محمود سعد دياب
تحتفل أذربيجان يوم الإثنين المقبل الموافق 28 مايو، بذكرى مرور 100 عام على إقامة أول جمهورية ديمقراطية في الشرق الإسلامي، وذلك بعد الاستقلال عن الإمبراطورية الروسية القيصرية عام 1918، وذلك قبل أن تجبر أذربيجان على الانضمام إلى الاتحاد السوفيتي بعد أقل من سنتين هو عمر تلك الجمهورية الوليدة.
ومن المقرر أن تقام احتفالية كبيرة جدًا في العاصمة باكو يحضرها الرئيس إلهام علييف، في حين كانت المؤسسات والجامعات والوزارات والهيئات المختلفة الرسمية والخاصة، قد نظمت على مدار العام احتفالات متتالية بناء على القرار الرئاسي باعتبار عام 2018 "عام جمهورية أذربيجان الديمقراطية"، تنوعت بين مؤتمرات دولية وعروض فلكلورية ومسرحيات ومسلسلات .
أول نظام برلماني
جمهورية أذربيجان الديمقراطية، كانت أول دولة تضع نظام برلماني مستقل في المجال السياسي في زمن سادت فيه الإمبراطوريات والممالك، وأن ذلك وضع أذربيجان بين الدول الرائدة في العالم في فترة قصيرة من الزمن، وحققت جمهورية أذربيجان الشعبية إنجازات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث كانت أول خطوة مهمة في الجمهورية الشابة كانت في مجال السياسة الخارجية، حيث تم التوقيع على اتفاقية سلام وصداقة بين جمهورية أذربيجان الشعبية والإمبراطورية العثمانية في مؤتمر باتومي، الذي عقد في الفترة من 11 مايو إلى 4 يونيو 1918، وبسبب هذا الاتفاق ، طُردت وحدات عسكرية بريطانية بقيادة اللواء طومسون من باكو في سبتمبر 1918 كما أولت الجمهورية الشعبية اهتمامًا خاصًا لقضايا السياسة الخارجية من أجل الحفاظ على استقلالها والاعتراف بها من قبل صانعي السياسة العالميين.
وقد اعترفت دول العالم الكبرى باستقلال أذربيجان ، خلال مؤتمر السلام الذي عقد في باريس يناير 1919، بفضل جهود الوفد حيث كان انتصارًا عظيمًا للدبلوماسية الأذربيجانية. لكنها لم تهنأ بذلك حيث دخلت الجيوش السوفيتية الحمراء أذربيجان في 28 أبريل 1920 واحتلتها.
توسطها 3 إمبراطوريات جعلها مطمعًا
الدكتور سيمور نصيروف رئيس الجالة الأذربيجانية في مصر، قال لـ "بوابة الأهرام"، إن وجود بلاده بين 3 إمبراطوريات كبرى هي الروسية شمالاً وشرقًا والفارسية جنوبًا والعثمانية غربًا، جعلها مطمعًا للقوى العظمى، خصوصًا لوجودها بالمنطقة الواقعة بين شرق أوربا ووسط آسيا، والثروات الهائلة التي تتمتع بها والمناظر الطبيعية الخلابة.
وأكد نصيروف أن ياقوت الحموي ذكر في كتاب "معجم البلدان"- كتبه في القرن الثالث عشر الميلادي- عند حديثه عن عاصمة أذربيجان اليوم "باكو"، وجود آبار بترولية ضخمة وأن البترول يباع يوميًا بقيمة ألف درهم، وأن بها النفط الأبيض والأسود، مضيفًا أن تلك الثروات جعلت الدول العظمى تطمع في تلك الأراضي.
النفط الآذري سبب حسم انتصار الجيش الأحمر على النازي هتلر
وأكد رئيس الجالية الأذرية في مصر، أن أول نفط يتم استخراجه من المياه العميقة كان من بحر قزوين بأذربيجان، وأن النفط الآذري كان من أسباب دخول النازي هتلر بقواته إلى أراضي الاتحاد السوفيتي للسيطرة على تلك الأراضي، لأن الإمدادات النفطية من أذربيجان إلى جبهات الحرب كانت أهم أسباب انتصار قوات الجيش الأحمر على القوات النازية، وأن ذلك يدلل على أن الشعب الأذري عانى معاناة شديدة من تلك الأطماع ونجح بنضاله في أن يبقى على قيد الحياة حتى يومنا هذا.
أول دولة تمنح المرأة حق التصويت
وأضاف الدكتور سيمور نصيروف الباحث المتخصص في الشئون الأذرية، أن الجهمورية الوليدة لم يكتب لها الاستمرار، حيث دخلت القوات البلشيفية السوفيتية، لكي تحتل الأرض وتطرد أبطال حركة المقاومة ورموز الحكم وتشرد الشخصيات الدينية المؤثرة في الجماهير بنفيهم إلى منطقة سيبريا حيث الجو قارس البرودة، وأنه قد توفى منهم الآلاف، مضيفًا أن جمهورية أذربيجان الديمقراطية الشعبية، كانت أول دولة تقر حق التصويت في الانتخابات للمرأة في العالم قبل حتى التجربة الفرنسية، وأول دولة تمنح المرأة حق التمثيل البرلماني، وأن مجلس النواب كان يضم جميع القوميات الممثلة في أذربيجان وكان عددها وقتها يزيد أكثر 30 قومية مستمرة حتى وقتنا الحالي.
السوفيت ضيقوا على الحريات الدينية
ولفت إلى أن جميع أتباع الأديان السماوية عانوا الأمرين تحت وطأة الحكم السوفيتي، وليس المسلمون فقط، لكن المسيحيون واليهود، لمدة 70 سنة كاملة، حيث تم التضييق على الحريات الدينية، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي اختلف الأمر حتى في الدول التي بقيت تحت مظلة روسيا الاتحادية، مشيرًا إلى أنهم كتبوا التاريخ وفقًا للأيديولوجية السوفيتية الشيوعية، بحيث نسيت جميع الأجيال ارتباطهم بالعالم الإسلامي وتاريخهم المشترك الكبير مع العرب والمسلمين، وأجدادهم الذي أسهموا بشكل كبير في الحضارة والتاريخ الإسلامي مثل نور الدين زنكي القائد والبطل في زمن الدولة العباسية، وصلاح الدين الأيوبي محرر القدس الذي جاء والده وعمه نجم الدين أيوب من أذربيجان واستقروا في بلاد شام قبل أن يأتي إلى مصر ويؤسس الدولة الأيوبية.
وأضاف أنه كان محرمًا عليهم حفظ القرآن الكريم أو دراسة العلوم الدينية أو حتى اللغة العربية، وأنه بسبب سعيه لتعلم العربية تعرض للتهديد بالفصل من المدرسة واستدعاء والده للأجهزة الأمنية ومعاقبته، مشيرًا إلى أنه بعد 70 سنة من اضطهاد الشعوب الواقعة تحت السيطرة السوفيتية، تنفس شعب أذربيجان الصعداء بعد الاستقلال الذي لم يأت بسهولة حيث واجهت قوات الجيش الأحمر المظاهرات المطالبة بالاستقلال بالقمع الشديد في 20 يناير 1991 بساحة التحرير في قلب العاصمة باكو، وأن الإمام محمد الغزالي قال عن ذلك في كتابه "الحق المر": "عندما طلب المسلمون الاستقلال ضربوهم بالدبابات وعندما طلبت دول البلطيق الاستقلال وزعوا عليهم الورد"، في إشارة إلى استقلال دول أوروبا الشرقية التي كانت واقعة ضمن الاتحاد السوفيتي.
دور الزعيم حيدر علييف
وكشف رئيس الجالية الأذربيجانية في مصر، عن أنه بعد استقلال أذربيجان عام 1991 من الاتحاد السوفيتي، كان شاهد عيان على ما عاشته الدولة من حالة فوضي عارمة بشكل أكبر من أحداث الفوضى في مصر التي أعقبت ثورة يناير 2011، وأن الدولة كانت على حافة الانهيار لولا أن استدعى الحكماء الزعيم الراحل حيدر علييف وكلفوه بإنقاذ الدولة واستغلال خبراته الإدارية التي اكتسبها من عمله كنائب رئيس الحزب الشيوعي الذي كان حاكمًا في الاتحاد السوفيتي، حيث كان يتمتع بثقل جعله مرشحًا لتولي رئاسة الاتحاد السوفيتي ولكن تم اختيار ميخائيل جورباتشوف بدلاً منه لكي يكون آخر حكام الاتحاد المنهار، وأنه ترك منصبه اعتراضًا على ما قام به الجيش الأحمر في أذربيجان في 20 يناير.
وأضاف أنه استطاع أن يحدث نهضة اقتصادية وسياسية وثقافية في الدولة بعد إجراء عملية لم الشمل ووقف إطلاق النار مع أرمينيا، وكتب بذلك اسمه بماء من الذهب في التاريخ، وأن جميع الأذريين لا ينسون فضله، مضيفًا أن الذي خلفه إلهام علييف هو الآخر استكمل المسيرة وحول أذربيجان إلى قوة اقتصادية صاعدة في المنطقة ومثال للتعايش السلمي بين الأديان والقوميات.
العلاقات مع مصر قديمة وتاريخية
وأكد أن مصر لها مكانة خاصة في قلوب الأذربيجانيين، موضحًا أن الأدب الأذري يذكر عن مصر بأن الشخص القوي هو الذي يحارب بالسيف المصري، كدليل على القوة، مضيفًا أن "ابن فقيه" ذكر في كتابه "البلدان" أنه لما فتح المسلمون أذربيجان هاجر إليها عدد كبير من العائلات المصرية وعائلات أخرى من بلاد الشام، موضحًا أن هناك حاليًا في أذربيجان قرى عديدة بأسماء عربية مثل "أربلار" وتعني العرب، مضيفًا أن مملكة شيروان شاهلار التي حكمت أذربيجان وعددًا من الدول المجاورة في عهد الخليفة العباسي المتوكل بالقرن السادس عشر، كان قادتها من أصول عربية.
وأضاف أن مصر كانت من أولى الدول التي اعترفت بجمهورية أذربيجان بعد الاستقلال الثاني عام 1991، وتم تبادل التمثيل الدبلوماسي وفتح السفارات في البلدين، مشيرًا إلى كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقت لقائه شاهين مصطافييف وزير الاقتصاد الأذري قبل شهرين، حيث قال: "أذربيجان ليست دولة صديقة بل هي دولة شقيقة والروابط التاريخية بيننا أكبر من أي شيء ويمكن البناء عليها للانطلاق في التعاون على المستوى الاقتصادي والسياسي وسوف تتعدى العلاقات الدبلوماسية إلى الأخوية"، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الاتفاقيات المشتركة بين البلدين، فضلاً عن التحرك الجاد للتعاون في مجال البترول، حيث سافر قبل أسبوعين وفد مصري من شركات البترول لبحث مزيد من التعاون في هذا المجال في إطار مساعي الأخيرة للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.
المركز الثقافي المصري مركز إشعاع في باكو
ولفت إلى أن مصر الدولة العربية الوحيدة التي افتتحت مركزًا للثقافة والتعليم في العاصمة باكو والذي تحول إلى مركز إشعاع ثقافي وإسلامي يهتم به كل المهتمين بلغة القرآن الكريم من الأذريين والجاليات العربية، مشيرًا إلى أن الرئيس حيدر علييف قد زار مصر عام 1994 وخلفه إلهام علييف عام 2007 مما يؤكد متانة العلاقة بين البلدين، مشيرًا إلى أن السفارة بالقاهرة أقامت احتفالية على ضفاف النيل بمناسبة الذكرى المئوية، حضرها وكيل البرلمان سليمان وهدان وأعضاء جمعية الصداقة البرلمانية المصرية الأذرية بقيادة الدكتور أسامة العبد رئيس لجنة الشئون الدينية بالبرلمان وعدد من السفراء وأعضاء الجالية الأذرية بمصر، كما شهد الاحتفال عرض أزياء من إبداع مصممي الأزياء الأذريين، وظهرت الملابس الوطنية وكذلك وصلات موسيقية من عازفين أذريين قدموا فقرات تعبر عن التراث والمعاصرة في الأغنية الأذرية، فضلاً عن أداء فرقة رقص شعبي.
احتفالات سابقة في حديثة الصداقة المصرية الاذرية في القليوبية بذكر المئوية
احتفالات سابقة في حديثة الصداقة المصرية الاذرية في القليوبية بذكر المئوية
جانب من احتفالات المؤسسات والهيئات في اذربيجان بذكرى المئوية
جانب من احتفالات المؤسسات والهيئات في اذربيجان بذكرى المئوية
جانب من احتفالات المؤسسات والهيئات في اذربيجان بذكرى المئوية
جانب من احتفالات المؤسسات والهيئات في اذربيجان بذكرى المئوية
سيمور نصيروف رئيس الجالية الاذربيجانية في مصر