ثلاثة أيام في القاهرة

مقالات 11:00 25.02.2024

نظّمت «مؤسسة البابطين» الثقافية ندوة فكرية في القاهرة الأسبوع الماضي، كان عنوانها «ثقافة السلام العادل»، وهي اللقاء الثالث في سلسلة اللقاءات التي احتضنتها المؤسسة على المستوى العربي والعالمي لإشاعة حوار السلام، وكان اللقاء مناسبة لتذكر المؤسس المرحوم عبد العزيز البابطين، الرجل الذي رحل عنا منذ أشهر خلت، بعد عمل ثقافي واجتماعي ثري، عمل في حياته جاداً لنشر الثقافة. ومن بعض جهوده الثقافية التي عرفت بها المؤسسة في الداخل الكويتي وفي الخارج سلسلة مميزة لتعليم أبناء دول آسيا الشرقية المسلمة، إلى كرسيّ للغة العربية بجامعة أكسفورد في بريطانيا، من بين مشاريع أخرى.

      أجمع محبو الفقيد على مناقبه الخيرة وأياديه البيضاء في دعم الأعمال الثقافية ورعاية الآلاف من الطلبة في مراكز العلم المختلفة. وبقاء المؤسسة تقدم خدماتها بعد وفاته يعني أن العمل الجليل مستمر في رفد الثقافة العربية باجتهادات تنويرية تضيف إلى المسيرة الخيرة.

      لذلك، فإن اللقاء احتوى على تقديم أوراق مختلفة للمناقشة بين الحضور المتميز الذي أمّ الملتقى القاهري، فكانت عناوين الجلسات؛ السلام والتنمية السياسية، السلام والتنمية المؤسسية، وأيضاً التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كل تلك الأوراق الغنية سوف تتاح للجمهور في كتاب يصدر قريباً من المؤسسة، وعلى موقعها الإلكتروني.

      حضر اللقاء مجموعة من المهتمين والمتخصصين، من دول مختلفة، تشمل تقريباً القارات الخمس، لذلك كانت الخبرات متنوعة، والحصيلة العلمية متميزة في إثراء النقاش والخروج بتوصيات لها علاقة بهموم الأمة ومستقبلها.

      مثل هذا اللقاء الذي تنظمه مؤسسة أهلية ذاتية التمويل من المظاهر القليلة في وطننا العربي، وذلك يعني أنه ليست وراء اللقاء أجندات مخفية أو خاصة. إنما الهدف هو خدمة الحقيقة والعلم، أو على الأقل الاجتهاد في البحث عن حلول لما يواجهه العرب من قضايا. ومن نافلة القول؛ أن يتبنى أهل اليسر العرب مثل هذه المشاريع التي تضيف إضافة حضارية نافعة.

      القاهرة كانت هي المكان الصحيح لإقامة هذا الملتقى في هذه الفترة الزمنية ذات الحساسية، حيث تحتضن لقاءً حوارياً مفتوحاً في قضايا هامة، وهي تواجه مسيرة حرب شعواء تشن قريباً من حدودها في غزة، لذلك أخذ الجانب الفلسطيني حيزاً في نقاش المجتمعين انصب على عدالة القضية الفلسطينية من جهة، وعلى أهمية رأب الصدع في البيت الفلسطيني، الذي بسبب تشرذمه فقد كثيراً من قدرته على التأثير في المجال الدولي، وأيضاً فكّ ارتباطه بمشاريع إقليمية، ليس من أولياتها الوصول بالحقوق الفلسطينية إلى بر الأمان. أما الموقف الدولي المريب لما يسمى «المجتمع الدولي» حول القضية فلا تعنيه كثيراً معاناة عشرات الآلاف من الفلسطينيين. والسؤال؛ هل ذلك نقص في مسار الجانب الاتصالي من الجانب العربي - الفلسطيني في مخاطبة الرأي العام؟ فالغرب لأسباب مصلحية مختطف لسردية تاريخية عششت في عقول المجتمعات الغربية، وهي «اللاسامية»، ونجحت الماكينة الصهيونية في ربط اللاسامية بإسرائيل، وهو ربط للعاقل المتبصر محض مصطنع، إلا أنه غارق في وجدان المواطن الغربي، كما أن قرار «الجمعية العامة للأمم المتحدة» رقم 3379 الصادر في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1977، الذي قرر أن «الصهيونية حركة عنصرية»، قد التُف حوله بعد ذلك وأُبطل عام 1991، بعد بدايات ضبابية لدولة فلسطينية، وكان ذلك فخاً دبلوماسياً دخله البعض من دون تبصر.

      تلك قضايا لا مجال للإجابة عنها بخفة أو من خلال موقف عاطفي، إنما تحتاج إلى دراسة معمقة، وأخذ خطوات عملية لمحاولة اقتلاع خرافة اللاسامية وربطها تلقائياً بإسرائيل، حيث نتج عن ذلك إعطاء إسرائيل بطاقة ذبح مجانية للفلسطينيين، وهو أمر رهيب مقزز، يحدث أمامنا اليوم.

      تلك الحرب الشعواء تشغل القاهرة سياسياً واقتصادياً حتى فكرياً، فمصر كانت الأقرب إلى القضية، وتملك حدوداً مع فلسطين التاريخية، وتملك شريان التواصل البحري بين الشرق والغرب (قناة السويس) التي تضررت بسبب قراصنة البحر الأحمر، ومع كل الجهد المبذول من الدولة المصرية ما زالت تواجه جيوباً من النكران من جهة، ومن المزايدة من جهة أخرى للتشكيك في دورها المحوري السياسي والاقتصادي والتاريخي، فكانت فرصة في هذا اللقاء لتصحيح بعض ما يدعيه المرجفون عن الدور المصري، ومع الأسف فإن شريحة من الرأي العام العربي أصبحت مختطفة من وسائل الإعلام التواصلية الحديثة، وعادة يصدق الناس ما يرغبون أن يصدقوه، خاصة أنه لاقى هوى في أنفسهم، نتيجة نقص في المعلومات أو تحيز مسبق، حتى تزوير في تلك المعلومات في ساحة الصراع المحتدم السياسي والاقتصادي والثقافي الذي نشهده على مساحة الشرق الأوسط الكبير.

      المعضلة التي تواجه مجتمعاتنا اليوم، أي منها أكثر تأثيراً في الجمهور؟ هل هو الحديث العقلاني والمؤيد بالحقائق المنطقية، أم بتلك الكلمات القليلة والمبنية على العواطف التي يسردها البعض في وسائل التواصل الاجتماعي السريعة من دون بينة أو اعتماد حقيقة؟ هي معضلة تواجه كثيراً من المجتمعات، بعضها اتجه إلى مصفوفة عقابية لمواجهة هذا السيل من التضليل، لكن هذه الوسيلة تبقى محدودة في نطاق جغرافي محصور، فالبعض من خارج الحدود يستخدم تلك الوسائل لأغراض التشويش، لا يطاله القانون المحلي. والبعض يرى القيام بعملية «وقاية معرفية»، وربما هو الأقرب إلى المنطق، أي تبني برنامج تثقيفي للجمهور العام، يسلحه بالحقائق الموضوعية، ويفتح أمامه التفكير المنطقي السليم، فكم من التزييف يأتي في طيات مصفوفة تبدو مقنعة للوهلة الأولى للمتلقي، وفي طياتها كثير من الدس.

      لقد كانت فرصة للكثيرين الذين حضروا إلى القاهرة، وبعضهم قد انقطع عنها لسنوات لملامسة الجهد التنموي الذي يجري في هذه العاصمة العربية الحيوية، التي ما زالت منتدياتها تنبض بالحيوية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب لمّ الشمل مع صداقات عن بعد تجددت عن قرب.

      لقد حقق «منتدى البابطين للتنمية والسلام» أهدافه، فمن جهة كانت مشاركة نشطة من مؤسسة وطنية خاصة احتضنت فكر المؤسس في الحوار والقرب، ومن جهة أخرى ألقي الضوء على أهم ما يشغل العقل العربي اليوم من قضايا، كل ذلك تم في جوّ من الحوار البناء، مع نخبة متميزة من العقول.

      آخر الكلام... لابن عطاء الله السكندري كتاب «التنوير في إسقاط التدبير»، ما أحوجنا إلى ذلك اليوم.

محمد الرميحي

أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت. مؤلف عدد من الكتب حول مجتمعات الخليج والثقافة العربية. رئيس تحرير مجلة «العربي» سابقاً، ومستشار كتب «سلسلة عالم المعرفة». شغل منصب الأمين العام لـ«المجلس الوطني للثقافة» في الكويت، وعضو عدد من اللجان الاستشارية في دولة الكويت. مساهم بنشر مقالات ودراسات في عدد من الصحف والمجلات المختصة والمحكمة.

 

 

 

سامي الحاج: "أذربيجان ستكون إحدى الدول الرائدة في العالم"

أحدث الأخبار

بيان صحفي: ديمقراطية من؟ برلمان الشباب من أجل أهداف التنمية المستدامة ينظم فعالية في مكتب الأمم المتحدة
16:15 10.10.2024
تركيا تعلن توقيف عميل للموساد
19:00 04.09.2024
منظمات الإغاثة تحذّر من أزمة جوع تاريخية في السودان
18:00 04.09.2024
ممر زانجازور يعكر صفو التحالف الروسي ــ الإيراني
17:30 04.09.2024
فيلادلفيا... رد مصري حاد يزيد الضغط على نتنياهو
17:00 04.09.2024
بزشكيان يتحدث عن حاجة إيران إلى جراحات كثيرة
15:00 04.09.2024
رئاسة كوب 29 تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ
14:00 04.09.2024
تضامن خليجي مع مصر ضد استفزازات إسرائيل
13:00 04.09.2024
استقالات بالجملة في أوكرانيا تمهيداً لتعديل وزاري واسع
12:00 04.09.2024
بوتين في منغوليا متحديًا الجنائية الدولية
11:00 04.09.2024
السيسي يزور تركيا في أول زيارة له منذ توليه الحكم في مصر
10:00 04.09.2024
طالبان تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية
20:30 03.09.2024
زعماء أفارقة إلى الصين بحثاً عن استثمارات
20:00 03.09.2024
أونروا: تطعيم 87 ألف طفل ضد شلل الأطفال في مخيمات وسط غزة
19:30 03.09.2024
اليابان تحتج بعد دخول سفينة صينية مياهها الإقليمية
19:00 03.09.2024
الشيخة حسينة من رئيسة وزراء بنغلادش الى معضلة دبلوماسية للهند
18:30 03.09.2024
السعودية وقبرص تبحثان تعزيز التعاون في النقل والخدمات اللوجيستية
18:00 03.09.2024
التضخم السنوي في تركيا يسجل تراجعاً كبيراً في أغسطس
17:00 03.09.2024
الأمم المتحدة ستواصل التعامل مع طالبان في أفغانستان
17:00 03.09.2024
فنزويلا تفرج عن عشرات المراهقين الذين اعتقلوا خلال مظاهرات
16:00 03.09.2024
لماذا تشكل مدينة بوكروفسك الأوكرانية أهمية استراتيجية؟
15:00 03.09.2024
ماليزيا ونيوزيلندا تدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
14:00 03.09.2024
إصابة سفينتين تجاريتين بهجومين قبالة سواحل اليمن
13:00 03.09.2024
ارتفاع بورصات الخليج الرئيسية بفضل آمال خفض الفائدة
12:00 03.09.2024
اتفاقية شاملة للتعاون العسكري بين سوريا وإيران
11:00 03.09.2024
بوتاش التركية اتفقت مع شل على توريد الغاز المسال لمدة 10 سنوات
10:00 03.09.2024
مصر تؤكد لمجلس الأمن رفض السياسات الأحادية الإثيوبية حول سد النهضة
09:16 03.09.2024
روسيا تحيي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة بيسلان
19:00 02.09.2024
بولندا إحياء الذكرى 85 لاندلاع الحرب العالمية الثانية
18:00 02.09.2024
الجيش الصومالي يعلن سيطرته على منطقة هلجن الحدودية مع إثيوبيا
17:30 02.09.2024
إسرائيل تشهد إضراباً شاملاً تضامناً مع أهالي المحتجزين في غزة
17:00 02.09.2024
إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز معاهدة حظر الانتشار
16:30 02.09.2024
قطر للطاقة تشيد مجمعا عالميا لإنتاج سماد اليوريا
16:00 02.09.2024
تأكيد سعودي- قطري على تعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب
15:30 02.09.2024
خمسة مشاريع ضمن طرق الحرير الجديدة في أفريقيا
15:00 02.09.2024
الرئيس المكسيكي يختتم ولايته بإصلاح قضائي يثير التوتر مع واشنطن
14:00 02.09.2024
التحقيق النهائي في مروحية رئيسي يؤكد سقوطها لسوء الأحوال الجوية
13:00 02.09.2024
الإمارات تهنئ أوزبكستان بذكرى استقلالها
12:00 02.09.2024
مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن سد النهضة
10:00 02.09.2024
أردوغان يؤكد مضي تركيا قدما في تطوير مشروع القبة الفولاذية
21:00 01.09.2024
جميع الأخبار