يعتزم فلاديمير بوتين زيارة ايران فى الاول من نوفمبر المقبل. ومن الناحية الرسمية، يزو الرئيس الروسى طهران للمشاركة في القمة الثلاثية لقادة روسيا واذربيجان وايران التى ستعقد فى العاصمة الإيرانية. ومن المتوقع أيضا عقد اجتماعات ثنائية لرؤساء الدول. وفي جدول أعمال المفاوضات بين الرئيسين بوتين وحسن روخاني، لمناقسة القضايا الهامة جداً مثل التسوية في سوريا وتهديدات دونالد ترامب بالانسحاب من "الاتفاق النووي" مع إيران.
بين الجمهورية الإسلامية والمملكة العربية السعودية
وتأتي زيارة بوتين لايرانبعد كرور فترة أكثر بقليل من زيارة ملك المملكة العربية السعودية لموسكو. ونظراً للعلاقات المتوترة بين إيران والمملكة العربية السعودية، فإن مفاوضات بوتين في طهران ستصبح نوعاً من التوازن في العلاقات مع شركاء الشرق الأوسط. وحذر بعض الخبراء من أن القيادة الإيرانية يمكن أن تقدر التقارب بين موسكو والرياض سلبياً، وخاصة في مجال التعاون العسكري التقني. في رأي مؤيدي وجهة النظر هذه أن الاتفاق على بيع أنظمـة S-400 للعربية السعودية قادر تماماً على إفساد العلاقات الثنائية مع طهران. وأصبحت المملكة العربية السعودية مشترية للأسلحة الروسية، كما ستستخدم المملكة العربية السعودية نفس أنظمة S-400 التي لم تباع إلى إيران قبل عام. ومع ذلك، رفضت إيران نفسها شراء المجمعات S-400، مما اختار أنظمة الجيل السابق. وقالت طهران إن نظام S-300PMU تلبي احتياجاتها فى منظومات الدفاع الجوى طويلة المدى.
لا أساس للادعاءات حول غيرة طهران فيما يخص للتعاون العسكري التقني مع المملكة العربية السعودية أو تركيا (التي تتفاوض أيضاً على شراء S-400). تعود قضية شراء أنظمة S-400 من قبل منافسي إيران في المنطقة بحد كبير إلى مجال السياسة البحتة. وهكذا، تبعث الرياض وأنقرة إشارات إلى موسكو للتقارب، وتبلغان واشنطن أنهما تريدان الخروج من حمايهتها الملحة. وعلى الرغم من أن إيران والسعودية قد وصلتا إلى درجة قطع العلاقات الدبلوماسية، فإنه من الصعب تصور تصاعد المواجهة بينهما إلى المرحلة "الساخنة"، وحتى مع استخدام الطيران ونظم الدفاع الجوي طويلة المدى. لذلك لا يوجد عملياً أي سبب للانزعاجات في طهران.
يقع يران والسعودية على طرفين مختلففين للمتراس في الصراع السوري. وتشارك القوات الإيرانية بصورت مباشرة في العمليات العسكرية في سوريا إلى جانب القوات الحكومية. في الآونة الأخيرة، أصبحت إيران في الواقع حليفاً عسكرياً لروسيا. وفي الوقت نفسه، اتهمت طهران المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في دعم داعش المحظور في روسيا. وفي المقابل، فإن المملكة العربية السعودية تدعم القوى المعارضة. ومع ذلك، فمن المرجح أن تخفف المملكة العربية السعودية موقفها من سوريا ومواصلة الأسد في السلطة. ولا تريد الرياض على الإطلاق تعزيزاً خطيراً لمواقف إيران جراء الانتصارات في سوريا. أصبحت روسيا أحد الاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط، وسياسة دونالد ترامب لا يمكن التنبؤ بها. يمكن أن ترى الرياض في موسكو نوعاً من الوساطة في العلاقات مع إيران والحكومة في سوريا. وقد وافق الجانب السعودي مراراً على عملية آستانا والدول التي تضمها هي روسيا وتركيا وإيران. أعرب السعودية مرة أخرى عن تأييدها لهذه العملية في إطار المحادثات في موسكو.
وفي أواخر أيلول/ سبتمبر، أجرى بوتين وروحاني مكالمة هاتفية. وكان التعاون في قضية التسوية السورية من أهم المسأئل التي نوقشت من خلالها وسيواصل الطرفان مناقشة تنسيق الاجراءات المشتركة حول القضية السورية في إطار اجتماعات القمة فى طهران مع التطرق لاتفاقيات روسيا فى اعقاب المحادثات مع القيادة السعودية.
تهديدات ترامب بالانسحاب من "الاتفاق النووي"
وفي الآونة الأخيرة، تدهورت العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة وإيران بشكل خطير بسبب موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، والذي وصف خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن الملف النووي لإيران كإحدى أسوأ الصفقات وأكثرها خسارة لواشنطن في التاريخ. ويهدد ترامب بالانسحاب من الصفقة في أي وقت ويرفض أن يؤكد للكونغرس أن إيران تفي بأحكام الاتفاقية. وهذا يسبب تهيجاً خطيراً لطهران.
سكبت التصريحات القاسية للزعيم الأمريكي حول إيران زيتاً على النار بأقوال ترامب على وجه الخصوص مثل أن إيران هو الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم ويدعم تنظيم "القاعدة" و"طالبان" ويؤجج العنف في العراق وسوريا واليمن. لم يكتف ترامب بتصريحات فقط، بل أعلنت الولايات المتحدة الاستراتيجية الجديدة الصارمة التي بدأت مع فرض العقوبات على فيلق الحرس الثوري الإسلامي، الوحدة النخبة في القوات المسلحة الايرانية. وأدى ذلك إلى سلسلة من التصريحات الغاصبة من الجيش الإيراني. ووعدوا بتعادل جنود الولايات المتحدة مع مقاتلي داعش. كما أعلن الحرس الثوري الإسلامي تسريع عملية تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني.
في رده على تصريحات ترامب، يستعين الجانب الإيراني بروسيا، ويركز في الوقت نفسه على التعاون المشترك في سوريا. وقال وزير الدفاع الايراني حسين دهقان في الاتصال الهاتفي مع نظيره الروسي سيرغي شويغو في 19 تشرين الاول/أكتوبر إن التعاون في مكافحة الارهاب الدولي يسمح بتحييد "الخطط الاميركية الخطيرة في المنطقة". وقال الوزير الايراني إن سبب "غضب الولايات المتحدة والضغط على ايران يعود إلى هذا التعاون". وأشار الوزير ايضاً الى "قوة الدفاع المتنامية للبلدين" التى تهدف الى ضمان الاستقرار والامن على المستوى الاقليمى والدولى.
تتفق ايران وروسيا على ان الاجراءات الامريكية تزعزع استقرار الوضع وخاصة فى ظل التحديات الخطيرة الأخرى مثل مكافحة الارهاب والوضع حول كوريا الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، تعتقد وزارة الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة لا تنفذ بشكل كامل خطط العمل الشاملة حول الملف النووي الإيراني، ولكن طهران تلتزم تماما بها. كما بحث نائب وزير الخارجية سيرجى ريابكوف يوم الخميس فى موسكو مع نظيره الايرانى عباس اراكشى تنسيق الاجراءات للحفاظ على "الاتفاق النووى". وستواصل روسيا الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق.
ويمكن أن تكون المشاورات على خط وزارتي الدفاع والخارجية قبل اجتماع رئيسي البلدين حول الوضع في سوريا و"الاتفاق النووي" بمثابة تأكيد على أن الطرفين يستعدان بشكل جاد للقمة. وروسيا قادرة على العمل كضامن للحفاظ على "الاتفاق النووي" وردع طهران عن الخطوات القاسية رداً على تهديدات ترامب لإلغاء الصفقة. وقد أعلن إيران بالفعل أنها لن يترك الاتفاق من جانب واحد. يعارض جميع المشاركين الآخرين في الصفقة وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين إلغاء الاتفاقية. وعلى وجه الخصوص، أعرب إيمانويل ماكرون عن رغبته في التوسط بين إيران والغرب، وزيارة طهران لإجراء "حوار مطلب" مع السلطات الإيرانية. غير ان موعد زيارته لم يتحدد بعد، ومن الصعب إجراء الحوار المطلب الذي قد يساعد في نزع فتيل الصراع. ويبدو أن روسيا لديها المزيد من الفرص للمساهمة فى الحفاظ على "الاتفاق النووى" الذى اصبح فى الايام الاخيرة عاملاً خطيراً فى التوتر الدولى.
actualcomment.ru