جرنيكا

مقالات 14:00 23.11.2023

فى منتصف العقد الثالث من القرن الماضى كانت أوروبا وكأنها قابعة على فوهة بركان على وشك أن يثور. بدأت ألمانيا تتمرد على الشروط المهينة المجحفة التى فرضت عليها فى معاهدة فرساى، وبدأت تتسلح من جديد ووصل هتلر والحزب النازى إلى الحكم ومن قبله وصل موسولينى وحزبه الفاشى إلى الحكم فى إيطاليا. فى وسط هذه الأجواء تفجرت أولى شرارات البركان فى عام 1936 فى إسبانيا بوصول حكومة اشتراكية يسارية إلى الحكم، رفضتها القوى الملكية واليمينية وانقلب عليها الجيش بقيادة الجنرال فرانكو ذى النزعات الفاشية، فاندلعت الحرب الأهلية بين الطرف اليسارى الذى وصل إلى الحكم بالانتخابات والذى يدعو إلى الجمهورية والطرف اليمينى الملكى.

سببت الحرب قلقا كبيرا على الساحة الدولية وتفاعلا شعبيا خوفا من أن تسود الفاشية فى بلد أوروبى كبير ثالث بعد ألمانيا وإيطاليا مما يخل بتوازنات القوة، وأبدت فرنسا وبريطانيا ترددا فى تقديم الدعم ضد القوى الفاشية خوفا من استفزاز ألمانيا من جانب وخوفا من دعم القوى الاشتراكية من جانب آخر، إلا أن المتطوعين تدفقوا على إسبانيا لدعم القوى الجمهورية ومنهم رموز أدبية معروفة منهم أندريه مالرو من فرنسا، وجورج أورويل من بريطانيا، وإرنست همينجواى من الولايات المتحدة. وفى الولايات المتحدة تشكل لواء لنكولن Lincoln Brigade من أعضاء الحزب الشيوعى ومن الناشطين فى نقابات العمال وذهب ليقاتل مع الجانب الجمهورى بقيادة Robert Hale Merriman، وهو طالب يدرس الدكتوراه فى جامعة بيركلى ذو ميول يسارية قتل فى الحرب، ومن المفارقات أنه كان صديقا مقربا من العالم النووى Robert Oppenhiemer أبو القنبلة النووية الأمريكية. وقد كانت هذه الصداقة من القرائن التى اتخذها السيناتور جوزيف مكارثى لمحاكمة أوبنهايمر ضمن سلسلة المحاكمات التى سادت من بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضى خلال الحملة المحمومة التى شنها ضد الشيوعية. ومن جانب آخر لم يتوانَ الاتحاد السوفيتى عن دعم الجمهوريين بالسلاح وبالمستشارين العسكريين.

من جانبها، أرسلت ألمانيا فيلق النسر Condor Legion الذى كان نواة لسلاح الطيران الألمانى Luftwaffe الذى أثار الرعب خلال الحرب العالمية الثانية والذى شكلته ألمانيا فى السر مخالفة لبنود معاهدة فرساى، ويتكون الفيلق من 21 طائرة تحت قيادة Wolfram Von Richthofen وهو ابن عم الطيار الألمانى الأسطورى Manfred Von Richthofen الذى لقب بالبارون الأحمر خلال الحرب العالمية الأولى.

فى عام 1937 تعثرت محاولات القوات الملكية فى الاستيلاء على مدينة Bilbao الاستراتيجية عاصمة إقليم الباسك بسبب دفاعات مدينة Guernica الحصينة. وفى يوم 26 إبريل عام 1937 قام فيلق النسر بغارة على جرنيكا استمرت ثلاث ساعات أسقط خلالها 22 طنا من القنابل. استغلت الآلة الإعلامية للحلفاء الغارة لتشويه صورة ألمانيا ودمغها بجريمة الحرب وركزت على إظهار بربرية وقسوة القصف الجوى وذكرت أن عدد ضحايا الغارة بلغ 1700 فى حين أن دراسات المؤرخين اللاحقة أكدت أنه لم يتجاوز 153 قتيلا.

استمرارا للحملة على ألمانيا كلفت حكومة الجمهوريين الفنان الإسبانى الشهير بابلو بيكاسو برسم صورة تمثل معاناة ضحايا القصف الجوى مقابل 130 ألف فرنك دفعتها فرنسا وبريطانيا نيابة عن حكومة الجمهوريين الإسبانية التى كانت تعانى من أزمة مالية طاحنة بسبب الحرب.

رسم بيكاسو اللوحة التى أطلق عليها اسم جرنيكا وهى لوحة عملاقة بلغ حجمها 777.6 × 343.3 سنتيمتر، استخدم فيها اللونين الأسود والأبيض دون غيرهما لتعطى انطباعا بالكآبة والحزن والمواجهة بين الخير والشر؛ وصور فيها امرأة تحتضن جثة طفل ورجلا رافعا يديه للسماء لتصوير المعاناة والبؤس، ورسم فيها ثورا وجوادا تعبيرا عن معاناة الحيوانات فى حلبات مصارعة الثيران التى تقام فى إسبانيا.

عرضت اللوحة فى جناح إسبانيا فى معرض باريس الذى انعقد تحت شعار «الفن والتقانة والحياة الحديثة» فى عام 1937، وجاء وضعها وكأنه تحدٍ مقصود لألمانيا التى يقع جناحها مقابل الجناح الإسبانى. وجدير بالذكر أن هتلر كان مترددا فى مشاركة ألمانيا فى المعرض إلا أن ألبرت سبير وزير الإنتاج والمعمارى الأول للرايخ الثالث أقنعه بالمشاركة وأنه سيضم جناحا يبهر به العالم وقد كان.

وبعد انتهاء المعرض ذهبت اللوحة فى جولة شملت الدول الإسكندنافية وبريطانيا ثم الولايات المتحدة حيث استقرت فى متحف التاريخ الحديث فى نيويورك، بعد أن رفض بيكاسو والجمهوريون عودتها إلى إسبانيا طالما بقى فرانكو فى الحكم. وبعد وفاة فرانكو فى عام 1975 عادت لوحة جرنيكا إلى إسبانيا فى عام 1981 لتعرض فى متحف البرادو العريق ثم انتقلت فى عام 1992 إلى متحف الملكة صوفيا الجديد فى مدريد.

ظلت الولايات المتحدة تنفخ فى قصة جرنيكا، ففى عام 1985 كلف المليونير والسياسى الأمريكى نلسون روكفلر، الذى كان نائبا للرئيس جيرالد فورد وجاء بلا انتخاب مثل رئيسه عقب قضية ووترجيت، شركة فرنسية لصنع نسخة منسوجة Tapestry لجرنيكا تبلغ مساحتها 610 × 671 سنتيمتر تم وضعها فى قاعة مجلس الأمن فى الأمم المتحدة بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بيريز دى كويلار وروكفلر وزوجته. لعلى أتساءل لو بقى بيكاسو الذى توفى فى عام 1973 هل كان سيرسم لوحة تصور معاناة غزة التى ألقى عليها قنابل زنتها 15 ألف طن من المتفجرات مقابل 22 طنا ألقيت على جرنيكا وبلغ عدد ضحاياها 11 ألف قتيل مقابل 153 فى جرنيكا واستمرت الغارات عليها أربعين يوما مقابل ثلاث ساعات على جرنيكا؟

أشك كثيرا أنه كان سيفعل فقد تلقى الثلاثين قطعة فضية على عمله. وهو لم يرسم لوحة لضحايا القنابل الذرية فى هيروشيما وناجازاكى أو ضحايا هامبورج ودرسدن فى ألمانيا أو ضحايا القصف الوحشى لفيتنام.

والسؤال الآخر الذى يراودنى بإلحاح هل إذا قام فنان عربى أو غير عربى بإبداع لوحة أو جدارية عن المذابح التى جرت فى غزة وأهداها إلى الأمم المتحدة، فهل تقبل بعرضها فى قاعة مجلس الأمن أم تتدخل الولايات المتحدة التى تستخدم حقها فى النقض لمنع عرضها كما تستخدمه لمنع وقف إطلاق النار وإيقاف أنهار الدم التى تسيل؟

محمد عبدالمنعم الشاذلي 

عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية 

سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار