يبدو أن الثورة التقنية الحالية والمستمرة وما أدت اليه من إنفتاح كبير عبر وسائل التواصل الإجتماعي قد دعت الى ضرورة إعادة التفكير في مسائل خاصة بالهوية الوطنية والدينية في ظل حالة إنفتاح الحدود والثقافات والهويات عبر الإنترنت وهو الامر الذي يقتضى إعادة الحديث حول تجديد الخطاب الديني والتمسك بالمبادىء الدينية في ظل الأفكار المتداخلة والثقافات المعولمة في إطار فضاء إفتراضي يسمح بكل شىء.
لاشك أن مسألة تجديد الخطاب الديني لا تعني تغيير الثوابت الدينية أو القفز على المبادىء الراسخة لديننا الحنيف، بل الأمر يتعلق بكيفية توظيف الدين للتعامل مع مخاطر الثقافات المتعددة التي أفرزتها الشبكات الإجتماعية، الى جانب الدور الوقائي للدين في حماية الأخلاق والقيم لدى الشباب في كافة بقاع العالم العربي من تهديدات ثقافية وأطروحات فكرية غير متزنة بل وهويات بديلة يتم استيرادها عبر الفضاء الإلكتروني وهى أمور تمثل تهديدا للتماسك الإجتماعي والهوية الثقافية والدينية للمجتمعات العربية.
ولاشك أن مخاطر الفضاء الإلكتروني خاصة ما يرتبط بثورة الذكاء الإصطناعي والتي أتاحت حياة إفتراضية جديدة للأجيال القادمة مما شكل تهديداً كبيراً للحياة المجتمعية والهويات الثقافية، بل تجاوز الأمر ذلك ليصل الى الجرائم المستحدثة عبر التقنيات الحديثة والتي تمثل جرائم عابرة للحدود الوطنية من خلال إستخدام التقنيات الرقمية الحديثة.
وفي ضوء ذلك يمكن استدعاء التجربة الإماراتية والتي سعت لتقديم تجربة رائدة في مجال تجديد الخطاب الديني تتمثل أبرز ملامحها في التمسك بالهوية الدينية من خلال الحفاظ على الثوابت القيمية والأخلاقية مع الإنفتاح الحذر على الثقافات الأخرى وتبادل الأفكار والرؤى دون أن يترك ذلك تأثيراً سلبياً لدى الأجيال الجديدة، وهى إستراتيجية تمثل تجربة حضارية بين الإنفتاح والتمسك بالهوية الدينية مما يعني الإفادة من كافة مزايا وإيجابيات الشبكات الإجتماعية والذكاء الإصطناعي مع الضبط الأخلاقي والمجتمعي للحفاظ على الهوية الثقافية والدينية والمجتمعية للشباب والاجيال الجديدة.
جملة القول، إذا كانت الثورة الرقمية الحديثة قد أحدثت تصدعات كبيرة في الهويات الثقافية والنظم القيمية خاصة في الدول العربية، فإن مسألة تجديد الخطاب الديني للتعامل مع تلك الآثار صار أمراً ملحاً في ظل توظيف التعاليم الدينية والتي تحرص على الحفاظ على النفس وعدم الإضرار بالآخرين مع حرص التعاليم الدينية على التعامل مع الثقافات الأخرى بل والسعى نحو التعلم وإكتساب المعرفة دونما تأثيرات ومخاطر أخلاقية على المجتمعات والهويات الإنسانية.
د. أميرة عبد الحكيم
كاتبة وباحثة