فى عصر يتعرض فيه السلام والاستقرار العالميان لتهديدات متزايدة، عادت فكرة تشكيل تحالف عسكرى بين الدول الناطقة بالتركية على غرار حلف شمال الأطلسى (الناتو) إلى الظهور. جدوى إقامة هذا الناتو، والبنية المحتملة والآثار المترتبة على إنشاء مثل هذا التحالف، الذى يطلق عليه مبدئيًا اسم "الناتو التركى" أو "جيش توران"، خاصة فى ظل الديناميكيات الإقليمية التى تشمل القوى الكبرى مثل تركيا وإيران وروسيا.
تاريخيا، لعبت التحالفات العسكرية أدوارا محورية فى تشكيل المشهد الأمنى العالمى والإقليمى. فمن منظمة حلف شمال الأطلسى الناجحة إلى حلف وارسو المنحل، كانت لهذه الكتل فعالية وتأثير متباين. بالنسبة للدول الناطقة بالتركية، فإن الدافع لتشكيل كتلة عسكرية ينبع من عدم الاستقرار الإقليمى، بما فى ذلك الفقر والصراعات العرقية والتوترات الجيوسياسية. إن احتلال أرمينيا للأراضى الأذربيجانية، على الرغم من الاعتراف الدولى بهذه الأراضى باعتبارها أذربيجانية، يؤكد الحاجة إلى آلية دفاع قوية. وأظهر انتصار أذربيجان الحاسم فى حرب قراباغ عام 2020 إمكانية بذل جهد عسكرى موحد بين الدول التركية.
يمكن أن يضم التحالف فى البداية أذربيجان، وتركيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وجميعها دول تشترك فى روابط لغوية وثقافية. ومن الممكن أن تتوسع هذه المجموعة الأساسية فى نهاية المطاف لتشمل الدول الأخرى المهتمة الناطقة باللغة التركية.
سيكون هناك قيادة مركزية مشابهة لهيكل الناتو، إذ ستساهم كل دولة عضو بأفراد عسكريين وموارد عسكرية، مع تناوب مسئوليات القيادة بين الدول الأعضاء.
على غرار المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسى، يعتبر الهجوم على أحد الأعضاء هجومًا على الجميع، مما يضمن الدفاع الجماعى. الجهود المنسقة لمكافحة الإرهاب والتمرد والتهديدات العابرة للحدود. وتقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية داخل الدول الأعضاء. ونشر قوات مشتركة لمهام حفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة أو الولايات الإقليمية.
سوف يتطلب إنشاء وصيانة الحلف التركى استثمارات مالية كبيرة. واستنادا إلى ميزانية الناتو والقدرات الاقتصادية للدول الأعضاء المحتملة، تشير التقديرات الأولية إلى أن التكاليف السنوية يمكن أن تتراوح ما بين 1 إلى 3 مليارات دولار، اعتمادا على نطاق العمليات وحجم التدريبات المشتركة وتطوير البنية التحتية.
باعتبارها عضوًا فى حلف شمال الأطلسى وتمتلك جيشًا قويًا، فإن مشاركة تركيا ستوفر الخبرة الاستراتيجية والعملياتية. ومن الممكن أن تساعد تجربتها فى حلف شمال الأطلسى فى تشكيل هيكل الحلف التركي وتعزيز إمكانية التشغيل البينى مع قوات حلف شمال الأطلسى.
بسبب طموحات طهران وعلاقاتها الإقليمية المعقدة، فإن موقعها كقوة مجاورة سيتطلب مشاركة دبلوماسية حذرة لتجنب التصعيد وضمان الاستقرار الإقليمى.
باعتبارها قوة إقليمية مهيمنة تاريخيا، فإن رد روسيا على الكتلة العسكرية التركية سيكون حاسما. وسيحتاج التحالف إلى مواصلة تشكيله دون إثارة صراع غير ضرورى مع روسيا، وربما البحث عن قنوات دبلوماسية للحفاظ على توازن القوى.
لقد شهد العالم تحالفات عسكرية إقليمية من قبل، وإن لم يكن أى منها يوازى بشكل كامل حلف شمال الأطلسى التركى المقترح. على سبيل المثال، لدى مجلس التعاون الخليجى آلية للأمن الجماعى، لكن فعاليتها كانت محدودة. وقد شكل ميثاق الدفاع العربي المشترك التابع لجامعة الدول العربية نجاحًا متنوعًا إلى حد ما. ويتعين على منظمة الحلف التركى المقترحة أن تتعلم من هذه الأمثلة، وأن تضمن الإرادة السياسية القوية، والتمويل الكافى، والتنسيق الفعال بين الدول الأعضاء.
الاقتراح الخاص بتأسيس حلف عسكري تركى، رغم طموحه، يرتكز على الحاجة الاستراتيجية لتعزيز الأمن الإقليمى والتعاون بين الدول الناطقة باللغة التركية. ومع احتمال أن تلعب أذربيجان دورا قياديا، مدعوما بنجاحاتها العسكرية الأخيرة، فمن الممكن أن يقدم التحالف نموذجا جديدا للاستقرار الإقليمى. ومع ذلك، فإن التخطيط الدقيق، والاستثمارات الكبيرة، والبراعة الدبلوماسية ستكون ضرورية للإبحار فى المشهد الجيوسياسى المعقد وإقامة تحالف عسكرى مؤثر.
فؤاد مختار أجبابالى