جمع الفتح الإسلامى للكثير من المناطق الجغرافية العديد من القوميات والأعراق مع العرب تحت لواء الدولة الإسلامية، فاختلطت تلك القوميات مع الشعوب العربية وتلاشت الحدود فأخذ كل منهم عن الآخر الكثير من العادات والتقاليد والقيم، كما بزغ من تلك القوميات شخصيات أسهمت بقدر كبير فى الحضارة الإسلامية والعالمية، خاصة من خرج من مناطق بلاد ما وراء النهر، التى تعرف حاليا بآسيا الوسطى والتى تضم حاليا خمس دول "أوزبكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، تركمانستان، كازاخستان"، حيث مازال تأثيرهم باقيا بفضل ما تركوه من علم فى مختلف فروع المعرفة.
استخدم الأتراك الذين يقطنون المنطقة كلمة "طاجيك" للإشارة إلى الشعوب الناطقة باللغات الفارسية، أى الشعوب الإيرانية الشرقية، وفى عهد الاتحاد السوفيتى كان يتم طمس الهوية الطاجيكية كغيرها من القوميات الأخري، وذلك للعمل على إذابة جميع القوميات فى الفكر الشيوعى خشية إثارة النعرات الانفصالية، ولذلك كان يتم استخدام كلمة طاجيك للتعبير عن القوميات الناطقة بالفارسية فى وسط آسيا، ولكن هناك بعض الروايات التى تشير إلى أن كلمة طاجيكستان تعنى "أرض صاحب التاج"، وهو الملك إسماعيل الساماني، والذى يوجد له تمثال كبير فى قلب العاصمة الطاجيكية دوشنبه، والتى تعنى باللغة الفارسية "يوم الاثنين"، حيث كان يقام سوق كبير فى ذلك اليوم من كل أسبوع فى وسط المدينة، ورغم أن الطاجيك يتحدثون الفارسية إلا أنهم يختلفون عن الإيرانيين فى اللهجة وحتى فى المذهب الديني، فالطاجيك هم من أهل السنة بنسبة تصل إلى 93 %، ويتبعون المذهب الحنفى كسائر أغلب شعوب دول آسيا الوسطى.
لا يرتبط الطاجيك بسكان طاجيكستان وحدها الذين يشكلون نحو 80% من القومية الطاجيكية التى تنتشر فى مناطق متعددة فى آسيا الوسطى وأفغانستان بنسب متفاوتة، وقد أثرى التاريخ والحضارة الإسلامية الكثير من العلماء والأدباء الذين ترجع أصولهم لتلك القومية وإن كانوا ينتسبون إلى مناطق أخرى بحكم المولد أو النشأة والإقامة، الأمر الذى يضع الطاجيك فى مكانة مهمة فى تاريخ الحضارة الإسلامية نظراً فسهامات علمائها الكبير في تلك الحضارة.
يرجع تاريخ العلاقات بين الطاجيك والعرب إلى تاريخ دخول الإسلام لبلاد ما وراء النهر وفتح خراسان، حيث امتد نفوذ المسلمين إلى بلاد فارس بعد موقعة القادسية، ثم انتقل إلى بلاد فارس، واستمرت فتوحاتهم حتى شملت بلاد ما وراء النهر "آسيا الوسطى" حالياً حتى وصلت إلى حدود الصين، واستمر انتشار الدعوة الإسلامية طيلة العصر الأموي، وقد بلغت العلاقات بين بلاد فارس وخراسان ووسط آسيا وبين العرب ذروتها خلال العصر العباسي، فازدهرت الدعوة الإسلامية فى عهد السامانيين والغزنويين الذين توسعوا فى نشر الإسلام إلى بلاد الهند، ثم تعاقب على حكم المنطقة السلاجقة الأتراك، ثم المغول ثم الروس، الذين استولوا على طاجيكستان عام 1917، وانضمت إلى الاتحاد السوفيتى عام 1922، واستمرت حياة الطاجيك فى كبت ومحاولات مستميتة لمحو هويتهم القومية والإسلامية، ولكنها قاومت وصمدت أمام كل هذه الضغوط حتى نالت البلاد استقلالها عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتي.
رئيس طاجيكستان إمام على رحمان من الشخصيات القليلة التى جمعت بين السياسة والثقافة، فقد كتب مؤلفاً ضخماً عن تاريخ الطاجيك بعنوان "الطاجيك فى مرآة التاريخ" يقع فى أربع مجلدات تضم حوالى ألف صفحة، بداية من عهد الآريين إلى عهد السامانيين، وقد صدرت الطبعة العربية بالقاهرة، حيث ترجم المجلد الأول الدكتورة مكارم الغمري، بينما ترجم المجلدات الثلاثة الأخرى الدكتور عبدالوهاب علوب، وراجع الترجمة الشاعر الطاجيكى نذر الله نزار، ويقول الرئيس رحمان فى مقدمة الطبعة العربية "لعلكم لا تعرفون إلا القليل عن أبناء جلدتى الطاجيك وبلدنا طاجيكستان، حيث أننا كنا طوال عقود من الزمن نختبئ وراء كيان كان يطلق عليه اسم الاتحاد السوفيتي، فالطاجيك بعد اعتناقهم الإسلام أصبحوا من أكثر المسلمين إسهاما وعطاء فى حمل راية الفكر الإسلامي".
توجد وشائج وروابط تاريخية قوية تربط بين العرب والطاجيك، ولا تزال تلك الروابط متجذرة فى رابطة الدين الإسلامى الحنيف، وبعد أن عانى الطاجيك كغيرهم من الشعوب الإسلامية من سياسة التهميش وطمس الهوية، كما حُرموا من التواصل مع العالم الخارجى ومنهم العالم العربى فى ظل الحكم السوفيتي، حيث كانت موسكو تستأثر بالسياسة الخارجية، فقد حان الوقت لمد جسور التواصل والتعاون مع طاجيكستان وغيرها من الشعوب الإسلامية التى كانت تدخل ضمن الاتحاد السوفيتى السابق، خاصة بعد استقلال هذه البلاد، فى ظل ظروف ومتغيرات دولية وإقليمية تتطلب ضرورة التقارب معهم من أجل مواجهة التحديات التى تعصف بالعالم الإسلامى وفى مقدمتها قضايا الإرهاب والإسلاموفوبيا والأمن والتنمية.
أحمد عبده طرابيك
باحث في شئون آسيا