أدلى آنار صادقوف، العالم الروسي في مجال العلوم السياسية والخبير في شئون القوقاز والشرق الأوسط ودكتور الفلسفة في العلوم التاريخية، بتصريحات حصرية ليوميات أوراسيا.
تحاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتعزيز النفوذ وتوطيد السلطة عن طريق إبعاد معارضيه الأقوياء من الساحة السياسية.
كيف بدأ كل هذا؟
بعد إنشاء اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير نفسه والتي انضم إليها أيضا المدعي العام للمملكة تم اعتقال نحو 50 شخصاً من أصحاب العقد والحل في النظام الملكي بما فيهم أعضاء الأسرة الحاكمة والوزراء الحاليون والسابقون على حد سواء والمسؤولون العسكريون وكبار رجال الأعمال. وسيحال المحتجزون إلى المحكمة وتجمد حساباتهم المصرفية وستنتقل جميع الأصول المرتبطة بقضايا الفساد إلى ملكية الدولة.
ونتيجة لذلك، ستفرض رقابة صارمة على أصول مالية كبيرة، وبحسب ما جاء في صحيفة The Wall Street Journal يدور الحديث هنا عن مبلغ 800 مليار دولار والموارد من الوسائل الإعلامية التي تعود إلى بعض الأقطاب المعتقلين، ولا سيما المدير لمجموعة من القنوات الفضائية MBC الوليد الابراهيم وبما في ذلك أحد المستثمرين العالميين الأمير الوليد بن طلال الذي يملك حصصاً بارزة في مجموعة الوسائل الإعلامية NewsCorp ومجموعة Citigroup المصرفية وشبكة فنادق Four Seasons وميكرومدونات تويتر وغيرها. والتي يقدر مبلغها ب17 ملياردولار. وقال السفير الأمريكي السابق في السعودية روبرت جوردان في مقابلته مع بلومبرغ: "إن اعتقال الأمير الوليد بن طلال يعني تقريبا إذا ألقي القبض على بيل غيتس". وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موافقته على الأحداث الجارية، قائلا على تويتر إن ولي العهد والملك سلمان "يعرفان بالضبط ماذا يفعلان".
وفي وقت متزامن تقريباً مع الاعتقالات، تحطمت المروحية التي كانت تنقل نائب محافظ ولاية عسير الأمير منصور بن مقرن وسبعة آخرين من مرافقيه، بمن فيهم مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى. وقع الحادث مساء يوم الاحد عندما كانوا عائدين من رحلة استغرقت يوماً واحداً الى الجنوب الغربى من البلاد. ووفقا لبوابة Middle East monitor وقعت هذه الكارثة متعمداً من الجيش السعودي حيث يعتقد أن بن مقرن عارض ولي العهد محمد بن سلمان.
ووفقا للمصادر، أرسل بن مقرن مؤخراً الرسائل إلى نحو ألف من الأمراء ودعاهم إلى عدم دعم نقل السلطة إلى بن سلمان، مما يشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات. يرسل هذا الحدث إشارات واضحة إلى الأعضاء الآخرين من العائلة المالكة أن ولي العهد لن يتوقف عند أي شيء لإسكات خصومه وتحييدهم.
قد أفادت صحيفة " Daily Sabah" يوم الثلاثاء عن وفاة الامير عبد العزيز بن فهد الذى كما يقال إنه قتل فى مواجهة مسلحة مع ضباط الشرطة القادمين لاعتقاله. وفي وقت لاحق نفت وزارة الإعلام في المملكة العربية السعودية هذه المعلومات: قائلة إنه "ليست المعلومات الواردة في الشائعات التي تنشرها وسائل الإعلام عن الأمير عبد العزيز بن فهد صحيحة. وأن الامير عبد العزيز على قيد الحياة ".
الموجة الثانية من الاعتقالات
وفي يوم الأربعاء، بدأت الموجة الثانية من الاعتقالات التي ألقي القبض في إطارها على مقربين للأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود الذي توفي في عام 2011، فضلا عن عدد من رجال الأعمال الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم. وينتمي معظم المعتقلين من أفراد العائلة المالكة إلى فرع الملك الراحل عبد الله، مما يدل على تفاقم المواجهة العشائرية.
ووفقا لبوابة Middle East Eye الإعلامية أنه قد تعرض بعض المعتقلين للعنف، بما في ذلك بغية الكشف عن حساباتهم المصرفية، واحتاجوا لتدخل الأطباء.
وقالت مصادر في العائلة المالكة لMiddle East Eye إن عدد المحتجزين يزيد كثيراً عما تفيد السلطات الرسمية وهناك بالفعل أكثر من 500 معتقل. ووفقاً للمعلومات المتاحة أيضا، توجد قائمة طويلة من الأشخاص الذين لم يتم اعتقالهم ولكن يمنع مغادرتهم للبلد.
وأحد المعتقلين الرئيسيين هو قائد الحرس الوطني السعودي متعب بن عبد الله، الذي طان يقود 100 ألف عسكري ولدى الحرس طائرات هليكوبتر أيضاً. وعلى سبيل المقارنة، في الجيش السعودي نفسه 220 ألف عسكري. تم إنشاء الحرس الوطني في الأصل كموازنة للجيش النظامي كدعم أكثر موثوق به للنظام الملكي، وخلال المدة الطويلة كان يحق لقواته المرابطة في أراضي المحافظات النفطية الرئيسية في البلاد. وكان معتب والحرس الوطني مركزاً يحتمل أن يكون بديلاً لسلطة ولي العهد. في الماضي القريب، أنه كان نجلاً محبوباً للملك الراحل والذي كان يتنبأ له إرث العرش.
وبإبعاد بن عبد الله يعزز الملك سلمان وولي العهد محمد السلطة في أيديهما. في وقت سابق أبعدا ولي العهد السابق محمد بن نايف الذي كان وزيراً للداخلية وتم تجميد حساباته المصرفية ووفقا لReuters ربما تشمل المرحلة الثالثة تطهير جهاز الأمن القومي في المملكة.
في الآونة الأخيرة، بدأ الأمير محمد بن سلمان لاتخاذ قرارات جذرية بشأن جميع المجالات الرئيسية للملكية، مما تسبب في عدم الرضا بين أعضاء آخرين من سلالة آل سعود المتأثرين بخيبة الأمل بسبب صعوده السياسي السريع. وتجري الأحداث الدراماتيكية في فترة التحولات الاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة في المملكة العربية السعودية.
مدينة نيوم العملاقة الحديثة
وقد صرح ولي العهد مؤخراً أن 70% من سكان الدولة تقل أعمارهم عن 30 عاماً، وأن هؤلاء الشباب يريدون حياة يكون ديننا فيها مرادفاً للتسامح. وقال في لقاء مع مستثمرين في أواخر تشرين الاول/أكتوبر"اننا نعود الى ما كنا عليه من قبل - بلد الاسلام المعتدل مفتوح لجميع الاديان والتقاليد والناس من جميع انحاء العالم". وبصفته رئيساً لصندوق الاستثمار الحكومي أعلن محمد بن سلمان رسمياً عن إطلاق مشروع نيوم، وهي مدينة جديدة في شمال غرب البلاد وتبلغ مساحتها أكثر من 25 ألف كيلومترمربع حيث سيعيش ويعمل آلاف المتخصين في مختلف المجالات. وستستثمر سلطات المملكة والمستثمرين الأجانب 500 مليار دولار في هذا المشروع، وهو ما يقل قليلاً عن الناتج المحلي الإجمالي للدولة في عام 2016.
ومن المحتمل أيضا إطلاق مشروع سياحي ضخم بتحويل 50 جزيرة ومجموعة من المواقع على ساحل البحر الأحمر إلى منتجعات سياحية. ويمتد المشروع على طول أكثر من 200 كلم على السواحل الغربية للمملكة ووفقا للمعلومات الرسمية فإن المنتجعات التي تبلغ مساحتها الإجمالية 34 ألف كيلومتر مربع ستقع بين مدينتي أملج والوجه. وسيتولى صندوق الاستثمارات العامة تمويل المشروع قبل فتح المجال أمام مستثمرين أجانب.
ويتفق المشروع المعلن مع خطة التنمية االقتصادية "رؤية السعودية 2030" ، حيث تعتبر السياحة واحدة من أهم قطاعات اقتصاد البلد. وفي السعوديو اليوم ترتبط السياحة بشكل حصري تقريبا مع الحج (زيارة المقدسات الإسلامية الرئيسية في مكة المكرمة والمدينة المنورة) ومع انخفاض أسعار النفط والبحث عن مصادر جديدة للدخل قد يكون تدفق السياح من الدول غير الإسلامية أحد من هذه المصادر.
وسيتولى الصندوق الاستثماري السيادي للمملكة العربية السعودية تمويل المشروع الذي تقدر استثماراته بمبلغ 4 مليارات دولار. وسيتم إنشاء المنتجعات بمساعدة أكبر الشركات في العالم والعلامات التجارية الفندقية الرائدة في العالم. وسيبدأ البناء في الربع الثالث من عام 2019 ومن المتوقع أن ينتهي في أواخر عام 2022. جنبا إلى جنب مع الفنادق سيتم بناء الميناء والطرق والفنادق والمجمعات الترفيهية الجديدة تماماً. وتعهد السلطات بسريان كفعول القوانين الخاصة على أراضي المنتجعات القادمة فيما يتعلق باستهلاك الكحول والترفيه، فضلا عن عناصر أخرى من أوقات الفراغ والترفيه.
أثارت هذه التحولات، إلى جانب منخ المرأة السعودية الحق في قيادة السيارة السخط والغضب لدى المحافظين. وقعت الاعتقالات العديدة للشخصيات الدينية والاجتماعية البارزة في هذا الصيف مما يشير إلى زيادة التوترات داخل المملكة. تدور الشائعات التي مفادها أنه في حالة وفاة الملك سلمان أو تنحيه عن العرش لصالح نجله ولي العهد وأنه قد يحدث هذا في نهاية هذا العام أو أوائل العام المقبل، لا ضمان ليكون انتقال السلطة خالياً من الألم وتعزز التطورات الأخيرة هذا الشعور فقط.
------------------------------------------------------
وكان استقرار النظام الملكي يستند الى ثلاث ركائز: وحدة أسرة آل سعود ونزعة المحافظة على الطابع الإسلامي للدولة وولاء مجتمع الأعمال الخاص بها. في حين أن توجيه محمد بن سلمان الضربة على كلها في وقت واحد قد هز أسس الدولة وبالنظر إلى الإهانة العلنية لشرف العديد من الناس المحترمين والتي تعتبر في الثقافة البدوية كإهانة وينطوي على الانتقام، يضع ولي العهد قنبلة موقوتة لمستقبل حكمه.