ترقب سياسي

مقالات 12:30 20.08.2023
منذ أسبوعين، فى مقال الأحد 6 أغسطس، اعتبرنا أن مصر تعيش حالات ترقب ثلاث، ثم تناول المقال ترقب الناس لما ستتخذه الدولة من قرارات اقتصادية تمكن البلاد من خدمة دينها العام الخارجى والداخلى، من البدء فى تحسين ظروف معيشة المواطنين والتوفير الفعلى للسلع والخدمات لهم. تركنا لهذا الأسبوع ترقب الانتخابات لمنصب رئيس الجمهورية المنتظر إجراؤها بعد شهور، وترقب نتائج الحوار الوطنى وما ستئول إليه. هذان الترقبان نعتبرهما ترقبا سياسيا واحدا، وهو ما لا ينفى الطابع السياسى عن القرارات الاقتصادية وترقبها.
 
كما ورد فى المقال الماضى، الانتخابات الرئاسية هى المناسبة الرئيسية فى أى نظام سياسى رئاسى أو شبه رئاسى، بل هى ذات أهمية معتبرة فى بعض النظم البرلمانية مثل النظام السياسى الإيطالى. أهمية الانتخابات الرئاسية فى النظم الرئاسية وشبه الرئاسية تنبع أولا من أنها السبيل لاختيار رأس السلطة التنفيذية الذى يسهر مع إدارته أو حكومته على وضع السياسة العامة للبلاد وعلى تنفيذها، فضلا عن وظائفه الأخرى وعلى رأسها تمثيل البلاد.
 
وانتخابات رئيس الجمهورية تنشئ له الشرعية التى يستند إليها فى حكمه. رئاسة الدولة فى النظم الجمهورية هى رئاسة مؤقتة، على أساس أن شرعية الحكم ليست ثابتة مؤبدة، كما فى النظم الملكية، بل لا بد أن يجدد منحها صاحب السيادة، وهو الشعب، بعد كل فترة محددة. مسألة ما إذا كانت الشرعية جديدة أم مجددة لا تثور إلا فى الأنظمة التى تسمح دساتيرها للشخص نفسه بشغل منصب الرئاسة لأكثر من فترة واحدة. المسألة لا تثور فى المكسيك مثلا حيث تقتصر الرئاسة على فترة واحدة مدتها ست سنوات منذ اعتماد دستورها السارى فى سنة 1917، وهو حكم فى الدستور احترم احتراما تاما فيما يزيد على قرن من الزمان على الرغم من أن النظام السياسى المكسيكى كان من الناحية الفعلية نظاما للحزب الواحد لأكثر من سبعة عقود. فى هذه الحالة كانت الانتخابات الرئاسية، فى نظر هذا الحزب، مناسبة لإعادة تجديد شرعيته هو فى حكم البلاد بواسطة واحد من رجاله.
 
فى البلاد التى تسمح للشخص نفسه بشغل منصب الرئاسة لأكثر من فترة، الشرعية التى يمنحها الشعب لهذا الشخص ليشغل المنصب لفترة جديدة تتوقف على أداء البلاد فى فترة حكمه السابقة، وعلى برنامجه وما يعد به فى الفترة المقبلة الجديدة. الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند الذى كان رئيسا فيما بين 2012 و2017، لم يرشح نفسه لفترة ثانية لأنه قدر أن سوء أداء فرنسا فى فترة حكمه ستجعل الشعب الفرنسى يرفض انتخابه مرة ثانية وتجديد الشرعية له كرأس للسلطة التنفيذية وممثل للبلاد. جدير بالذكر، بالمناسبة، أنه فى فرنسا لا يوجد قيد على فترات رئاسة الجمهورية ومع ذلك لم يتقدم أى رئيس قط ليشغل منصب الرئاسة لأكثر من فترتين.
 
 كما ورد ذكره أعلاه، شرعية الحكم لفترة جديدة فى حالة أى رئيس يمارس الرئاسة تستمد فى جانب كبير منها من الموافقة على أداء نظام الحكم فى فترة رئاسته. فى حالة مصر الراهنة، إن رغب رئيس الجمهورية فى شغل منصب الرئاسة لفترة جديدة، فإن ضرورة رضاء الشعب عن أداء نظام الحكم ذو أهمية مضاعفة بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة والممتدة التى تعيشها البلاد. هذا هو ما يمنح الانتخابات الرئاسية المقبلة أهمية فائقة. على الرغم من أن حكم الشعب يكون على مجمل فترة الرئاسة السابقة، فإن الناخب، وفى كل البلاد، يتأثر فى اختياره بالأوضاع الضاغطة فى أثناء الانتخابات. بشأن الأزمة الاقتصادية، القائمون على الحكم يقولون إنه ما كان بالإمكان أبدع مما كان. الحكم على ذلك للشعب، فإن وافق على ما يقولون وانتخب رئيس الجمهورية لفترة جديدة يكون بذلك قد منحه شرعية مجددة ذات اعتبار.
 
غير أن دور الحكم يفترض وجود أطراف لهم حججهم يستمع إليها هذا الحكم ويختار من بينها. لكى يعتد بحكم الشعب واختياره وحتى يكون فى هذا الاختيار منح للشرعية، يجب أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، تتكافأ فيها فرص كل المرشحين. أول مظاهر النزاهة هو اعتراف الدولة وأجهزتها وأنصار الحكم القائم بحق المواطنين الذين يستوفون شروط الترشح فى الترشح لمنصب الرئاسة، وعدم الانزلاق إلى مهاجمة هؤلاء المواطنين، والتنديد بهم، والحيلولة بينهم وبين لقاء الناخبين وإسماعهم تحليلاتهم وأفكارهم ومقترحاتهم. وسائط الاتصال المكتوبة والمرئية والمسموعة، العامة والخاصة، لا بد أن تساوى بين المرشحين فى المساحات وفى الفترات المتاحة لهم عليها. جيد أن تجرى الانتخابات تحت إشراف قضائى وأن يوجد قاضٍ فى كل لجنة انتخابية، ولكن قبل ذلك يجب تمكين الناخبين من الوصول إلى اللجان ليمارسوا حقهم فى الانتخاب، كما ينبغى أن يجد ممثلو المرشحين أماكن لهم فى اللجان. إنفاق الحملات الانتخابية على الانتخابات يجب أن يحدد سقف له، وألا تستخدم فيه موارد الدولة. احترام هذه الشروط هو وحده الذى يجعل من نتيجة الانتخابات حكما يعتد به ويمنح الشرعية لمن انتخبه الناخبون. مصر تترقب مثل هذه الانتخابات ونتيجتها.
 
ثمة من يستنكرون أن تكون مصر مترقبة لنتائج الحوار الوطنى وما ستئول إليه. كثير من المواطنين لم يتابعوا الحوار لعدم التفاتهم إلى السياسة أصلا أو لأن ضغوط الحياة لا تسمح لهم بذلك. غير أن المجتمع السياسى اهتم بالحوار بين قابل ورافض له، وبين من قبلوا من شاركوا فيه بحماس ومن شاركوا بالرغم مما يعتريهم من شكوك بشأن جدواه. هؤلاء هم الجانب الأكبر من المعارضة فى تشكيلاتها الحزبية المختلفة ومن خارج هذه التشكيلات. كما كان مخططا له ومعلنا، رفعت الأمانة العامة للحوار مخرجات عمل بعض لجانه إلى رئيس الجمهورية الذى شكر من صاغوها عليها وأعلن أنه سيحيلها إلى الجهات المعنية «لدراستها وتطبيق ما يمكن منها» فى إطار صلاحياته القانونية والدستورية، كما أنه سيتقدم «بما يستوجب منها التعديل التشريعى إلى مجلس النواب لبحث آلياتها التنفيذية والتشريعية».
 
المادة 122 من الدستور تمنح رئيس الجمهورية الحق فى التقدم بمقترحات قوانين إلى مجلس النواب مباشرة، وهو ما لا يمنحه دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية الصادر فى 1958، المؤسس لنموذج النظام شبه الرئاسى، لرئيس الجمهورية الفرنسية. يستطيع رئيس الجمهورية بالتالى أن يصيغ مخرجات الحوار الوطنى أو بعضها فى شكل قوانين يحيلها لمجلس النواب أو قد يختار أن يترك ذلك للحكومة أو لأعضاء مجلس النواب الذين يحق لها ولهم أيضا التقدم بمقترحات القوانين بمقتضى نفس المادة من الدستور. أيا كان السبيل الذى يسلك لاستخدام الآليات التشريعية، فإنه من الضرورى أن تؤدى هذه الآليات وتلك التنفيذية كذلك إلى تحويل عدد معتبر من مخرجات الحوار إلى واقع مطبق وملموس. ما لم يحدث ذلك فإن المعارضة التى شاركت فى الحوار ستفقد مصداقيتها وتتقوض أحزابها، أو أنها ستبتعد عن نظام الحكم وتنعدم لديها أى حجج للحوار معه. وهذا بالطبع بافتراض اتفاق المعارضة على مخرجات الحوار الوطنى واعتبارها تمثل ما أثارته من قضايا وما أبدت به من آراء ومقترحات فى جلسات الحوار. فى المعارضة ذات المصداقية تعزيز لشرعية أى نظام للحكم خاصة فى أوقات الأزمات والضوائق الاقتصادية والسياسية. وبمنطق المخالفة، فى غيبة المعارضة ذات المصداقية، تقويض لأى نظام للحكم خاصة فى أزمان الأزمات ومعاناة الناس.
 
المواطنون يترقبون. هم ينتظرون من الدولة أن تتخذ القرارات الضرورية لمواجهة أزمة الدين العام الخارجى والداخلى، ولتحسين ظروف المعيشة، وللتصدى فى الوقت نفسه للمسألة الاقتصادية المصرية الأعمق قديمة الأصل. والمواطنون يتوقعون من الدولة أيضا أن تنظم انتخابات حرة، عادلة ونزيهة، وأن تحول نتائج الحوار الوطنى المعبرة عن كل ما دار فيه إلى واقع مطبق ملموس حتى تؤمن رشادة عملية اتخاذ القرار، ولينفتح النظام السياسى، وتتعزز بذلك شرعيته.
 
حالات الترقب الثلاث التى تعيشها مصر مرتبطة ببعضها البعض. المستقبل يتوقف على التعامل معها فى الوقت نفسه بجدية وكفاءة وفاعلية.
 
إبراهيم عوض 
أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة 
 

أحدث الأخبار

الموت يفجع شمس البارودي
18:00 06.12.2023
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ بمنطقة إيلات
17:30 06.12.2023
عائلات رهائن إسرائيليين تطالب باستئناف المفاوضات للإفراج عن أولادها
17:00 06.12.2023
تركيا ترفض "المنطقة العازلة" في غزة
16:26 06.12.2023
ميرزاييف: مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة طرحت العديد من مبادرات أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة
14:39 06.12.2023
علييف: أذربيجان نجحت في إحلال السلام في المنطقة
13:26 06.12.2023
كيف تناولت الدراما العربية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
كيف تناولت الدراما العربية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
13:00 06.12.2023
علييف: كان هناك الكثير من الأرمن في قراباغ الذين لم يراعوا مبادئ القانون الدولي
11:59 06.12.2023
نتنياهو لا يرفض قطعياً صفقة تُفرغ سجونه من الفلسطينيين
11:09 06.12.2023
تدهور العلاقات بين إسرائيل والمنظمات الأممية
10:42 06.12.2023
تحذير خليجي- تركي من تمدد الحرب في غزة إلى صراع إقليمي
10:30 06.12.2023
مبادرة عربية لنشر الإرث التاريخي والثقافي لفلسطين في المكتبات الصينية
10:00 06.12.2023
السعودية تخفض أسعار تصدير النفط إلى آسيا
09:35 06.12.2023
أحزاب المعارضة التركية ترفض العودة للتحالفات في الانتخابات المحلية
09:20 06.12.2023
ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلي 16 ألف
09:00 06.12.2023
طرح الإعلان الترويجي الأول للعبة GTA 6
18:00 05.12.2023
الصحة العالمية : أنفلونزا الطيور تتفشى في 4 دول أوروبية
17:00 05.12.2023
إصابة عدد من الإسرائيلين إثر قصف صاروخى استهدف عسقلان
16:36 05.12.2023
أردوغان: نتانياهو يخاطر بمستقبل المنطقة بأسرها
16:00 05.12.2023
الرئيس الإيراني يزور روسيا
14:45 05.12.2023
انطلاق أعمال الجلسة الإفتاحية للقمة الخليجية الـ44 - مباشر
13:51 05.12.2023
موريتانيا... سجن الرئيس السابق 5 سنوات بتهمة غسل الأموال
13:26 05.12.2023
إسرائيل تكشف عدد الرهائن في غزة
13:00 05.12.2023
واشنطن: لا نتوقع قصف المناطق الآمنة في غزة
12:22 05.12.2023
رئيس الإمارات وملك المغرب يؤكدان ضرورة التحرك الدولي لوقف إطلاق النار في غزة
12:00 05.12.2023
تحذير من فوضى في قطاع الطاقة نتيجة دعوات التخلي عن النفط
11:30 05.12.2023
بوتين يزور السعودية والإمارات لمحادثات بالغة الأهمية
11:00 05.12.2023
النيجر تنهي الشراكات الأمنية والدفاعية مع الاتحاد الأوروبي
النيجر تنهي الشراكات الأمنية والدفاعية مع الاتحاد الأوروبي
10:00 05.12.2023
الحوثيون يتبنون هجوماً جديداً على سفينتين إسرائيليتين
09:19 05.12.2023
130 مواطنا تركيا يعبرون مع ذويهم من غزة إلى مصر
09:00 05.12.2023
رسميا.. إطلاق «زووم» على منصة Apple TV
18:00 04.12.2023
بوريل يحث إيران على استخدام «تأثيرها» لتجنب التصعيد في الشرق الأوسط
17:00 04.12.2023
وزير الدفاع المصري: القضية الفلسطينية تواجه منحنى شديد الخطورة
16:40 04.12.2023
أردوغان: نتانياهو سيُحاكم كمجرم حرب
16:22 04.12.2023
وول ستريت جورنال: هجمات الحوثيين تثبت فشل إدارة بايدن
16:00 04.12.2023
تورال إسماعيلوف: أرمينيا لا تزال متمسكة بسياسة "الإحتلال"
15:37 04.12.2023
إسرائيل تستأنف محاكمة نتانياهو
13:20 04.12.2023
أوزبكستان واحدة من أهم مواقع السياحة الدينية في العالم
أوزبكستان واحدة من أهم مواقع السياحة الدينية في العالم
12:30 04.12.2023
من ليبيا إلى قراباغ.. الطائرات المسيرة تغير شكل الحروب في العالم
11:12 04.12.2023
قروض الصين للدول النامية ـ استثمار اقتصادي أم ديون معدومة؟
11:00 04.12.2023
جميع الأخبار