في ذاكرة الأمم والشعوب تبقى ذكريات مؤلمة لا يمكن نسيانها أو مرورها في الذاكرة الوطنية دون أن تستدعي أحداثا فارقة، وتمر في هذه الأيام ذكرى أحد أهم الأحداث المؤلمة البارزة التي أثرت في جمهورية أذربيجان وشعبها وتركت آثاراً دامية بالغة السوء في العقل الآذري، وهى ذكرى أحداث خوجالي والتي كانت بداية لما اصطلح سياسيا على تسميته بأزمة قراباغ، والتي تعد أهم المناطق الاستراتيجية في جنوب القوقاز، وهو منذ عقود موضع صراع بين أذربيجان والأرمن.
قد اندلع النزاع حول الإقليم عام 1988 وبعدها بثلاثة أعوام أعلنت الأغلبية الأرمينية بين سكانه انفصال الإقليم من جانب واحد وبمساعدة أرمينيا عن أذربيجان وقيام ما أطلقت عليه حينها اسم "جمهورية ناجورنو قراباغ"؛ الأمر الذي أدَّى إلى اندلاع الحرب في تلك المنطقة بين الأرمن والأذربيجانيين والتي انتهت بالتوقيع على هدنة عام 1994.
وفي خضم هذا النزاع وقعت أحداث دامية في خوجالي أسفرت عن مقتل المئات من الآذربيجانيين العزل، وتركت ذكرى مؤلمة لدى كل مواطن من جمهورية أذربيجان والتي سعت لكسب صف الولايات المتحدة، إلا أن الموقف الأمريكي كان مذبذبًا بين الجانبين، فتارة يؤيد السلامة الإقليمية لأذربيجان وتارة يؤيد أرميينا. ومع سياسة الانفتاح الفاعلة للرئيس "حيدر علييف" واستخدام العامل الاقتصادي وثورات النفط والطاقة تبنت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة متوازنة بين الدولتين وعملت على حل الصراع في الإقليم لضمان تدفق النفط وحمايته. وهو ما صاحبه ظهور لوبي نفطي في الولايات المتحدة يوازي اللوبي الأرميني.
ولقد بدأت سيطرة الأرمن على إقليم قراباغ بشكل واضح مع بداية انهيار الاتحاد السوفيتي، وكان ذلك بداية النزاع بين أذربيجان وأرمينيا علي الإقليم. وعلى الرغم من أن روسيا فرضت نفسها كوسيط لحل هذا النزاع، إلا أنها أبدت انحيازها منذ البداية لصالح أرمينيا، ومع تغير السياسة الخارجية الروسية في الفترة 1993-1994 أصبح هدف روسيا هو حل النزاع وتحقيق عملية السلام من خلال عملية الوساطة بين أذربيجان وأرمينيا، تأكيدًا على نفوذها الإقليمي, وفي هذا الإطار وقعت روسيا مع أحد عشر من بلدان الدول المستقلة بما فيهم أذربيجان وأوكرانيا, اتفاق بشأن إرسال مجموعة من المراقبين على الحدود في 20 مارس 1992. وقد مثّل برتوكول بيشكيك لوقف إطلاق النار دور روسيا المحوري في عملية الوساطة في 5 مايو 1994 في باكو.
وفي عام 2016 لعبت روسيا دور الوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار بين الطرفين بعد حرب الأربعة أيام. كما جرت محادثات حول الوضع في قراباغ يوم 20 يونيو2016 في سان بطرسبرج، حيث عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقاءات ثنائية مع كل من رئيس أذربيجان ورئيس أرمينيا.
ومن ثم فإن تطورات هذه القضية واستمرار الجهود سواء سلماً أو حرباً لم يكن دافعاً لنسيان ذكرى خوجالي، بل تظل هذه الذكرى والتي جعلت من هذه القرية مكاناً لقراءة تاريخ منطقة هامة في العقل الآذري، وذكرى مؤلمة لدى كل عائلة تقيم في هذا الإقليم الذي اختارته الأقدار ليكون ساحة لمعارك ضاربة وترتوي أراضي هذا المكان بدماء المئات من الشعب الآذري ليذكرنا دوما بما حدث في خوجالي من أجل الدفاع عن الوطن.
في مثل هذه الأحداث تكون المرأة هي الحلقة الأضعف دائما، فقد دبرت أرمينيا مذبحة خوجالي من أجل إجلاء المنطقة من السكان الأذربيجانيين، وقد تعرضت المرأة الأذربيجانية لأقصي درجات التعذيب، فكم من امرأة أذربيجانية كانت تعيش في خوجالي أجهضت وشق بطنها وهي تحمل جنينها في بطنها، وكم من امرأة قتلت وتم التمثيل بجثتها وذلك لأن الأرمن كانوا ينتقمون من النساء باعتبارهن الأضعف، وحتي تكون تلك الأعمال الوحشية دافعاً للآخرين علي الرحيل من بيوتهم وأرضهم التي ورثوها عن الآباء والأجداد.
واليوم وبعد مرور واحد وثلاثون عاماً علي مذبحة خوجالي، لا يزال من ارتكبوا تلك المجزة المروعة التي ترتقي إلي الجرائم ضد الإنسانية يعيشون طلقاء دون محاكمة، وهذا ما يؤكد علي ازدواجية المعايير في التعامل مع مثل هذه الجرائم، في عالم تغيب عنه العدالة، فما نطالب به العدالة لشهداء خوجالي.
د. أميرة عبد الحكيم
كاتبة وباحثة
عضو لجنة المحافظات بالمجلس القومي للمرأة في برلمان جمهورية مصر العربية