شهدت ساحة الجمهورية بباريس تجمعا شارك فيه الآلاف الثلاثاء تعبيرا عن رفضهم لتصاعد الأعمال المعادية للسامية في فرنسا. ومن بين المشاركين، رئيس الوزراء إدوار فيليب ونحو نصف أعضاء حكومته إلى جانب الرئيسين السابقين ساركوزي وهولاند. وجاء هذا التجمع وعشرات التجمعات المشابهة في عدة مدن فرنسية تلبية لدعوة السلطات وعدة أحزاب سياسية عقب تنامي الأعمال المعادية للسامية في البلاد.
ودعا 18 حزبا المواطنين الفرنسيين للمشاركة في هذه التجمعات، وشارك فيها كثير من السياسيين بينهم رئيس الوزراء إدوار فيليب ونحو نصف أعضاء الحكومة.
كما شارك الرئيسان السابقان فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي في التجمع، وعلق البرلمان الفرنسي أعماله لعدة ساعات للسماح لأعضائه بالمشاركة، بينما التقى كبار رجال الدين بوزير الداخلية للتأكيد على الوحدة الوطنية.
وفي حديث تلفزيوني قال فيليب إنه من الواجب معاقبة هؤلاء الذين "بسبب الإيديولوجيا، بسبب اعتقادهم بأنها الخيار الأسهل، بسبب الجهل أو العدوانية، يثيرون الشك حول هويتنا كشعب متنوع ولكنه فخور".
وكانت السلطات الفرنسية قد دعت إلى التعبئة بمواجهة تصاعد الأعمال المعادية للسامية، وآخرها تدنيس مقبرة يهودية الثلاثاء في شرق البلاد.
"فشل" فرنسا في مكافحة معاداة السامية
وتفقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعيد ظهر الثلاثاء مقبرة كاتسنايم في شرق فرنسا، حيث عثر قبل الظهر على حوالي 80 قبرا يهوديا رسمت عليها صلبان معقوفة ترمز إلى النازية، فندد بـ"فشل" فرنسا في مكافحة معاداة السامية.
وقال بحزم "إن كان بعض مواطنينا يعتقد أن الأمر ليس مهما، فهذا فشل، إنه فشلنا"، في وقت تتواصل في فرنسا الأعمال المعادية للسامية على الرغم من التعبئة والتظاهرات المنتظمة ضد هذه الظاهرة.
Merci pour cette magnifique mobilisation qui dit tout ce que nous sommes ensemble : la République !
وندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بتدنيس المقبرة، معتبرا أنه عمل "صادم" قام به "متوحشون معادون للسامية". وأعلن في بيان "حدث أمر مثير للصدمة في فرنسا اليوم. تم تدنيس 80 قبرا يهوديا من قبل معادين للسامية متوحشين يستخدمون رموزا نازية". ودعا القادة الفرنسيين والأوروبيين إلى اتخاذ "موقف قوي بوجه معاداة السامية".
وكان ماكرون قد صرح في وقت سابق من النهار أن معاداة السامية "هي إنكار لماهية الجمهورية وفرنسا"، معلنا أنه سيزور بعد الظهر النصب التذكاري للمحرقة في باريس برفقة رئيسي مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
L'antisémitisme est la négation de ce qu'est la France. En route pour le cimetière profané de Quatzenheim et ce soir au Mémorial de Shoah pour rappeler les faits, la morsure dans notre histoire de ces faits, et pour dire ce qu’est la République : un bloc face à tout cela.
وأحصت فرنسا 541 عملا معاديا للسامية عام 2018، في زيادة بنسبة 74% عن العام السابق، غير أن هذا العدد يبقى أدنى من المستويات التي سجلت في 2014 (851) و2004 (974).
وقدرت الوكالة اليهودية عام 2018 عدد يهود فرنسا الذين هاجروا إلى إسرائيل خلال عقد بـ45 ألفا، ما يمثل عشر هذه المجموعة.
وهذه الأرقام لا تأخذ بالاعتبار الهجرة إلى دول أخرى مثل كندا والولايات المتحدة، ولا انتقال آلاف العائلات داخل فرنسا بحثا عن أحياء أكثر أمنا.
وأعلن وزير الهجرة الإسرائيلي يواف غالانت الثلاثاء على تويتر "أدين بشدة معاداة السامية في فرنسا وأتوجه بدعوة إلى اليهود: عودوا إلى دياركم، هاجروا إلى إسرائيل".
جذور قديمة وجديدة
وتتخذ معاداة السامية في فرنسا أبعادا مختلفة، فهي لا تزال تتغذى من جذورها التقليدية في هذا البلد، غير أنها باتت تقترن بظاهرة التطرف الإسلامي مع تزايد عدد المسلمين بشدة خلال العقود الماضية في فرنسا. وندد رئيس الوزراء الأسبوع الماضي بـ"الجذور القديمة لمعاداة السامية الفرنسية، وتلك الجديدة".
وهذه الظاهرة لا تقتصر على فرنسا، فقد أشارت السلطات الألمانية أيضا إلى زيادة "مروعة" في الأعمال المعادية للسامية عام 2018، وهي نابعة من جذور يمينية متطرفة وعربية إسلامية.
ويندد مسؤولون سياسيون فرنسيون بوجود ناشطين معادين للسامية في صفوف المحتجين من حركة "السترات الصفراء" الذين يتظاهرون كل نهاية أسبوع منذ ثلاثة أشهر ضد سياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية.
وقال إدوار فيليب "من الخطأ ومن العبث القول إن حركة السترات الصفراء معادية للسامية" لكن "عددا من المحاذير أو الضوابط قد سقط في ظل أزمة السترات الصفراء".
وشهدت فرنسا بانتظام أعمالا معادية للسامية، من هجمات إرهابية على غرار الهجوم الذي شنه محمد مراح على مدرسة يهودية عام 2012 والهجوم على متجر يهودي في يناير/كانون الثاني 2015، وأعمال تدنيس كالتي استهدفت مقبرة كاربنتراس بجنوب فرنسا عام 1990، وأثارت مظاهرة ضخمة في باريس شارك فيها في ذلك الحين الرئيس فرنسوا ميتران.