العرب من حال إلى حال

مقالات 18:00 19.01.2023
 
      العالم يعيش حالة فوضى أو حالة «اللانظام»، وهى الصفة التى اختار السفير ووزير الخارجية السابق نبيل فهمى أن يستخدمها من بين صفات عديدة ليقرب إلى الأذهان الحالة الراهنة للعالم. تحمل هذه الصفة معانٍ محددة، فهى تعنى أن العالم، وأقصد هنا النظام الدولى كما عرفناه وعشنا فى ظله مدة ثلاثة أرباع القرن، يتحول تدريجيا ومفهوميا نحو نظام آخر، وأننا رأيناه خلال رحلة تحوله أو انتقاله- إن صح التعبير- يفقد ثلاث سمات تميز بها وكان قد اكتسبها عند التأسيس فى نهاية الحرب العالمية الثانية.
      أما هذه السمات فأولها توفر قواعد عمل معلنة تلتزم بها الدول وغيرها من العناصر الفاعلة من أعضاء النظام، وثانيها وجود أنماط تفاعل متفق عليها بين أطراف النظام، وثالثها القبول بأطر واضحة تميز هذا النظام عن غيره من التجمعات أو التشكيلات، كالاتفاق مثلا على حدود تفصل بين النظام الدولى ونظام فضائى أو نظام تكنولوجى أو نظام عرقى. نعرف الآن أن النظام الدولى تعرض خلال الشهور الأخيرة، كما ذكرت، إلى جملة من التطورات المعقدة والهزات العنيفة تسببت فى انهيار هذه السمات الثلاثة بتدرج ملحوظ، بما يعنى فى النهاية انفراط النظام من أساسه. نحن الآن نعيش المرحلة الانتقالية على طريق هذه النهاية.
     المثير فى هذا التطور أنه ترافق مع تطور مماثل فى النظام الإقليمى العربى، والغريب أن النظام العربى كان الوحيد بين نظم إقليمية أخرى ترافق انحداره مع انحدار النظام الدولى. نلاحظ انتكاسات أو تكاسل فى أداء النظام الأفريقى وفى نظام جنوب شرقى آسيا وفى نظام الأمريكتين، كما نقف شهودا هذه الأيام على تغيرات عميقة فى السمات الثلاثة التى أسست للنظام العربى. نشهد وبوضوح انهيار التزام الدول الأعضاء بقواعد عمل النظام قاعدة بعد قاعدة. نفقد الالتزام المشدد بدعم قضية فلسطين، نفقد أيضا الالتزام بقيمة هوية النظام، وأقصد عروبته. بمعنى آخر نشهد تراجعا فى الالتزام بصدارة العروبة فى قائمة هويات الإقليم. نفقد أيضا الإصرار على الحفاظ على سلامة الحدود الخارجية للنظام ومتانتها. ففى كل مكان تقريبا من العالم العربى نشهد تجاوزات فى التزام الآخرين احترام هذه الحدود. نرى اختراقات باستخدام الدين والطائفة والقوة العسكرية والهجرة البشرية، نراها بوضوح صارخ فى حدود النظام الجنوبية وبخاصة على حدود السودان وبوضوح أيضا على حدود النظام الشرقية مع إيران ومواقعه الغربية مع إسرائيل ومناطقه الشمالية مع تركيا. هذه الاختراقات وغيرها من أنواع التدخلات تهدد هويات أقاليم عربية شاسعة وفى الوقت نفسه تهدد أمن النظام على كافة حدوده، فضلا عن أنها صارت تؤثر وبعنف شديد فى أنماط العلاقات العربية الداخلية أى بين الدول العربية وبعضها البعض وتؤثر كذلك فى أنماط التفاعلات العربية مع القوى الخارجية.
      نلاحظ أيضا التدهور الشديد فى أوضاع الأمن وعدم الاستقرار وتداخل الهويات والولاءات فى كافة مناطق حدود النظام، نلاحظه فى المغرب العربى على الحدود وفى العلاقات بين الجزائر والمغرب، وبين المغرب وإسبانيا، وبين الجزائر ومالى، وبين ليبيا وتشاد. نلاحظه بين سوريا وتركيا، وبين العراق وتركيا، وإن مكتوما بين العراق وإيران، ونلاحظه بين السودان وكل جيرانه الأعضاء فى النظام الأفريقى، وبين الصومال وكينيا، وبين المملكة السعودية واليمن من ناحية وإيران من ناحية أخرى. عشناه لسنوات ونعيشه فى سيناء على حدود مصر الآسيوية كجزء من تغيرات واسعة ترتبط بخريطة سياسية لإسرائيل، خريطة لم تكتمل بعد ولن تكتمل فى الأجل المنظور مما يعنى فى الحقيقة أن النظام العربى سوف يبقى ناقص الاكتمال حتى ذلك الحين.
      لا تخفى حقيقة أن الدعوة لإقامة نظام إقليمى شرق أوسطى سوف تبقى معنا، تتوارى حينا وتكشف عن نفسها فى حين آخر متأثرة بحدة التطورات فى كل المناطق الحدودية للنظام الإقليمى العربى. المدهش فى هذا الموضوع هو أن العرب ليست لهم مطالب مشروعة أو غير مشروعة فى أراضٍ أو مواقع تخضع لنظام إقليمى مجاور إلا فيما ندر، بينما لجميع حكومات دول الجوار بدون استثناء مطالب فى أراضينا وثرواتنا.
       التغيرات كثيرة فى مناطق حدود النظام العربى وبعضها عويص ومعقد. التغيرات أيضا كثيرة داخل الدول أطراف النظام العربى وبعضها صعب ولكن قابل للتعامل معه. مثلا فى كل من تونس وليبيا والسودان ولبنان والعراق وسوريا تغيرات أو استعداد للتغيير تستحق التركيز عليها إن شئنا وحدنا أو مع غيرنا استعادة النبض إلى قلب النظام العربى. هنا فى مصر أزمة اقتصادية خانقة وقد تصبح ممتدة ولكنها مع كل تعقيداتها وصعوباتها لن تكون قيدا على حركة وإبداع أجيال عريضة تمثل مخزون الخبرة السياسية والعريقة فى شئون النظام الإقليمى. هناك أيضا فى المملكة السعودية تغيرات من نوع مختلف حدثت وأخرى على الطريق لتحدث وكلها بدون استثناء عادت تفرض على الخارج الاهتمام بالمملكة كلاعب هام ومؤثر فى الإقليم وخارجه. أظن وبثقة متجددة أن فى تلاقى مصر والمملكة على طريق التوسط لتسوية النزاعات العربية العربية والنزاعات داخل الدول العربية وتجديد كفاءة النظام الإقليمى العربى ومؤسساته وأهمها جامعة الدول العربية وعن طريق حقن دماء نقية فى شرايين أسسه الثلاثة فرصة لعودة الروح.
      أعلم أن هناك فى الخارج من يؤكد وهناك من يحلم بأن الشهور القليلة القادمة سوف تشهد عودة الاهتمام العالمى بالشرق الأوسط، وبالتحديد بالإقليم العربى. وراء هذه العودة، إن حدثت، أسباب كثيرة. أهمها، أن الشرق الأوسط بتاريخه ومكانة أديانه وتعددية أعراقه وطوائفه وشبابية ديموغرافيته وغنى ثرواته الطبيعية وندرة مياهه يبقى لغزا لا يحل نفسه بنفسه أو يحله آخرون ببساطة. من هذه الأسباب أيضا أن الدول الخليجية، أو أغلبها على وجه الدقة، أثبتت فى الآونة الأخيرة نيتها فى أن تحظى بدور هام فى مجال السياسة الدولية.
      أسمع أن عرض المملكة السعودية التوسط بين روسيا وأوكرانيا ما يزال مقدرا لدى الأطراف الكبرى فى الصراع باعتبار أنه يستند إلى مصادر قوة ملموسة ومؤثرة ويعبر عن اعتراف ذاتى من المملكة بأهمية وجدوى قفزاتها نحو مستقبل مخطط له. أعلم أيضا أن بعض الغرب يستشف فى الأزمة المصرية الراهنة كما فى روسيا فرصا لا يجوز التفريط فيها. هى أيضا تجدد فى الموروث السياسى الاقتناع بأن مصر تظل فى أزماتها قوة معنوية لا يستهان بمفعول ضعفها وبخاصة فى عالم يئن نظامه الدولى تحت وقع الفوضى الضاربة أطنابها فى كافة جنباته، وفى نظام إقليمى يتلوى بأوجاع الفقر وفجوات الثروة والدخول والغذاء والمياه.
      اللحظة حرجة وفى اللحظات الحرجة تتكثف آمال الأمة فى صحوة ثانية طال انتظارها، وفى اعتقادى أن عناصر الصحوة صارت جاهزة بفضل ما حققنا من نجاح وكرد فعل لنواحى فشل لم تعد خافية أبعادها الراهنة ولا خافية عواقبها لو استمرت.
     المدهش فى هذا الموضوع هو أن العرب لا مطالب لهم مشروعة أو غير مشروعة فى أراضٍ أو مواقع تخضع لنظام إقليمى مجاور إلا فيما ندر، بينما لجميع حكومات دول الجوار بدون استثناء مطالب فى أراضينا وثرواتنا.
 
 
جميل مطر  
كاتب ومحلل سياسي
 
خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...

أحدث الأخبار

رئيس الوزراء السنغالي ينتقد تواجد القواعد العسكرية في بلاده
12:00 17.05.2024
كاليدونيا الجديدة... طوارئ ومطالب بالاستقلال عن فرنسا
11:46 17.05.2024
صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد العراقي 1.4 % في 2024 و5.3 % في 2025
11:30 17.05.2024
روسيا والصين تعملان معاً من أجل خلق نظام عالمي عادل
11:15 17.05.2024
حماس ترحب بإعلان قمة البحرين وتوجه دعوة للدول العربية
11:00 17.05.2024
بطريرك القدس للاتين يزور مدينة غزة
10:45 17.05.2024
الهند المعارضة تتهم مودي بإصدار تصريحات تشهّر بالمسلمين
09:30 17.05.2024
الرئيس الموريتاني السابق يغادر السجن لتقديم ملف ترشحه للرئاسية
09:15 17.05.2024
مصر ترفض مقترحاً إسرائيلياً حول معبر رفح
09:00 17.05.2024
دبي تعتمد استراتيجية جودة الحياة في الإمارة
18:00 16.05.2024
ما تأثير الأحداث الجارية في جنوب القوقاز علي أذربيجان؟
17:26 16.05.2024
خبير سياسي : الإتحاد الأوروبي لن يساعد أرمينيا
16:00 16.05.2024
خبير سياسي : الغرب يسعي إشعال حرب بين جورجيا وروسيا
15:59 16.05.2024
انطلاق "قمة المناخ والمياه" في جامعة أضا
انطلاق "قمة المناخ والمياه" في جامعة أضا
14:52 16.05.2024
ما تأثير الأحداث الجارية في دول الجوار علي أذربيجان؟ أومود ميرزايف يجيب
13:52 16.05.2024
فيسبوك تحذف منشورات عن لقاء رئيس وزراء ماليزيا وإسماعيل هنية
12:45 16.05.2024
فرنسا تنشر الجيش لضمان أمن مرافئ ومطار كاليدونيا الجديدة
12:30 16.05.2024
مخيمات غزة تعاني ظروفاً مهينة للإنسانية
12:15 16.05.2024
مصر تتسلم 14 مليار دولار من الإمارات قيمة الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة
12:00 16.05.2024
مقتل 12 جندياً إسرائيلياً في عملية بمخيم جباليا
11:45 16.05.2024
طهران تعلن تسوية نصف القضايا العالقة مع الذرية الدولية
11:30 16.05.2024
زيلينسكي يلغي زيارته لأسبانيا والبرتغال بسبب تدهور الوضع في خاركيف
11:15 16.05.2024
فارض اسماعيل زاده: مشكلة المياه واحدة من أخطر المشاكل في أذربيجان
10:53 16.05.2024
الهند تقلّل من أهمية عقوبات واشنطن إثر اتفاقها لتطوير ميناء تشابهار الإيراني
10:30 16.05.2024
أردوغان إسرائيل قد تضع عينها على الأناضول بعد غزة
10:15 16.05.2024
العالم عند مفترق طرق
10:00 16.05.2024
الرئيس الفرنسي يعلن حالة الطورائ في كاليدونيا الجديدة
09:45 16.05.2024
الحكومة التركية تبذل قصارى جهدها لخفض معدل التضخم
09:30 16.05.2024
إطلاق نار على رئيس وزراء سلوفاكيا ونقله إلى المستشفى
09:15 16.05.2024
أردوغان يتهم حركة جولن بتدبير محاولة انقلاب جديدة
09:00 16.05.2024
الأمم المتحدة تفتح تحقيقاً بمقتل أول موظف دولي في رفح
17:30 15.05.2024
خبير عسكري : إذا توقفت عملية ترسيم الحدود...
16:45 15.05.2024
علييف : فرنسا تربك المجتمع الدولي
16:00 15.05.2024
خبير سياسي : أرمينيا لن تنضم للاتحاد الأوروبي
15:00 15.05.2024
بوريل: عملية رفح ستؤثر بقوة على علاقات أوروبا مع إسرائيل
14:00 15.05.2024
طائرة ترامب تتعرض لحادث في فلوريدا
13:00 15.05.2024
هل منطقة جنوب القوقاز علي مشارف حرب أوكرانية ثانية؟
12:19 15.05.2024
تحذيرات إسرائيلية من انسحاب مصر من الوساطة في مفاوضات غزة
12:00 15.05.2024
بوتين العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين تتطور بسرعة
11:30 15.05.2024
قبيل استضافتها للقمة العربية.. كيف تعاملت البحرين مع الحرب في غزة؟
11:15 15.05.2024
جميع الأخبار