تشكل أوزبكستان مصدر جذب واهتمام لجميع شعوب العالم، وذلك لما تمتلكه من تاريخ عريق موغل في القدم جعلها ثرية بتراثها وآثارها ومعالمها الثقافية الفريدة، حيث تعد أوزبكستان وجهة مهمة للسياح بما تمتلكه من مصادر جذب وإبهار بطيعتها الساحرة، ومناخها المتنوع، كما ترك تاريخ البلاد العريق أثره الواضح علي ثقافة شعب أوزبكستان والذي انعكس في تنوع فنونها الشعبية وتراثها الشعبي من ملابس وأزياء وعادات وتقاليد وقيم، إلي جانب المطبخ الأوزبكي المتنوع الفريد العامر بأصناف عديدة من الأطعمة الشهية. إلي جانب العديد من العلماء والمفكرين الذين قدموا إسهامًا كبيرًا في تطوير الحضارتين الإسلامية والعالمية. ومن المؤكد أن المساجد القديمة والمدارس الدينية واستراحات القوافل التجارية المزينة بألوان الفيروز "كروان سراي"، التي شكلت أهم المراكز التجارية والحضارية علي امتداد طريق الحرير القديم، كلها معالم تأسر قلوب ونفوس السياح، بالإضافة إلى الإمكانات السياحية الكبيرة التي وفرتها أوزبكستان خلال السنوات الأخيرة.
ساهم العديد من العوامل والإجراءات التي اتخذتها أوزبكستان خلال السنوات الأخيرة في جذب الكثير من السياح، حيث يوجد اهتمام كبير علي مختلف المستويات بتطوير قطاع السياحة، يأتي علي رأسها المرسوم الصادر عن رئيس أوزبكستان حول إجراءات التطوير المستمر للسياحة، والذي يشكل أساسًا قانونيًا ترتكز عليه كافة المؤسسات في الدولة للسعي في تطوير منظومة العمل السياحي، وكان من بين تلك الإجراءات، إلغاء نظام تأشيرات الدخول للأشخاص القادمين من العديد من الدول حول العالم، كما تم عقد المنتدى الدولي الأول للمزارات للسياحة في بخارى، خلال الفترة من 21 إلى 23 فبراير 2019. والذي شارك فيه العديد من العلماء المسلمين، إلي جانب المختصين في مجال السياحة من أكثر من 130 دولة حول العالم. وقام بتغطية فعاليات المنتدى على نطاق واسع أكثر من 20 من وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت فى العالم. وفي "إعلان بخارى" الذي تم تبنيه في نهاية الفعاليات، تم الاعتراف بأوزبكستان باعتبارها واحدة من مراكز السياحة الدينية في العالم. الأمر الذي ساهم بشكل كبير في زيادة عدد السياح الوافدين لأوزبكستان من إندونيسيا خلال عامى 2018، 2019 بنسبة 170٪، ومن ماليزيا بنسبة 158٪، ومن تركيا بنسبة 154٪، ومن الإمارات العربية المتحدة بنسبة 153٪. في عام 2018، كما تم إقامة علاقات الشراكة الوثيقة مع وكالة Crescent Rating، السياحية العالمية الشهيرة، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها.
أقامت أوزبكستان قنوات تواصل مع المؤسسات والأفراد المؤثرين في جذب السياح إلي البلاد، ومن بين هذه المؤسسات الدينية علي سبيل المثال، الإدارة الروحية لمسلمي سان بطرسبورج وشمال غرب روسيا، برئاسة الشيخ رافائيل بانشيف، حيث تم إقامة علاقات تعاون وترابط بين الإدارة الروحية لمسلمي سان بطرسبورج وشمال غرب روسيا مع إدارة مسلمي أوزبكستان، وذلك للعمل على تطوير الجهود في مجال السياحة الدينية وزيارة المواقع والمعالم الإسلامية في أوزبكستان، وقد انعكس ذلك بشكل إيجابي علي أعداد السياح المسلمين القادمين من روسيا إلي أوزبكستان لزيارة الأماكن الدينية والروحية المنتشرة في مختلف المدن، مثل بخارى وسمرقند وخوارزم وطشقند وترمذ، وغيرها. و في هذا الصدد يشير سونميز قوتلو، أستاذ علم اللاهوت في جامعة أنقرة قائلا: تشبه أوزبكستان متحفًا مفتوحًا تحت قبة السماء المكشوفة، وعند زيارة المسلمين إليها لن يشعر أحدهم بالغربة فى هذه الأرض، لأنها تشبه سائر بلاد المسلمين في مختلف أنحاء العالم من حيث العادات والتقاليد والقيم والطعام وغيرها.
طبقا للمؤشر العالمى الخاص بالرحلات الإسلامية، والذي تنشره مؤسستي Crescent Rating، Mastercard سنويًا، فقد صعدت أوزبكستان من المرتبة 32 إلى المرتبة 22 عالميًا، وتدخل ضمن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي باعتبارها الوجهة الأكثر جاذبية، وأمنا وتسامحا بالنسبة للسياح من بين أفضل 10 دول في العالم. كما أنه وطبقًا لتصنيف Crescent Rating، فإنه بحلول عام 2026 سوف يبلغ عدد المسافرين للسياحة الدينية في العالم 230 مليونًا. ووفقًا عند لتقديرات مركز بيو للأبحاث Pew Research Center، التى تشير إلى أنه بحلول عام 2050، سوف يبلغ عدد المسلمين حوالى 30% من اجمالي سكان العالم، عندئذ تتجلى أهمية تطوير السياحة الدينية في أوزبكستان بصورة أكثر حيوية.
بالتزامن مع إعلان مدينة بخارى "عاصمة الثقافة فى العالم الإسلامي" فى عام 2020، قامت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" بعقد العديد من المؤتمرات والمنتديات العلمية عبر شبكة الإنترنت. حيث تزايد الاهتمام من قبل ممثلي الحركات الصوفية في مختلف الدول الإسلامية وهو ما انعكس بشكل كبير علي حجم الزيارات التي تقوم بها تلك الحركات إلي أوزبكستان التي تعد مهد العديد من الجماعات الصوفية الكبيرة، مثل "إتي بير" والنقشبندية. ففي عامي 2018، 2019 شارك الكثير من أتباع الطريقة النقشبندية فى "مهرجان النقشبندية"، الذي يقام بصورة تقليدية وبشكل دوري، بالتعاون مع المركز الصوفي العالمي في ماليزيا. كما يمكن زيارة أضرحة ومكتبات ومعاهد العلماء الذين لهم اسهامات كبيرة في الحضارة الإسلامية، مثل الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الماترودّي، وبها الدين نقشبندي، وخوجة عبد الخالق جدواني، وغيرهم الكثير من العلماء والمفكرين الذين عاشوا في أوزبكستان وأضاءوا للعالم الإسلامي بعلمهم وفكرهم وجهدهم طريق العلم والهداية والرشاد.
لقد شهدت الفترة الأخيرة، تزايد أعداد السياح إلى المزارات الدينية بصورة مطردة، وذلك نتيجة للجهود التي قامت بها أوزبكستان خلال السنوات الأخيرة بتطوير البنية التحتية في البلاد بشكل عام مع التركيز علي التي تستهدف قطاع السياحة، حيث تم تنفيذ الكثير من أعمال البناء وإعادة الإعمار علي نطاق واسع، وادخال تقنيات المعلومات الحديثة في مختلف القطاعات السياحية ووسائل النقل والفنادق والمطاعم والحدائق وتطوير قطاع المصارف، وبناء المتاحف والمكتبات الجديدة.
اهتمت أوزبكستان بالسياحة الدينية بشكل عام وبالإسلامية بشكل خاص، باعتبارها أحد أهم مراكز الحضارة الإسلامية، حيث تسعي إلى جذب السياح من الدول الإسلامية، لزيارة المعالم الدينية والتاريخية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد. وفي هذا السياق فقد عملت الدولة علي تهيئة كافة الظروف والعوامل التي من شأنها جذب السياح المهتمين بهذا النوع من السياحة، فعملت علي تطوير كافة المرافق والقطاعات السياحية العاملة في هذا المجال، حيث عملت علي اصدار شهادات الأطعمة الحلال للفنادق والمطاعم، وإنشاء الأماكن الخاصة للصلاة والوضوء في المطارات الدولية ومحطات السكك الحديدية في مختلف أنحاء البلاد، وتشجيع شركات السياحة علي تنظيم برامج ميسرة من أجل جذب السياح.
وإذا كانت أوزبكستان تضع في مقدمة اهتمامتها السياحة الإسلامية، إلا أنها تعمل علي جذب السياح من معتنقي الديانات الأخري، حيث يعد وجود صروح التراث الثقافي لمختلف الأديان على أراضي البلاد أهم العوامل المهمة التي تساهم في التطوير الشامل للسياحة الدينية، خاصة وأنها تحتضن العديد من المعالم الدينية التي يبلغ عددها نحو 622 موقعًا للتراث الثقافي تناسب السياحة الدينية، تشمل 595 موقعًا إسلاميًا، 19 موقعًا للمسيحية، 8 للبوذية. حيث يشير يون يونج هي، مدير منظمة تشوج البوذية في كوريا الجنوبية، أنه يوجد في بلاده العشرات من وكالات السفر العاملة التى تقوم بتنظيم العديد من الرحلات للبوذيين إلى العديد من الدول الأخرى، وقد تم اكتشاف أوزبكستان خلال السنوات الأخيرة كإحدي الجهات المهمة التي يمكن زيارتها.
تهدف أوزبكستان إلي أن تكون مصدر جذب عالمي في هذا مجال السياحة الدينية، وأن تصنع لنفسها علامة تجارية خاصة بها تجعلها رائدة في مجال السياحة الدينية. وفي هذا الشأن فقد تم بذل الكثير من الجهود للترويج للسياحة في أوزبكستان من خلال تنظيم المعارض والمؤتمرات في العديد من دول العالم، منها دبي، وألانيا في تركيا، وقازان، وجاكرتا وسنغافورة. وكذلك تم تنظيم حملة مكثفة للدعاية من خلال منصات وسائل الإعلام الأجنبية الشهيرة مثل Avaz TRT التركية، ومحطات Trans7، NetTV، SCTV الإندونيسية، ومحطة Al Hijrah الماليزية، وكذلك محطة HalalTrip فى سنغافورة، وغيرها. ونتيجة لذلك، فقد شمل تقرير Mastercard-Crescentrating Halal Travel Frontier 2020، الإعلان عن أوزبكستان للعالم باعتبارها الدولة التى أرست اتجاهًا جديدًا في سوق السياحة الإسلامية، وذلك عبر اعادة ترميم وتجديد تراثها الإسلامي العريق وتقديمه للزائرين القادمين من مختلف أنحاء العالم.
وفى سبيل التطوير المستمر للترويج للسياحة الدينية، اهتمت أوزبكستان بتقديم نفسها للعالم وخاصة في المجتمعات الإسلامية كواحدة من أهم الحواضر والمراكز الإسلامية العريقة، وما تمتلكه من موروث حضاري إسلامي، حيث تم تنفيذ حملات ترويجية ودعائية واسعة النطاق بانتظام عبر البعثات الدبلوماسية لأوزبكستان في الخارج. وإلي جانب إلغاء نظام التأشيرات، تم تطبيق بند يحمل اسم "سفير العلامة التجارية السياحية في أوزبكستان". وطبقا لذلك، حصل على لقب سفير السياحة الأوزبكية، العديد من الأشخاص في مناطق مختلفة من العالم، منهم، محمد عصري زين العابدين، من ماليزيا". حسيب الرحمن، من باكستان. إيكو سري مارجيانتي، من إندونيسيا. هاي دافيدوف، من إسرائيل، صوفي إيبوتسون، من بريطانيا. حيث يقوم "سفير السياحة الأوزبكية" بعمل هام لتعزيز الصورة الإيجابية لأوزبكستان في الدول التي يعيشون فيها، وذلك عبر نشر المقالات وعقد مختلف المقابلات في وسائل الإعلام المحلية، لجذب السياح إلى أوزبكستان.
تركت جائحة الفيروس التاجي تأثيرها السلبي على صناعة السياحة. ومع ذلك، عملت أوزبكستان خلال تلك الجائحة بشكل منهجي على تطوير صناعة السياحة في البلاد في سياق الوباء، وعلى زيادة أعداد السياح الذين يزورون البلاد للتخفيف من الوضع المرتبط بالوباء. وذلك من خلال تهيئة الظروف الملائمة ووسائل الراحة الخاصة بزيارات السياح المنطاق والمعالم السياحية، كما استفادت من فترة الإغلاق التي شملت العديد من دول العالم لإعادة بناء المرافق السياحية، وتجهيز المطاعم والفنادق بأحدث التجهيزات، وإعداد مواقع الرحلات السياحية.
لقد أصبحت أوزبكستان ضمن عداد الدول الرائدة بالعالم في تطوير جميع مجالات السياحة ومصدر جذب مهم للسياح من مختلف أنحاء العالم. ولذلك تعمل باستمرار من أجل المنافسة بقوة عالميًا في هذا القطاع الحيوي الذي يتطلب البحث المستمر والاستثمار، والاستخدام الفعال للتقنيات الحديثة. والعناية بالتراث التاريخي والحضاري والثقافي والحفاظ عليه وصيانته. وتقديرًا للمكانة التي وصلت إليها أوزبكستان في مجال السياحة، وبروزها خلال السنوات القليلة الماضية كأحد أهم المقاصد علي خريطة العالم السياحية، فقد حظيت باستضافة اجتماعات الدورة الخامسة والعشرين لمنظمة السياحة العالمية، والتي تشكل الحدث الأبرز في مجال السياحة عالميًا خلال الفترة من 16 إلي 20 أكتوبر 2023، الأمر الذي لفت أنظار العالم إليها وإلي امكاناتها السياحية، ولذلك فمن المتوقع زيادة تدفق المزيد من السياح إليها، خاصة أن أوزبكستان تتمتع بالعديد من المزايا الفريدة التي تسهم في تحقيق أهدافها للدخول ضمن أفضل الوجهات السياحية في العالم.
بقلم: أحمد عبده طرابيك