"لقدت بدت لنا المدينةُ وهي مُحاطةً بالجبالِ تمتدُ شرقاً وغرباً كأنها وهي كلها بيضاءُ سِلسِلةً من الجبالِ الكاسيةِ في سهلٍ ذهبيٍ منقطِعُ الاخضرار أي صنعاء، مَثّلَكِ لنا التاريخُ فكُنتِ مليكةُ الزمان، ومَثّلَكِ لنا العلم فكُنتِ يوماً ربّةَ العِرفان، ومَثّلَتكِ لنا الأساطيرُ فكنتِ سيدةُ الإنسِ والجان" هكذا وصفَ الاديبُ أمين الريحاني صنعاء القديمة.
هيَ واحدةٌ من أكبرِ مدنِ العالمِ القديم التي لا تزالُ موجودةً وتدبُ فيها الحياةُ بمِلامحِها العتيقة حتى يومنا هذا، وقد صُنِفت كإحدى أكثرِ عواصمِ العالمِ القديمِ تميُزاً بِطابِعها المعماريٌ النادر الذي جعلَ منها درةً من دُرَرِ التراثِ العالمي.
تقع مدينة صنعاء القديمة في اليمن في شِبهِ الجزيرةِ العربيةِ، وهي عبارة عن مدينةٍ مُسوّرةٍ داخلِ العاصمةِ اليمنيةِ صنعاء، وتمتازُ مدينةُ صنعاء القديمةِ بِأنّ لها سبعةُ أبوابٍ تحيطُ بِها من كُلِ جانِب أشهرُها (باب اليمن) والذي يُعتبر البابُ الرئيسي لهذهِ المدينةِ.
تحوي هذهِ المدينةُ من الجمالِ ما لا تجِدهُ في أيِّ مكانٍ آخر خاصةً عندما تتخلّلُها أشِعةُ الشمسِ الذهبيةِ والتي تُزيّنُ أروِقةُ هذهِ المدينةِ العتيقة، فتجعَلُ هيئتِها كهيئةِ العروسِ الصنعانيةِ المُزينةِ بأحجارِ العقيقِ اليماني ونبتةِ الريحانِ العطِرة..
يُشار الى أن مدينةُ صنعاء القديمة أُسسِت على يد سام بن نوحٍ (عليه السلام)، وتضُمُ المدينةُ سلسلةً مترابِطةً من المنازلِ والمعالمِ القديمةِ تُقدر ب14,000 منزلٍ قديم.
فالزائِرُ الى المدينةِ يُدركُ من الوهلَةِ الاولى لمساتِ الإبداعِ في فنِ العمارةِ المتناسِقِ المُتَشبِعُ لِشتى فُنونِ الزخرفةِ الحجريةِ والطُوبِيةِ والجِصيةِ والتي حولت تلكَ المنازِلِ القديمةُ اِلى تُحفٍ فنيةٍ شديدةِ الجمال, فليس السياح فقط هم من يتهافتون على الأسواق الشعبية المختلفة في صنعاء القديمة، بل الشيوخ والشباب والأطفال أيضاً. الجميع يجد مأربه فيها، ناهيك عن وجود العبق التاريخي الذي لا يزال فيها.
فمِن أشهرِ معالِمِ هذه المدينةِ (الجامِعُ الكبير) والذي يُعتبرُ تحفةٌ أثرية بنقوشه وتصميمِ بِناءه ويَضُمُ الجامعُ مكتبةً قديمةً فيها الكثيرُ من المخطوطاتِ الاثريةِ المكتوبةِ بِخطِ اليد.
ايضاً اشتهرت المدينةُ بالعديدِ من الاسواق حيثُ يُعرَفُ كل سوقٍ من هذهِ الاسواقِ بنوعِ الحرفةِ. الممارسةِ فيه ,اما ما يميز أسواق صنعاء القديمة أنها غير متداخلة، إذ كل سوق مستقل تماماً عن الآخر مِثلُ سوقِ(الحَب) الخاص بتجارةِ الحُبوب، وسوقِ (النِظارة) الخاص بالأدواتِ المنزلية والنحاسيةِ، وسوقِ (الجمرك) الخاصِ بتجارةِ الزبيب، وسوقِ (الحلقة) الخاصِ بتجارةِ الأقمشة، وسوقِ (القشر) الخاصِ بتجارةِ البُنِ اليمني الشهير واخيراً سوق (الملح) المشهورِ بِتجارةِ الحُليّ والمُصوغاتِ الذهبيةِ منها والفضية والادواتِ المُزخرفَةِ بِأشكالٍ هندسيةٍ فائِقَةِ الروعة، نحن الآن نطوف في أسواق صنعاء القديمة التي يصل عددها إلى خمسين سوقاً، والتي ما زالت محافظة على تراثها التقليدي الأصيل.
تطل هذه الأسواق من خلال حوانيت في الطابق الأرضي، وهي مفتوحة على الشارع من بيوت طينية متراصة وموزعة بطريقة مميزة, أيضاً اشتهرت مدينةِ صنعاء القديمةِ بصناعةِ (الجنبية) أي الخنجر اليماني والذي يعتبر من اللبس اليمني القديم ، وهي عبارة عن حِزام يَلُفُ الخاصرة يحمِلُ خنجراً رأسُهُ مصنوعٌ من قرنِ حيوانِ وحيدِ القرن ويتجاوزُ سِعرُ بعضِها ال 10,000,000 مليون ريالٍ يمني.
*تراثٌ عالميّ:
لهذا أصبحت صنعاء القديمة ملكًا للإنسانية وتهتم لأمرها المنظمات الدولية المتخصصة؛ ففي عام 1984م أعلَنت مُنظمةِ اليونسكو عن حملةٍ عالميةٍ للحفاظِ على تُراثِ مدينةِ صنعاءَ القديمة والتي تواجِهُ خطراً حقيقياً مُتمثلاً في (موجةِ التحديث) بسببِ تدافُعِ السُكانِ نحوَ مُحاولةِ تغييرِ نمطِ حياتِهم, حيث وأعلنتها المنظمة محمية عالمية، وتم تشكيل لجنة دولية للحفاظ عليها، ودعمت إقامة العديد من المشاريع والمدارس والمعاهد الفنية التي تهدف لتخريج فنيين متخصصين في الحفاظ على هوية المدينة ومعالمها الأصلية, ايضا وقد تولت المنظمة ترميم بعض البيوت التي تساقطت واجهاتها بفعل عوامل التعرية، وتمت تكسية الشوارع بالأحجار ضمن الحملة الدولية لحماية صنعاء القديمة.
وتَظلُ صنعاء القديمة هي تِلكَ المدينةِ المُسورةِ بِغمُوضِها قبلَ أسوارِها ، فهي القلبُ النابِضُ لِتلك البِلادِ السعيدةِ والتي هي محطةُ وقوفٍ حضاريةِ تتلاقى عِندَها خُطوط الزمن.