلوماسية أستخدمها لتحقيق أهداف الدولة ومصالحها. حجته أن العمل الرسمى سر من أسرار الدولة ولا يجوز البوح به أو إعلانه فى وقته أو خارج وقته مهما طال الزمن. حجتى تلخصت فى أن المذكرات لم تقدم للقارئ العادى ما يشجعه على مواصلة القراءة حتى آخر صفحة فى الكتاب. أما القارئ المتخصص، وأقصد الموظف الدبلوماسى، فلن يجد فى المذكرات ما يمكن أن يمثل إضافة إلى مخزون معلوماته عن إدارة مهام السياسة الدولية ولا هى تقدم درسا أو دروسا فى صنع القرار فى السياسة الخارجية، ولا هى تملأ فراغا فى بحث يجريه باحث انشغل بدراسة عملية صنع السياسة الخارجية وأدوات تنفيذها. ولا هى تغنى باحثا آخر مهتم بإجراء المقارنات الضرورية بين دبلوماسيات متعددة ومختلفة بغية المساهمة فى التوصل إلى نظرية عامة فى علم العلاقات الدولية واستراتيجيات الأمن والسلم الدوليين. لم أعد أتساءل بعد الحوار عن أسباب ودوافع اتجاه مختلف الدبلوماسيين والمعلقين الأجانب إلى قراءة مذكرات هنرى كيسنجر وجورج كينان وونستون تشرشل وأمثالهم وترددهم فى أو امتناعهم عن قراءة مذكرات أقران هؤلاء من الرسل والسفراء والوزراء والمبعوثين الرسميين وصناع السياسة فى مصر والعالم العربى.
 
عودنى القارئ المدرب على قراءة مذكرات بعض كبار المسئولين على أنه يقرأها باحثا عما أخفاه كاتب المذكرات بين السطور أو احتفظ به لنفسه حماية له من غدر غادر وشر كاره أو منافس أو تنفيذا لقواعد انضباط نشأ عليها وصعد بفضلها إلى أعلى المناصب. يعلم هذا القارئ المدرب أن المسئول السابق وقد صار متقاعدا غالبا ما ينتهى من كتابة ونشر مذكراته مطمئنا إلى أن القارئ المدرب لا شك يدرك أن ما خفى عنه فى المذكرات أعظم وربما كان هو نفسه شاهدا حيا على بعض مراحلها. فهمت من أحاديث أجريتها مع أكثر من مسئول قضى بعض عمره مكلفا بمسئوليات دبلوماسية وهو ليس من أهلها أن كاتب المذكرات لا بد أن يحسب لاعتبارات الجاه والمكانة حسابات منفصلة. لمح أحدهم إلى فكرة لا تغيب عن ذهنه أثناء الكتابة وهى أنه سوف يحصل من القادة الأكبر والأقدم فى تراتيب القيادة على تقدير متناسب مع حجم ما أخفاه من معلومات فى مذكراته وليس مع حجم ما أعلن من أسرار وكشف عن خفايا وشرح من غموض. لا يدرك هؤلاء أن أكثر ما احتفظ به الكاتب من معلومات تعامل معها كأسرار لا يجوز نشرها هى بعيدة كل البعد عن كونها تستحق هذه الصفة فضلا عن أن الغالبية العظمى من المعلومات غير العسكرية فى كافة الشئون وليس فقط فى شأن الدبلوماسية صارت أسرارا معلنة ومنشورة بتفاصيل مذهلة. ودليل ذلك، ولأسباب أخرى، يتعامل الناس العاديين مع أعضاء النخب من صناع السياسة، كما يتعاملون مع نخبة نجوم الفن والسينما، باعتبارهم موضوعات إعلامية دسمة بحساب ما أخفوه من حكايات ومشاكل وأزمات كانوا أطرافا فيها أو شهودا عليها.
 
 أمامنا النموذج فى المجتمع السياسى الأمريكى الذى يعيش اليوم متفرجا على تداعيات هذا الصراع الأبدى على الأسرار فى آخر إصداراته، أقصد السباق الإعلامى الراهن فى الولايات المتحدة للحصول على مضمون ما أخفاه أو حاول إخفاءه الرئيس السابق دونالد ترامب من وثائق رسمية ومعلومات عن مؤامراته ضد نظام الدولة وما أخفاه أو يحاول أن يخفيه الرئيس جو بايدن من تفاصيل فساد واسع النطاق داخل عائلته وتسريب معلومات رسمية سرية الطابع. هذا المجتمع غريب الأطوار صار فريسة سهلة للاستقطاب الحاد، نصفه ينحاز لجانب الشيطان فى أى قضية تطرح عليه ونصفه الآخر ينحاز لجانب الملائكة ولو لبرهة قصيرة.  بالصدفة المحضة نعيش هذه اللحظة مع آخر استقطاب أمريكى حول ما يكشفه ببراعة متناهية مخرج الفيلم السينمائى عن قصة أوبنهايمر، صانع القنبلة الذرية، وعن حروب الأسرار بين قوى وأقطاب الدولة الأعمق فى أمريكا. الأمر الأشد غرابة فى هذا الاستطراد هو حالة الاستقطاب حول هذا الفيلم فى المجتمع السياسى المصرى. فمن حيث الشكل تبدو القضية لا تمس جانبا من تاريخنا ولكن من حيث المضمون يغوص موضوعها.
 
حتى الأعماق فى تفاصيل نخشى تداعياتها على حياتنا، تفاصيل عن حروب الأسرار التى تنشب فى عالمنا العميق بين قوى لا نعرفها أو نعرف عنها القليل غير المفيد، وتفاصيل عن حروب وإن مكتومة الصوت إلا أنها باهظة التكلفة طويلة الأجل.
 
لدى أكثر المتقاعدين من الدبلوماسيين المصريين وغيرهم من الدبلوماسيين العرب ما يستحق أن يروى. أتمنى أن أراهم وقد أقدموا الواحد بعد الآخر والواحدة بعد الأخرى على كتابة مذكرات عن حيواتهم وحيواتهن فى هذه المهنة التى لم تحصل بعد على حقها وعن دورها فى عالم السياسة الخارجية المصرية. لم نقرأ حتى يومنا هذا مذكرات تكشف من واقع المعايشة والمشاركة الفعلية بعض حقائق عن أخطاء ونقائص فى أداء السياسات الخارجية العربية أوصلتنا إلى الحال الراهنة بين أحوال الأمم. قد نجد فيما سوف يكتبه المتقاعدون من الدبلوماسيين العرب والمصريين بشكل خاص تعويضا عن قصور فيما سجله الأسبقون فى مذكرات أكثرها صدرت مكتومة الصوت والرأى والمعلومة. ثم أننا ونحن نقرأ ما يكتبون سوف نتعلم، وسوف يتعلم معنا جيل الدبلوماسيين الناشئين، عن بعض أو كل ما استجد فى الشئون الدولية التى صارت مختلفة فى الجوهر وفى الأداء عن شئون دولية درسناها فى الكتب وقاعات المحاضرات أو تعاملنا معها فى مختلف الظروف والمؤتمرات والعواصم.
 
جميل مطر  
كاتب ومحلل سياسي
 

أحدث الأخبار

إسرائيل ترفض منح تأشيرة لكبيرة مسؤولي إغاثة الفلسطينيين في الأمم المتحدة
12:00 02.12.2023
الأناضول التركية تعلن مقتل مراسلها في غزة
11:00 02.12.2023
إسرائيل أبلغت دولاً عربية بشأن منطقة عازلة مع غزة في مرحلة ما بعد الحرب
10:00 02.12.2023
إسرائيل أبلغت دولاً عربية بشأن منطقة عازلة مع غزة في مرحلة ما بعد الحرب
10:00 02.12.2023
أردوغان... ما يجري في غزة الآن جرائم حرب ويجب محاكمة المجرمين
09:00 02.12.2023
العسل مفيد للصحة.. لكن أي نوع هو الأكثر منفعة؟
18:00 01.12.2023
تركيا تشدد على وقف كامل لإطلاق النار في غزة
17:00 01.12.2023
انطلاق أعمال مؤتمر المناخ العالمي في دبي
16:00 01.12.2023
أوكرانيا: 170 ألف مبنى تضرر بسبب الحرب
15:00 01.12.2023
مقتل 37 فلسطينياً في غارات إسرائيلية منذ انتهاء الهدنة
14:31 01.12.2023
رغم استئناف الحرب.. المفاوضات بشأن هدنة غزة "مستمرة"
13:00 01.12.2023
انطلاق تصويت المصريين في الخارج بالانتخابات الرئاسية
12:00 01.12.2023
مجلس الأمن ينهي مهمة بعثة الأمم المتحدة في السودان
11:00 01.12.2023
الهلال الأحمر الفلسطينى: المؤسسات الدولية ترفض إيصال المساعدات لشمال قطاع غزة
10:00 01.12.2023
انتهاء الهدنة في غزة
09:00 01.12.2023
لمزيد من الرفاهية.. اقتنى سيارة شفروليه كابتيفا 2024
18:00 30.11.2023
إكسبو 2030 يعزز الاقتصاد السعودي بأكثر من 50 مليار دولار
17:12 30.11.2023
الاتحاد الأوروبي وأمريكا الجنوبية يقتربان من التوصل لاتفاق تجاري
16:40 30.11.2023
إسرائيل تعترض هدفاً جوياً أًطلق من لبنان
16:04 30.11.2023
بكين تدعو إسرائيل و«حماس» لـ«هدنة إنسانية مستدامة
13:30 30.11.2023
أمير قطر والرئيس الألماني يبحثان تطورات الأوضاع في غزة
13:00 30.11.2023
أمير قطر والرئيس الألماني يبحثان تطورات الأوضاع في غزة
13:00 30.11.2023
روسيا تؤكد استعدادها لإحياء مسار التطبيع بين تركيا وسوريا
12:30 30.11.2023
وفاة عراب الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر
12:00 30.11.2023
مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 7 بهجوم في القدس
11:30 30.11.2023
بيراموف يزور مقدونيا الشمالية
11:11 30.11.2023
رفع العلم الفلسطيني أمام مقر بلدية أوسلو
11:00 30.11.2023
دليل شامل عن أحكام المواريث في الإسلام
10:30 30.11.2023
الذكاء الصناعي يتسلم أول مهامه الرسمية الساخنة في موسكو
10:00 30.11.2023
طهران تطالب بتحرك دولي ضد تهديدات نووية إسرائيلية
09:38 30.11.2023
حماس تسلم الدفعة السادسة من الرهائن الإسرائيليين
09:18 30.11.2023
دراسة: مواليد هذه المرحلة يعانون صحة نفسية أسوأ من الأجيال السابقة
18:00 29.11.2023
بلينكن: سأعمل في إسرائيل على تمديد الهدنة لتحرير مزيد من الرهائن
17:12 29.11.2023
الخارجية الفرنسية تطالب اللبنانيين بالإسراع في إنجاز الانتخابات الرئاسية
16:40 29.11.2023
حماس: سنفرج عن روس خارج الصفقة تقديرا لمواقف الرئيس بوتين
16:15 29.11.2023
مصر تطالب بوقف دائم لإطلاق النار في غزة
15:48 29.11.2023
بسبب دعمه إسرائيل ... بايدن يواجه غضباً شديداً داخل البيت الأبيض
15:30 29.11.2023
الشيشان تستقبل مجموعة من اللاجئين الفلسطينين
15:00 29.11.2023
أوكرانيا تتسلم 300 ألف قذيفة من الاتحاد الأوروبي
14:28 29.11.2023
"التعاون الإسلامي" تطالب المجتمع الدولي بوقف العدوان على غزة
14:13 29.11.2023
جميع الأخبار