قمة خليجية مع دول آسيا الوسطى

مقالات 13:30 10.08.2023
لقد أصبح منذ فترة لدى دول مجلس التعاون الخليجى توجه عام نحو تنويع وتعدد علاقاتهم مع مختلف المجموعات الإقليمية، والقوى الرئيسية الفاعلة فى سائر مناطق العالم. وإن الدافع وراء ذلك هو السعى للخروج من دائرة محددة للعلاقات مع قوة أكبر رئيسية، إلى مجال رحب يتيح مساحة من الحرية والاستقلالية النسبية، خاصة أن التطورات المتلاحقة على الساحتين الإقليمية والدولية، ومرحلة إعادة صياغة العلاقات الدولية على أساس تعدد مراكز القوى، مع رياح قوية لبدايات حرب باردة تحيط بسخونة الحرب الروسية الأوكرانية. واتجهت دول مجلس التعاون الخليجى فى هذا السياق إلى الانفتاح على دول آسيا الوسطى، والعمل على تفعيل معطيات المصالح المشتركة التى تساهم فى تعزيز وتقوية عوامل الارتباط والتعاون بين المجموعتين فى جميع المجالات.
 
وانطلاقا من هذا التوجه العام، عقدت أول قمة بين دول مجلس التعاون الخليجى ودول آسيا الوسطى، حيث شارك فى القمة رؤساء خمس دول هى أوزباكستان، وتركمنستان، وكازاخستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان. ويلاحظ عدم مشاركة أذربيجان منذ بداية الاجتماعات التشاورية بين المجموعتين وقد يكون ذلك لأسباب سياسية أو عقائدية. واستضافت السعودية القمة فى جدة يوم 19 يوليو 2023، وترأسها ولى العهد ورئيس الوزراء السعودى محمد بن سلمان، الذى شدد فى بداية الجلسات على أهمية احترام سيادة دول الخليج وآسيا الوسطى، واستقلالها وقيمها، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وضرورة تكثيف الجهود المشتركة لمواجهة كل ما يؤثر على الطاقة وسلاسل الإمداد الغذائية العالمية. وأهمية فتح آفاق جديدة للاستفادة من الفرص المتاحة للتعاون المشترك فى جميع المجالات، لما تمتلكه دول المجموعتين من إرث تاريخى، وإمكانات وموارد بشرية، ونمو اقتصادى، وأن إجمالى الناتج المحلى للمجموعتين معا يبلغ نحو 2,3 تريليون دولار أمريكى.
 
وقد أعرب قادة الدول الآسيوية الخمس فى كلماتهم عن أن لهذه القمة أهمية خاصة نظرا للعلاقات القوية والروابط التاريخية، والقيم الروحية المشتركة، وأواصر الصداقة بين دولهم ودول مجلس التعاون الخليجى، وأن الإمكانيات الاقتصادية لدول آسيا الوسطى وقدرات دول الخليج العربية الكبيرة تستطيع نقل العلاقات والتعاون بينهم إلى مستويات أعلى، خاصة أهمية العلاقات التجارية والاقتصادية، والاستثمارات، ذلك لأن مستواها الحالى لا يعبر عن الإمكانيات المتوفرة لدى دول المجموعتين، حيث توجد مجالات للتعاون فى الطاقة والنفط والغاز، وأنهم على استعداد لتعميق التعاون الشامل مع منظمة أوبك بلس، ومع كبريات شركات الطاقة فى دول الخليج العربية.
 
واعتبر رئيس قيرغيزستان أنها قمة تاريخية وعلامة فارقة على الطريق المشترك لدعم التعاون والمشاركة بين الجانبين، وتعبر عن رغبة الجانبين فى المضى نحو تطوير العلاقات، واستثمار الفرص الكبيرة، وتعزيز الحوار السياسى، والتعاون الاقتصادى والاجتماعى والثقافى متعدد الأطراف، ونوه إلى أهمية تبادل الزيارات رفيعة المستوى لتوسيع دائرة التعاون، حيث إن آسيا الوسطى منطقة نامية على مساحة جغرافية واسعة تمتلك فرصا اقتصادية جديدة، وأن التكامل الإقليمى عنصر أساسى فى رؤية المستقبل، وأكد على الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، واقترح العمل بنشاط لتعزيز العمل الإقليمى فى مجالات الطاقة، والنقل، والصحة، والتعليم، والابتكار.
 
 وأكد ولى عهد الكويت أن القمة تمثل لبنة جديدة وإضافة كبيرة فى مسيرة العلاقات بين الجانبين، وتعبر عن الرغبة فى تعزيزها لتشمل تعاونا أوسع وأشمل فى مختلف المجالات، والأمل فى أن تسهم القمة فى تعزيز وترسيخ علاقات المشاركة الاستراتيجية بين الجانبين، وأن لدى دول مجلس التعاون الخليجى إيمانا واقتناعا ثابتا بأن الظروف الراهنة أصبحت تتطلب مزيدا من العمل وتنسيق الجهود على المستوى الإقليمى، وهو ما يحتم مواجهة التحديات من خلال التعاون بين الجانبين. كما أكد رئيس وفد عمان على أن ما يجمع بين الجانبين من مصالح واهتمامات مشتركة يتطلب مزيدا من التواصل والتنسيق الجماعى فى مختلف المحافل الدولية دعما لإحلال الأمن والاستقرار والسلام.
 
تعد دول آسيا الوسطى التى شاركت فى القمة دولا مغلقة جغرافيا لا تطل على البحار، وبعضها يطل على بحر قزوين وهو عبارة عن بحيرة مغلقة على الدول المطلة عليها. لذا تحتاج دول آسيا الوسطى فى تجارتها مع الدول غير الجيران المباشرين أن تمر بضائعها عن طريق طرف ثالث أو أكثر، وتولى اهتماما كبيرا لبناء الطرق السريعة والسكك الحديدية التى تربط بينها ومع جيرانها، وهذا سيكون موضع اعتبار واهتمام بين دول مجلس التعاون الخليجى ودول آسيا الوسطى من أجل تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، ويمكن أن تكون إيران حلقة وصل بينهما على ضوء تحسن العلاقات بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجى، حيث قال الإيرانيون إن هذا التحسن فى العلاقات يفتح المجال لتطوير دول الخليج علاقاتها التجارية مع الدول فى شمال إيران.
 
 تمتد دول آسيا الوسطى من غرب الصين شرقا حتى بحر قزوين وإيران غربا، على مساحة نحو 4 ملايين كيلومتر مربع، بينما لا يتجاوز إجمالى عدد سكان الدول الخمس نحو 73 مليون نسمة، وإجمالى ناتجهم المحلى نحو 300 مليار دولار أمريكى. وتتمتع هذه الدول باحتياطيات ضخمة من المعادن والنفط والغاز الطبيعى، والفحم، والمياه. ويقدر احتياطى الغاز الطبيعى فى هذه الدول بنحو 34% من إجمالى الاحتياطى الدولى، مما يجعل لها دورا مؤثرا فى أمن الطاقة العالمى، وتعد طاجيكستان الأكبر فى توفر المياه لديها بما يمثل نحو 65% من إجمالى موارد المياه فى الدول الخمس.
 
 وقد سبق هذه القمة بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى انعقاد مؤتمر الحوار السياسى بينهما على مستوى وزراء الخارجية فى الرياض فى 7 سبتمبر 2022، والذى أقر خطة العمل المشترك الخمسية ما بين 2023ــ2027، فى المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والثقافية، والصحية، والسياحية، ودعم التواصل بين الشعوب فى المنطقتين. وقد أعقب ذلك عقد عدة اجتماعات للمتخصصين والخبراء والمسئولين من الجانبين فى مجالات الاقتصاد والصحة والرياضة والشباب، لوضع أسس التعاون بينهم فى هذه المجالات وفقا لخطة العمل المشترك. هذا إلى جانب عضوية دول آسيا الوسطى الخمس فى منظمة التعاون الإسلامى، والتنسيق المشترك فى الأمم المتحدة. وقد بلغت قيمة التبادل التجارى بين المجموعتين فى عام 2021 نحو 3,1 مليار دولار أمريكى، وهو يمثل نحو 27 ,0% من إجمالى قيمة التبادل التجارى السلعى للدول الخليجية. وكانت قيمة صادرات دول الخليج 2,06 مليار دولار أمريكى معظمها من الآلات والأدوات الكهربائية، وأهم وارداتها النحاس ومصنوعاته، والذهب، والمعادن الثمينة، والأحجار الكريمة، والحديد والصلب، بما قيمته 1,03 مليار دولار أمريكى.
 
قدم رؤساء دول آسيا الوسطى بعض المقترحات، من بينها إنشاء مجلس وزراء خارجية دائم للمجموعتين، وتعزيز المشاركة فى مجال الطاقة وإنشاء غرفة مشتركة، وعقد منتدى استثمارى مشترك فى تركمنستان عام 2024، وإنشاء مجلس بيئى مشترك للتعاون فى مجال البيئة، وتطوير التعاون فى مجال الطب والرعاية الصحية وعقد مؤتمر طبى فى عشق أباد عاصمة تركمنستان فى عام 2025، والتعاون فى مجال إنتاج الطاقة، وإنشاء الطرق والسكك الحديدية، وإنشاء صندوق خاص للتنمية فى آسيا الوسطى، وتعزيز آلية التعاون فى مجال الأمن الغذائى مع دول الخليج، خاصة أن دول آسيا الوسطى يمكن أن تصدر الكثير من المواد العذائية إلى دول مجلس التعاون الخليجى.
 
 وقد أكد البيان الختامى للقمة على عدة موضوعات منها تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية، وأهمية الحوار والمشاركة لفتح آفاق جديدة فى جميع المجالات، وإدانة الإرهاب بكافة صوره، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، واستمرار التنسيق بما يحقق الاستقرار الإقليمى والدولى لمواجهة التحديات الاقتصادية التى تواجه العالم، وأهمية تطوير طرق النقل وبناء شبكات لوجستية وتجارية قوية، وتطوير أنظمة فعالة تسهم فى تبادل المنتجات، وتعزيز التبادل التجارى، وتشجيع الاستثمار المشترك. وتعزيز التعاون فى مجالات التعليم العالى والبحث العلمى والتدريب المهنى، وتعزيز التعاون بين الجامعات ومراكز البحث العلمى لدى الجانبين، وتوفير فرص التعليم فى الجامعات التقنية فى مجال الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمى. وتعزيز العلاقات على المستويين الجماعى
 
والثنائى، وضمان مرونة سلاسل الإمداد والنقل والاتصال، والأمن الغذائى، وأمن الطاقة، والأمن المائى، وتقنيات الطاقة المتجددة والخضراء. والتأكيد على التسامح والتعايش السلمى باعتبارها من أهم القيم والمبادئ للعلاقات بين الأمم والمجتمعات، والإعراب عن القلق إزاء تزايد الخطاب العنصرى وكراهية الإسلام، وأعمال العنف ضد الأقليات الإسلامية، والرموز الإسلامية. وأهمية الدور الذى يقوم به الجانبان فى مواجهة ظاهرة التغير المناخى وأهمية الاتفاقات الدولية ذات الصلة. وأهمية التعاون لحماية الأنهار الجليدية وهى منتشرة فى دول آسيا الوسطى نظرا لطبيعتها الجبلية، وحماية الموارد المائية. والاتفاق على تأسيس آلية عمل لتعزيز التعاون المشترك بين الجانبين.
 
 يلاحظ أولا أن دول آسيا الوسطى تشارك دول مجلس التعاون الخليجى فى التوجه إلى تنويع علاقاتها فى إطار سعيها إلى ألا تقتصر معظم هذه العلاقات على دول الجوار المباشر أو القوى الكبرى المحيطة بها، خاصة روسيا والصين، وذلك على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية وما أحدثته من أزمات اقتصادية فى الطاقة والغذاء وفى العلاقات بين الدول الكبرى.
 
وثانيا أن هذه القمة الأولى بمثابة نقطة بداية واستكشاف لمجالات التعاون بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجى، خاصة فى مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والنقل والمواصلات، والتنسيق بين المجموعتين فى مجال النفط والغاز باعتبارهما سلعة تصديرية رئيسية ولهما أهمية استراتيجية عالميا. هذا إلى جانب ما لدى دول آسيا الوسطى من إنتاج زراعى وحيوانى، وتعدين، ومجال للسياحة ويقابلها مواسم الحج والعمرة فى السعودية. 
 
رخا أحمد حسن 
عضو المجلس المصري للشئون الخارجية 
وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
 
سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار