نور كونغو: قتل الآلاف بوحشية ورحل دون أن يحاكم

أنور كونغو (يمين) أثناء الاستعداد لتصوير أحد المشاهد من "قانون القتل"

مجتمع 16:30 06.11.2019

تفاصيل هذه القصة قد تكون مؤلمة للبعض

جلس صديق يتابع القاتل المحترف، أنور كونغو، وهو يؤدي رقصة تشا تشا تشا. وقبل هذا المشهد بعدة دقائق، فوق أحد الأسطح في أندونيسيا، كان يمثل طريقته المفضلة في قتل ضحاياه. كان يستخدم سلكا معدنيا طويلا لخنق الضحايا، إذ أن ضربهم حتى الموت كان يتسبب في ضجيج كبير.

هذا الرجل النحيل، ذو الشعر الأبيض، قتل حوالي ألف شخص، رغم أن التقديرات تشير إلى أكثر من ذلك بكثير.

وقال بوجه ضاحك: "حاولت نسيان كل ذلك، عن طريق الرقص، والشعور بالسعادة، والقليل من الكحول والماريوانا" ثم بدأ في الغناء.

وكان هذا أحد أكثر المشاهد الصادمة في فيلم "قانون القتل"، الفيلم الوثائقي الذي رُشح لجائزة أوسكار عام 2012، وسلط الضوء على واحدة من مجازر القرن العشرين التي لم يسلط عليها الضوء كثيراً.

خلال عامي 1965 و1966، قُتل 500 ألف شخص على الأقل في أندونيسيا في خضم أزمة سياسية. فبعد محاولة انقلاب فاشلة، بدأ الجيش حملة تستهدف الشيوعيين في البلاد.

ويروي "قانون القتل" حياة كونغو، الذي كان عضوا في كتيبة قتل قتلت المئات ممن يشتبه بانتمائهم لليسار، وطلب منه إعادة تمثل عمليات القتل أمام الكاميرا.

وتوفي كونغو في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن 78 عاما.

المخرج جوشوا أوبينهايمر وصافيت بارديدي وأنور كونغو وآدي ذو القادري

مصدالمخرج جوشوا أوبينهايمر وصافيت بارديدي وأنور كونغو وآدي ذو القادري

نشأ كونغو بالقرب من حقل للنفط، حيث عملت أسرته قرب مدينة ميدان في الشمال. وكانوا ميسورين إلى حد كبير، وعارضوا الاستقلال عن هولندا عام 1945.

ترك كونغو الدراسة وهو في الثانية عشرة، وانخرط في عالم الجريمة السري في ميدان. في البداية كان يتسكع أمام أحد دور السينما في المدينة. وعمل هو وأصدقاؤه في إعادة بيع التذاكر بمقابل مادي، وكانت السينما مقر أنشطتهم.

ولم يمض الكثير من الوقت حتى تطور النشاط الإجرامي لكونغو وعصابته. فمارسوا البلطجة ضد المحال الصينية المحلية وجمعوا أتاوات مقابل الحماية، وعملوا في التهريب والرهانات غير القانونية.

كما عمل كونغو وصديقه، آدي ذو القادري، كقتلة محترفين مأجورين.

ويقول جوشوا أوبينهايمر، مخرج الفيلم الذي أصبح مقربا من كونغو، إن "المحاولة الأولى فشلت بشكل ذريع. حاولوا قتل شخص بقطعة من فاكهة دوريان. وبالتأكيد لم تفلح هذه الطريقة".

وبحلول الانقلاب الفاشل عام 1965 وعمليات القتل الجماعي التي تبعتها، كان كونغو وأصدقاؤه قد أصبحوا مجرمين محترفين. كما أنهم كانوا معادين للشيوعية.

وخطط الجيش للمجازر، لكن نفذتها عصابات وميليشيات يمينية. وجند الجيش عصابة كونغو، ليستجوبوا ويعذبوا ويقتلوا المئات ممن يشك في انتمائهم لليسار.

وعُرفت عصابتهم باسم "كتيبة الضفدع"، وأصبحت واحدة من أعنف كتائب القتل في المنطقة. وأصبح كونغو العضو الأبرز كونه من نفذ عمليات القتل.

واستوحت المجموعة أساليب القتل من أفلام هوليوود، خاصة أفلام المافيا التي قدمها آل باتشينو وجون وين.

ويُعتقد أن كونغو قتل المئات بيديه. وفي فيلم "قانون القتل"، ذكر حاكم شمال سومطرة سيامسول أريفين أن كونغو كان مرهوب الجانب بشدة آنذاك. "كان الكل يخشاه. وشعر الناس بالخوف لمجرد سماع اسمه".

كما أدت حملة العنف، التي ما زالت موضوعا حساسا في أندونيسيا، إلى سجن حوالي مئة ألف شخص بدون محاكمة لارتباطهم بالحزب الشيوعي.

ولم يحاسب كونغو وغيره من القتلة على جرائمهم. وأصبح قائدا في المجموعات المقاتلة الموالية للنظام في أندونيسيا، والتي حملت اسم "شباب بانكاسيلا"، وكانت تطورا لكتائب الإعدام.

صورة من الفيلم تعيد تصوير احتراق المنازل في أحد المجازر في قرية كامبونغ كولام

مشهد من الفيلم يعيد تصوير احتراق المنازل في أحد المجازر في قرية كامبونغ كولام

وفي السنوات التي تلت المجزرة، عاد كونغو إلى حياته السابقة في عالم الجريمة في ميدان، حيث ساعدته سمعته كثيرا. وتورط في جرائم سرقة وعمليات تهريب وانشطة ابتزاز هائلة.

وفي تسعينيات القرن العشرين، كان مسؤول الأمن في أحد أكبر الملاهي الليلية في ميدان. لكن هذه الوظيفة كانت مجر غطاء لصفقات المخدرات التي كان يبرمها لصالح "شباب بانكاسيلا". وحصل كونغو على الكثير من الألقاب الشرفية داخل المنظمة، وكان محل احتفاء كبير لدوره في المجازر التي وقعت في الستينيات.

وأصبح القتلة مثلا أعلى لملايين الشباب المسلحين، الذين تبنوا روايتهم الخاصة للتاريخ وظهروا فيها كأبطال.

وكانت بروديتا ساباريني من بين الطلبة الذين صدقوا هذه الرواية، "فقد تعلمنا أن الشيوعيين أشرار، ملحدون، خونة الأمة".

وأضافت في حوارها مع بي بي سي: "لم نشكك في ما تعلمنا في المدارس. حتى عندما عرفنا حجم المجازر قلت لنفسي إن هؤلاء شيوعيون، ومن الجيد أنهم قتلوا".

ولم يواجه كونغو حقيقة جرائمه وضميره إلا عندما تتبعه فريق عمل الفيلم.

تحذير: المحتوى من طرف ثالث قد يتضمن إعلانات

نهاية يوتيوب الرسالة التي بعث بها Dogwoof

وفي البداية، تباهى كونغو بجرائمه. وعندما قابله أوبينهايمر أول مرة عام 2005، مثل جرائمه بسعادة.

ويقول أوبينهايمر إن التباهي "غالبا كانت طريقته للتأكيد على أنه قام بفعل يستحق التفاخر. لكنه أظهر أمانة غير معتادة وانفتاحاً بشأن مشاعره، والألم الذي شعر به".

وتتبع الفيلم حياة كونغو وأصدقائه الذين طُلب منهم إعادة تمثيل تجاربهم في القتل. وساهموا في كتابة الحوار، وقاموا بأداء أدوارهم بأنفسهم، وعرضوا ذكرياتهم بنفس طريقة أفلامهم المفضلة.

وكثيرا ما تندر الرجال حول قتل الصينيين. وفي البداية قال كونغو بفخر: "سنروي قصة ما فعلناه في شبابنا". لكن العبء الناتج عن القيام بدور البطولة سرعان ما أظهر شعوره بتأنيب الضمير.

واعترف أنه يعاني من الكوابيس المتكررة وأكد: "أعاني من الأرق. ربما لأنني كنت أراقب الناس وهو يموتون بينما أخنقهم بالسلك".

كونغو انهار عندما أدى دور الضحية في نهاية الفيلم

 كونغو انهار عندما أدى دور الضحية في نهاية الفيلم

وفي أحد المشاهد في نهاية الفيلم، لعب كونغو دور الضحية. وعندما تم لف السلك حول رقبته، طلب وقف التصوير، واعتدل في جلسته ولم يتحرك، وظل صامتا. وعندما شاهد المشهد لاحقا، قال والدمع يملأ عينيه: "هل أذنبت؟ أنا فعلت ذلك بأهلي".

ويقول أوبينهايمر إنه عند مرحلة ما من تصوير الفيلم "ظهر شعور كونغو بالذنب بطريقة مباشرة وواضحة. وأعتقد أن هذه هي رسالة يقدمها الفيلم، وهو أننا كبشر قد ندمر أنفسنا بأفعالنا".

لم تحظ قصة كونغو بشعبية في هوليوود. تزوج متأخرا ولم ينجب أطفالاً، واستمر في حياة الجريمة بعد عرض الفيلم. لكن فيلم "قانون القتل" كان له أثر كبير على حياة الكثير من الأندونيسيين الذين شاهدوه.

ومُنع الفيلم رسميا في البلاد، لكن نُظمت عروض سرية، وتعرض بعضها لهجوم عنيف من قبل المجموعات الموالية للجيش.

وتقول ربيكا هينشكي، محررة بي بي سي لشؤون إندونيسيا سابقا، إنها "حضرت واحداً من أكبر العروض السرية. وكانت القاعة ممتلئة عن آخرها، والأجواء أشبه بحفل روك، وساد شعور بأنه ثمة حائط على وشك الانهيار".

كما قالت ساباريني، التي أُجبرت في المدرسة على مشاهدة فيلم يمجد الرواية الرسمية للأحداث، إن "قانون القتل" غير وجهة نظرها تماما.

1965 - جندي يراقب افراد يشتبه في أنهم شيوعيون

 1965 - جندي يراقب سجناء يشتبه في أنهم شيوعيون

وقالت: "عندما شاهدت الفيلم، ورأيت تباهي القتلة بما فعلوه، هالني مدى السقوط الأخلاقي، وشعرت بخزي شديد بأنني لم أفكر في هذا الأمر من قبل. شعرت بالعار لأنني لم أفكر بشكل نقدي سابقاً".

وتابعت: "أريد أن تبدأ البلاد بعملية كشف الحقائق ليتحقق شيء من العدالة".

واستاء بعض الناجين من المجزرة من قرار أوبينهايمر بإعطاء القتلة، مثل كونغو، مساحة كاملة في الفيلم. وأنتج لاحقا فيلم حمل اسم "نظرة الصمت" ركز على قصص الضحايا.

رأى آخرون أن الفيلم نشر الوعي بجرائم هؤلاء القتلة. وقال السجين السياسي السابق، بيدجو أونتونغ، لـ بي بي سي إن "قانون القتل" كشف "عمليات القتل البشعة اللانسانية على يد أشخاص أمثال أنور كونغو، ممن دعموا الجيش".

وأضاف: "الأمر محبط أن يموت شخص مثله قبل أن يواجه العدالة".

وختم أوبينهايمر حديثة بقوله: "ربما كان لكونغو أثر إيجابي غير مقصود بظهوره في الفيلم. حتى ولو لم يكن ذلك قصده، إلا أنه ساعد في إحداث صحوة داخل إندونيسيا".

"فقد ساهم في إحداث نقلة في الوعي الوطني. وساعد العالم في رؤية المجازر التي حدثت".

ساهمتربيكا هينشكي في جمع المعلومات.

 

 

 


خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...

أحدث الأخبار

نضال سليم : سبب مشكلة الجفاف العالمية هي زيادة الطلب علي المياه
17:33 17.05.2024
ماذا يحدث في جنوب القوقاز؟
17:00 17.05.2024
خبير سياسي : الاتحاد الأوروبي يسعي إلي السيطرة علي المنطقة
16:00 17.05.2024
خبير سياسي : "الغرب يستخدم أرمينيا ضد روسيا"
13:00 17.05.2024
رئيس الوزراء السنغالي ينتقد تواجد القواعد العسكرية في بلاده
12:00 17.05.2024
كاليدونيا الجديدة... طوارئ ومطالب بالاستقلال عن فرنسا
11:46 17.05.2024
صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد العراقي 1.4 % في 2024 و5.3 % في 2025
11:30 17.05.2024
روسيا والصين تعملان معاً من أجل خلق نظام عالمي عادل
11:15 17.05.2024
حماس ترحب بإعلان قمة البحرين وتوجه دعوة للدول العربية
11:00 17.05.2024
بطريرك القدس للاتين يزور مدينة غزة
10:45 17.05.2024
الهند المعارضة تتهم مودي بإصدار تصريحات تشهّر بالمسلمين
09:30 17.05.2024
الرئيس الموريتاني السابق يغادر السجن لتقديم ملف ترشحه للرئاسية
09:15 17.05.2024
مصر ترفض مقترحاً إسرائيلياً حول معبر رفح
09:00 17.05.2024
دبي تعتمد استراتيجية جودة الحياة في الإمارة
18:00 16.05.2024
ما تأثير الأحداث الجارية في جنوب القوقاز علي أذربيجان؟
17:26 16.05.2024
خبير سياسي : الإتحاد الأوروبي لن يساعد أرمينيا
16:00 16.05.2024
خبير سياسي : الغرب يسعي إشعال حرب بين جورجيا وروسيا
15:59 16.05.2024
انطلاق "قمة المناخ والمياه" في جامعة أضا
انطلاق "قمة المناخ والمياه" في جامعة أضا
14:52 16.05.2024
ما تأثير الأحداث الجارية في دول الجوار علي أذربيجان؟ أومود ميرزايف يجيب
13:52 16.05.2024
فيسبوك تحذف منشورات عن لقاء رئيس وزراء ماليزيا وإسماعيل هنية
12:45 16.05.2024
فرنسا تنشر الجيش لضمان أمن مرافئ ومطار كاليدونيا الجديدة
12:30 16.05.2024
مخيمات غزة تعاني ظروفاً مهينة للإنسانية
12:15 16.05.2024
مصر تتسلم 14 مليار دولار من الإمارات قيمة الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة
12:00 16.05.2024
مقتل 12 جندياً إسرائيلياً في عملية بمخيم جباليا
11:45 16.05.2024
طهران تعلن تسوية نصف القضايا العالقة مع الذرية الدولية
11:30 16.05.2024
زيلينسكي يلغي زيارته لأسبانيا والبرتغال بسبب تدهور الوضع في خاركيف
11:15 16.05.2024
فارض اسماعيل زاده: مشكلة المياه واحدة من أخطر المشاكل في أذربيجان
10:53 16.05.2024
الهند تقلّل من أهمية عقوبات واشنطن إثر اتفاقها لتطوير ميناء تشابهار الإيراني
10:30 16.05.2024
أردوغان إسرائيل قد تضع عينها على الأناضول بعد غزة
10:15 16.05.2024
العالم عند مفترق طرق
10:00 16.05.2024
الرئيس الفرنسي يعلن حالة الطورائ في كاليدونيا الجديدة
09:45 16.05.2024
الحكومة التركية تبذل قصارى جهدها لخفض معدل التضخم
09:30 16.05.2024
إطلاق نار على رئيس وزراء سلوفاكيا ونقله إلى المستشفى
09:15 16.05.2024
أردوغان يتهم حركة جولن بتدبير محاولة انقلاب جديدة
09:00 16.05.2024
الأمم المتحدة تفتح تحقيقاً بمقتل أول موظف دولي في رفح
17:30 15.05.2024
خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...
16:45 15.05.2024
علييف : فرنسا تربك المجتمع الدولي
16:00 15.05.2024
خبير سياسي : أرمينيا لن تنضم للاتحاد الأوروبي
15:00 15.05.2024
بوريل: عملية رفح ستؤثر بقوة على علاقات أوروبا مع إسرائيل
14:00 15.05.2024
طائرة ترامب تتعرض لحادث في فلوريدا
13:00 15.05.2024
جميع الأخبار